لايعد الاعلام اثناء الانتخابات مرشد اتخاذ قرار العبور للمستقبل فقط, لكنه يمثل ايضا المراقب والموثق, والموجه والراصد, وكاتب التاريخ الجديد. ربما يتعامل البعض مع اعلام الانتخابات علي انه موسم صحفي, يزيد فيه النشاط, وتكثر حالة النميمة, وتخرج الملفات الشخصية وتصفية الحسابات, مافوق الترابيزة وما تحتها, ما انتهي وما نتوقع ان يحدث, موسم صناعة النجوم والبيزنس السري. المراقبون يرون انه ليس هناك اخطر علي انتخابات شرعية, ونزيهة, ومحايدة, ومعبرة عن ارادة الشعب, من اعلام فاسد مشوه للحقيقة, ومشهر بالاعراض والحياة الشخصية, ومستدع للفضائح. يعتبر تقرير الانتخابات الصادر عن معهد الاعلام والسياسة والمجتمع المدني ان وجود اعلام شامل وقوي هو اهم شرط لنزاهة وحياد وشرعية اي انتخابات, اعلام قادر علي عكس كل الاراء ناخبين ومرشحين ولا يخضع للضغوط. وعلي الرغم من ان النصوص والعهود والاتفاقيات الدولية لم تلزم الاعلام باجراءات محددة إلا ان هناك مجموعة من المعايير والمبادئ والقيم ومدونات سلوك التنظيم الذاتي جاءت نتيجة عدد من تجارب الدول الديمقراطية. ويشير دليل الارشاد التحريري في هيئة الإذاعة البريطانيةBBC إلي معيار التوازن وقيمته في تغطية الاحزاب والقوي السياسية المشاركة في العملية الانتخابية, بما يعكس اراء ومواقف وحجج كل الاطراف المتنافسة بشكل عادل ونزيه. ويوضح ياسر عبد العزيز الخبير الاعلامي والمدير السابق لمعهد التدريب الصحفي في ال بي بي سي قيمة ومعني التوازن في دليل الارشاد الصحفي, بأنه يعكس الاوزان النسبية للاحزاب السياسية المتنافسة لتظهر التغطية الاعلامية بشكل يكافئ وجودها في الواقع. ويضرب عبد العزيز مثالا, بأن الحزب الذي يحظي بنسبة20% من مقاعد البرلمان في اخر ثلاث دورات, يحصل علي مساحة زمنية اعلامية لبرامجه الانتخابية ولمرشحيه اكثر من الحزب الذي يحصل علي نسبة اقل من مقاعد البرلمان, لانه لا يمكن ان اعطي نفس الفترة الزمنية لحزب يحقق الاغلبية مثل حزب يضم في عضويته1200 شخص وأنشئ قبل5 سنوات ولايوجد له ممثل واحد في البرلمان. واشار عبد العزيز إلي ان العالم لم يعرف من مرشحي الرئاسة الامريكية إلا اوباما الديمقراطي وماكين الجمهوري, علي الرغم من وجود ثالث مرشح عن حزب الخضر لكنه لم يحظ بنفس المساحات الاعلامية لان حزبه ليس لديه نفس النشاط, وبالتالي فان وسائل الإعلام لم تعطه نفس مساحة الاهمية, لأن قوته وقواعده الجماهيرية ونتائج حزبه السابقة بالإضافة الي حظوظه المتوقعة لا تؤهله لذلك. ولا يقبل دليل تقرير الانتخابات للمعهد الدولي للاعلام والذي تعتمده الاممالمتحدة اي مبرر وحجج بظروف الضغط التي تجري تحت واقعها اي انتخابات, موضحا ان المعايير وضعت لتواجه الضغوط. ويحدد الدليل للاعلام المسئول والمحايد ثلاثة معايير وقواعد, اولها الدقة في الحصول علي الاخبار الصحيحة مثل اسماء المرشحين وتصريحاتهم, ووصف الاماكن والاعداد والاشخاص بدقة, والانتباه إلي ان جو الانتخابات جو عاطفي, ولتجنب الوقوع في هذا الفخ يجب الحذر عند نقل تعليقاتهم, وابراز معانيها, والسياقات التي قبلت فيها تجنبا لنقل حقائق منقوصة. ويحذر الدليل من تشويه المعني, وترديد اتهامات لا سند لها, او تحريف الحقيقة, او نشر مواد سبق نشرها, او نشر اخبار غير صحيحة, او ان تكون صحافة فاسدة. مجدي حلمي الصحفي والناشط الحقوقي يلفت النظر إلي ان الاعلام المصري يقع في خطأ مهم اثناء الانتخابات انه يوجه كل انظاره وكاميراته نحو جو الاكشن, الذي يحيط بالعملية الانتخابية, بصرف النظر عن مدي عائده علي الناخب, مع تجاهل قضاياها, التي هي الدور الاصيل للاعلام, وهي طرح قضايا الناخب علي وسائله المختلفة لانه موسم ايجاد الحلول, كما انه اي الاعلام يمنح المرشحين مساحة تتحول الي اعلان شخصي لأن الاصل في الانتخابات ليس المرشح, وانما البرنامج السياسي والاقتصادي الذي يطرحه وعلاقته بطموح ورغبات اهالي دائرته. الجميع اختلف حول القواعد التي يجب ان تتبع, لكنهم اتفقوا علي انه لا اجراءات ملزمة في التغطية الاعلامية, إلا الضمير المهني ومواثيق الشرف الصحفية والاعلامية, وضرورة الاهتمام بقضايا الناخب والمرشح الذي مهمته القدرة علي الوصول للناخب وليس مهمة الاعلام ان يتيح له الفرصة.