تمثل انتخابات مجلس الشعب القادمة حدثا سياسيا بالغ الأهمية. وذلك لأنه في الفترة الماضية ارتفعت أصوات بعض الجماعات السياسية الشاردة التي ظنت وهما أنها يمكن أن تقود عملية الإصلاح السياسي بعيدا عن الأحزاب السياسية الشرعية, بمقاطعة الانتخابات. وهذه الدعوة غير الديمقراطية ادعي المروجون لها وعلي رأسهم الدكتور البرادعي, أن من شأنها إسقاط الشرعية عن النظام! وتشكل وفد من عدد من الناشطين السياسيين الهامشيين الذين تملكتهم الرغبة العارمة في لعب أدوار الزعامة السياسية وهم غير مؤهلين بالمرة لها, لكي يمروا علي الأحزاب السياسية المعارضة لدعوتها لمقاطعة الانتخابات. غير أن الانتخابات القادمة سواء انتخابات مجلس الشعب أو الانتخابات الرئاسية, لاينبغي أن تشغلنا عن التفكير في المستقبل. ولابد من تغيير المادة76 الخاصة بترشيح المستقلين للانتخابات الرئاسية, لأن الشروط المتضمنة فيها تعجيزية في الواقع. والغرض من التعديل هو تيسير هذه الشروط, مع ضمان أن المرشح المستقل شخصية عامة جديرة بهذا الترشيح. وفشلت هذه الدعوة فشلا ذريعا, بعد أن قررت أحزاب المعارضة الرئيسية خوض الانتخابات بقوة, وهي حزب الوفد وحزب التجمع والحزب الناصري. وقررت هذه الأحزاب الدخول في منافسة قوية مع الحزب الوطني الديمقراطي وهو حزب الأغلبية, وذلك بتقديم عشرات من المرشحين في كل الدوائر تقريبا. بل إن جماعة الإخوان المحظورة التي تحالف معها البرادعي وقيادات الجمعية الوطنية للتغيير, والتي أخذت تراوغ فترة طويلة فيما يتعلق بموضوع مقاطعة الانتخابات, قررت أخيرا دخول الانتخابات, مما أصاب دعاة المقاطعة بخيبة أمل كبري! غير أن بعضهم وهذا هو المضحك في الأمر قرروا أن يحافظوا علي علاقاتهم الوثيقة مع الإخوان بالرغم من دخولهم الانتخابات. وقرر أحدهم أنه لابد من التنسيق مع الجماعة بعد الانتخابات, وقد يتفقون مع قادتها علي ضرورة أن يستقيل الأعضاء الناجحين منهم بعد نجاحهم للاحتجاج علي التزوير! وهذه في الواقع ليست أكثر من تخاريف سياسية تصدر عن مجموعة من الناشطين السياسيين, الذين ظنوا أنهم وحدهم هم زعماء الحركة الإصلاحية السياسية, وقادة التغيير! وفي تقديرنا أن انتخابات مجلس الشعب القادمة ستشهد تنافسا محمودا بالغ القوة بين مختلف الأحزاب السياسية, مما يجعلنا نتوقع نجاح عدد كبير من مرشحي أحزاب المعارضة الشرعية. وهذا لو تم فمعناه أننا سنشهد مجلسا للشعب يتسم بالتنوع السياسي الخلاق لو صح التعبير, وهذه مسألة بالغة الأهمية, لأن وجود حزب أغلبية مسيطر هو الحزب الوطني الديمقراطي ولا يواجه معارضة حقيقية, وضع لايؤدي الي ممارسة ديمقراطية سليمة. وذلك لأن الحزب يمكن أن يمارس كما حدث فعلا ديكتاتورية الأغلبية, بتمرير قوانين وتشريعات لم تنل حقها من المناقشة النقدية التي تقوم بها عادة أحزاب المعارضة. ولذلك فوجود عدد كبير من أحزاب المعارضة في تشكيلة المجلس الجديد سيعطي دفعة قوية للممارسة الديمقراطية في مصر. بل إننا نعتبر ذلك لو تحقق أول خطوة حاسمة في مجال تطوير الممارسة الديمقراطية, والخلاص من الإرث الثقيل للسلطوية السياسية التي عشنا في ظلها سنين طوالا. وترد أهمية التشكيل الجديد لمجلس الشعب إلي أنه سينعقد قبل انتخابات الرئاسة التنافسية القادمة. وهي انتخابات نرجو أن تكون تنافسية حقا, بمعني ضرورة أن ترشح أحزاب المعارضة منافسين أقوياء لمواجهة مرشح الحزب الوطني الديمقراطي. نريد معركة سياسية شفافة ونزيهة, لأن من شأن ذلك أن يفتح الطريق أمام تعديلات دستورية قادمة تمهد لتداول السلطة, لأن هذا التداول هو العنوان الأصيل للديمقراطية الحقة! غير أن الانتخابات القادمة سواء انتخابات مجلس الشعب أو الانتخابات الرئاسية, لاينبغي أن تشغلنا عن التفكير في المستقبل. وفي تقديرنا أن مجلس الشعب القادم في تعاون وثيق مع رئيس الجمهورية الذي سيخرج فائزا في الانتخابات الرئاسية, يواجه مسئولية تاريخية هي ضرورة تعديل الدستور. ونعتقد أن تعديل الدستور أصبح ضرورة ملحة بعد أن تغيرت بنية المجتمع المصري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. انتهي عصر الاشتراكية, ودخلنا بعمق مرحلة التحول الرأسمالي, ولذلك لابد من تغيير النصوص التي تتعلق بتمثيل الفلاحين والعمال في كل المجالس بنسبة50%. لأن هذه النصوص منذ تضمينها الدستور يتم التلاعب بها عن طريق ما يسمي تغيير الصفة, فلا العامل عامل ولا الفلاح فلاح! بمعني أن مدير شركة يمكن أن يرشح نفسه باعتباره عاملا, كما أن مالكا للأرض يمكن أن يرشح نفسه باعتباره فلاحا! هذه النصوص التي هدفت في البداية الي تمكين فئة العمال والفلاحين استنفدت أغراضها, وآن آوان إلغائها جملة وتفصيلا. نريد أعضاء في المجالس النيابية متعلمين ومؤهلين وقادرين علي مناقشة التشريعات, لأن مجلس الشعب أساسا مجلس للتشريع, بالإضافة الي وظيفته الرقابية. ولابد من تغيير المادة76 الخاصة بترشيح المستقلين للانتخابات الرئاسية, لأن الشروط المتضمنة فيها تعجيزية في الواقع. والغرض من التعديل هو تيسير هذه الشروط, مع ضمان أن المرشح المستقل شخصية عامة جديرة بهذا الترشيح. ومن ناحية أخري لابد من تعديل المادة77 لفتح الطريق أمام تداول السلطة بتحديد مدة رئاسة الجمهورية في مدتين فقط, فهذا هو الطريق أمام الإصلاح السياسي الحقيقي. بعبارة أخري تتمثل الأجندة السياسية للمستقبل التي ينبغي أن نفكر فيها منذ الآن في تنقية المناخ السياسي من كل الحدود والقيود التي تمنع أو تحد من الممارسة الديمقراطية الحقيقية. وفي هذا المجال هناك أسبقية لإلغاء حالة الطواريء وإصدار القانون الخاص بالإرهاب الذي وعدتنا به الحكومة. لأن وجود حالة الطواريء بما تعطيه للسلطات المختلفة من سلطات استثنائية من شأنه أن يجمد الممارسة الديمقراطية ويمنعها من الانطلاق. وبالرغم من التحول الإيديولوجي الذي تم في بلادنا من الاشتراكية الي الرأسمالية, إلا أنه ينبغي النص في الدستور الجديد المقترح علي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين. وذلك لأن تطبيق الاقتصاد الحر لا ينبغي أن يؤدي الي انسحاب الدولة من أداء مسئولياتها الاجتماعية في رعاية المواطنين من مختلف الجوانب. وذلك أدعي الي تحقيق الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي في نفس الوقت. كيف نعد الأجندة السياسية للمستقبل؟ هذا سؤال مهم, لأنه من الضروري أن يكون ذلك مسئولية مؤسسات المجتمع كلها, من أول الأحزاب السياسية الي مؤسسات المجتمع المدني, بالإضافة الي جهود المثقفين ومراكز الأبحاث. هذا جهد مجتمعي ينبغي أن يشارك فيه الجميع, لأنه يتعلق بمستقبل مصر والأجيال القادمة.