سؤال قلق وحائر هو مصر رايحة علي فين؟ يتردد هذا السؤال في الصحف وفي الفضائيات, ويوجه إلي المفكرين والباحثين من مختلف الاتجاهات السياسية. وغالبا ما يسود التشاؤم إجابات البعض, علي أساس أن الموقف السياسي يحيطه الغموض, بالرغم من أن الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب ستبدأ قريبا. قرارا الأحزاب السياسة المعارضة الرئيسية, وهي حزب التجمع وحزب الوفد والحزب الناصري بدخول الانتخابات ورفضها القاطع للدعوة التخريبية لمقاطعتها, كان صفعة شديدة وجهت لهؤلاء الأشخاص الذين دعوا الشعب للمقاطعة, وعلي رأسهم الدكتور محمد البرادعي الذي لا يكف في رحلاته الخارجية المتعددة عن إصدار التصريحات المستفزة, وكذلك لهذه الجماعات الشاردة والمتشرذمة, وعلي رأسها الجمعية الوطنية للتغيير التي انقلبت علي رئيسها البرادعي. من هنا يمكن القول أن الانتخابات القادمة لمجلس الشعب لو أجريت بنزاهة وبشفافية بحيث تعبر عن اختيارات الجماهير الحقيقية, يمكن أن تكون الخطوة الحاسمة في تقدم مسيرة الإصلاح السياسي وهناك تغيير يدعو له هؤلاء الناشطون السياسيون المستقلون وعلي رأسهم البرادعي, بحيث يكون انشقاقا علي النظام وليس عملا ديموقراطيا من داخله. لقد كونت هذه الجمعية وفدا منها ليطوف علي الأحزاب السياسية المعارضة, داعين أياها لمقاطعة الانتخابات علي أساس أنها كما زعموا ستكون مزورة! ولقد كان غريبا غاية الغرابة أن جمعية شعارها التغيير, تدعو الشعب المصري إلي السلبية, وعدم المشاركة السياسية! لقد صدرت الدعوة عن مجموعة من الناشطين السياسيين الذين دخلوا حلبة السياسة حديثا, وهم لايعرفون قواعد الممارسة السياسية, وليست لديهم أدني فكرة عن سوسيولوجية وسيكولوجية المجتمع المصري. هم لايعرفون أن الانتخابات الدورية ضرورية للمواطنين المصريين, لأنها تتيح لهم الاحتكاك المباشر بالمرشحين في مختلف الدوائر, والذين ينتمون إلي جميع الأحزاب السياسية. وهي فرصة لهم بالمطالبة بمزيد من الخدمات في دوائرهم, وبمحاسبة النواب الذين نجحوا في الدورة الماضية في ضوء إنجازاتهم الفعلية. أما من الناحية الاجتماعية فتحكم الانتخابات عوامل شتي تختلف في الريف حيث العصبيات العائلية, عن الحضر حيث جماعات الناخبين الذين لا ينتمون بالضرورة إلي عصبيات. خبرة طويلة ممتدة للمواطنين المصريين منذ إصدار دستور1923, وتشكل الأحزاب السياسية المختلفة التي دخلت عديدا من المرات انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ. لقد مر المواطنون المصريون من مختلف الأجيال بخبرات الانتخابات المتعددة, وبكل ما يحيط بها من تحديات ومشكلات واخفاقات ونجاحات. ولاشك أن توجهات النظام السياسي في كل مرحلة تاريخية كانت تحدد شكل الانتخابات ومضمونها, من حيث تحديد الدوائر والانتخابات, ومدي التنافسية الحقيقية في إجرائها, وتأثير العصبيات ورأس المال في نجاح بعض المرشحين, وقدرة بعض النواب أصحاب المبادئ علي تجاوز عقبات الانتخابات المتعددة. من هنا يمكن القول أن الانتخابات القادمة لمجلس الشعب لو أجريت بنزاهة وبشفافية بحيث تعبر عن اختيارات الجماهير الحقيقية, يمكن أن تكون الخطوة الحاسمة في تقدم مسيرة الإصلاح السياسي, بعد التعديل الدستوري الثوري الذي جعل الانتخابات الرئاسية تنافسية لأول مرة في تاريخ مصر. وهذه الانتخابات فرصة نادرة تتيح للأحزاب السياسية عموما وأحزاب المعارضة خصوصا, أن تعيد تجديد دمائها, وأن تدفع بأجيال جديدة من شباب الأحزاب لكي يخوضوا تجربة الانتخابات بكل ما فيها من تفاعلات يومية مع الجماهير, ومن شحذ لقدراتهم علي التواصل معها, سعيا وراء إقناعها بأفضلية البرامج الحزبية التي دخلوا الانتخابات علي أساسها. وليست أحزاب المعارضة الشرعية فقط هي التي دخلت الانتخابات, ولكن قررت الجماعة المحظورة( ونعني جماعة الإخوان) دخول الانتخابات أيضا علي أساس ترشيح أعضائها باعتبارهم مستقلين. وهذه الجماعة نجحت في الدورة الماضية في أن ينفذ منها إلي مجلس الشعب86 نائبا, وهو عدد كبير نسبيا ربما لم يكن يعكس قوة الجماعة, بقدر ما يمكن رده إلي ضعف أداء الأحزاب السياسية المعارضة الشرعية. علي أي حال, لدي الأحزاب السياسية المعارضة فرصة تاريخية لإبراز برامجها السياسية التي تركز كلها بدون استثناء علي تدعيم أركان الدولة المدنية, وترفض دعوة الإخوان إلي تأسيس دولة دينية, بالرغم من أنها تحاول ذلك باستخدام الأساليب الديمقراطية, حتي يتم لها الانقلاب علي الدولة المدنية الراهنة. إن هذه الانتخابات التي تخوضها الأحزاب السياسية المصرية الرئيسية من شأنها أن تكشف دعاوي الناشطين السياسيين المستقلين علي اختلاف توجهاتهم والذين ظنوا وهما أنهم يستطيعون هم بمفردهم وبعيدا عن الأحزاب السياسية المعارضة, تحقيق الإصلاح السياسي تحت شعار التغيير الذي رفعوه عاليا. غير أن شعار التغيير يمكن أن يفهم بمعان شتي. هناك تغيير في إطار النظام السياسي القائم تقوم به أحزاب المعارضة لأنها جزء من النظام. وهناك تغيير يدعو له هؤلاء الناشطون السياسيون المستقلون وعلي رأسهم البرادعي, بحيث يكون انشقاقا علي النظام وليس عملا ديموقراطيا من داخله. وإلا كيف نفسر دعواتهم التخريبية للقيام بعصيان مدني إن لم يستجب النظام إلي مطالبهم في التغيير؟ وإذا كانت دعواهم الملحة لمقاطعة الانتخابات النيابية والرئاسية قد فشلت فشلا ذريعا, فإن دعوتهم للعصيان المدني ستلاقي نفس الفشل, ليس فقط لأنها دعوة تخريبية في الواقع تروج للفوضي, ولكن أهم من ذلك لأنها تدل علي جهل عميق بتركيب المجتمع المصري, وبالاتجاهات السياسية الأساسية لفئاته وشرائحة وطبقاته. ونحن نأمل أن تفتح الانتخابات القادمة صفحة جديدة في الانتخابات النزيهة والشفافة, ونريدها أن تكون نموذجا للانتخابات الرئاسية القادمة التي نتوقع أن تدور فيها منافسة قوية بين مرشحين متعددين. الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية القادمة من شأنها لو أديرت بكل شفافية أن تفتح الطريق نحو تداول سلمي للسطة في مصر!