سنوات مضت ويطرح السؤال نفسه علي كل المعنيين بالشأن العام في مصر هي رايحة فين؟ ومع غموض الموقف من انتقال السلطة وضعف المعارضة المصرية ودخول البرادعي علي الخط وهيمنة رجال الأعمال علي الحكم مع تراجع النواحي الاقتصادية واستمرار انخفاض مستوي الدخل وزيادة الغلاء دون أن يواكبه ارتفاع الدخل يبقي السؤال هي مصر رايحة فين؟ الأسبوع الماضي بينما كنت في طريقي لأحد البنوك في وسط القاهرة فوجئت بتزاحم أمني في الطريق يغلق الشوارع المحيطة ويحاول رجال أمن سريون فض تجمعات المارة التي تتابع ما يجري، حتي اقتربت من مصدر الصوت فإذا بعدد من الموظفين تجاوزوا المائتين تقريبا يركبون سلم بنك مصر الرئيسي ويهتفون هتافات عدائية ضد الحكومة المصرية ورئيسها الدكتور نظيف وأمين التنظيم في الحزب الوطني، رأيت بعضهم وقد خلع ملابسه واكتفي بالداخلي منها يطبلون ويصفرون ويزعقون، حاولت معرفة سبب التجمع والتظاهر فعلمت أنهم ذهبوا لصرف رواتبهم فلم يجدوا شيئا فتجمهروا وتظاهروا، سافرت خارج مصر في اليوم ذاته فلم أتابع خبرهم في وسائل الإعلام المصرية. وقبلها استمرت تجمعات ووقفات احتجاجية مختلفة المشارب والوظائف أمام مجلس الشعب، التحف المتظاهرون الرصيف المواجه، واستمرت احتجاجاتهم لأيام وربما أسابيع ،خلعوا ملابسهم أيضا ومنهم من قضي حاجته علي سور مجلس الشعب!! وغالبيتهم أقاموا الصلوات هناك أيضًا، ضجر الناس وكان القاسم المشترك بينهم أنهم يخرجون من ملابسهم. قال لي صديق: الحكومة المصرية تتعامل مع هذه التظاهرات بمرونة وليونة، وأجهزة الأمن لا تستعمل القسوة لفض مثل هذه التظاهرات ذات المرجعية الاجتماعية والاقتصادية عكس موقفها من التجمعات السياسية التي تعاملها بقسوة وعنف، لكني خالفت صديقي رأيه، لأن القسوة استخدمت في نهاية المطاف وتم فض هذه التجمعات بالقوة خلال الأيام الماضية، والخوف من المشكلات الاجتماعية ذات الطبيعة الاقتصادية أكثر خطرا من غيرها، فالرهان علي خروج الشعب المصري إلي الشارع لن يتم إلا إذا تهدد المواطنون في لقمة عيشهم وفي رغيف خبزهم وفي مصاريف بيوتهم!! وهذه التظاهرات مقدمة لازمة لإمكانية نزوح عامة الشعب إلي الشارع والطرقات والميادين غير عابئين بتصدي أجهزة الأمن لهم، الناس كانت تخاف من السياسة، كانوا يعتبرون التعاطي مع الشئون السياسية وأمور الحكم رفاهية لا يقدرون عليها ومشاكسة للسلطة في كراسيها، لكن الموقف بالنسبة لهم حاليا يختلف، فهم لا يقدرون علي البقاء خلف أبواب منازلهم لأنهم لا يجدون الحد الأدني لمعيشتهم كنت في دمشق أسامر سائق التاكسي الذي يقلني فإذا به يوجه لي سؤالاً مباغتًا هل صحيح أن مستوي دخل المواطن المصري 300 جنيه؟ فحركت رأسي خجلا بما يفيد الموافقة، فمضي السائق السوري متهكما: كيف يعيش المواطن المصري؟ لو حاولنا إجراء معادلة حسابية بطريق الآلة الحسابية «الكلكيوتر» لفشلت كل هذه المحاولات الإليكترونية في حساب أو حل معادلة قدرة المصري علي الحياة؟ لهذه الدرجة أصبحنا موضع تندر الغير حتي في العاصمة السورية دمشق!! كنا في السابق من سنوات ليست طويلة ننعي علي الحزب الوطني الحاكم أنه يعتمد في تشكيلاته الوزارية علي موظفين تكنوقراط في درجة وزراء لا يتعاطون السياسة، لكن الموقف تغير واعتمد الحزب في تشكيلاته علي بزنسمان رجال أعمال لم يتعاطوا السياسة أيضا، غير أنهم يديرون مرافق الدولة بمنطق الشركات التي ينبغي أن تربح ولا تعرف منطق الخسارة، لذلك لا يشعرون بآهات الناس ولا معاناتهم ولا يفهمون ضرورة دعم محدودي الدخل، بينهم علاقات وروابط اجتماعية وأسرية تجعلك تشعر بالمنطق العائلي في إدارة شئون الدولة!! يديرون الوزارات ويديرون في الوقت نفسه شركاتهم دون تعارض ولو أقسموا بالله ألف مرة أنهم تركوا إدارة الشركات لأبنائهم أو أزواج بناتهم، فكيف نثق بأن يدير مرفق السياحة زهير جرانة وشركاته تعمل جهارا نهارا في البزنسة؟ والمغربي يدير قطاع الإسكان بمنطق البزنس وتسقيع الأراضي ويعقد المسابقات والمزايدات لحجز الأراضي فترتفع الأسعار أكثر فأكثر، والمغربي بزنس سياحة يستوزر في الإسكان وجرانة بزنس سياحة ويستوزر في الإسكان وهكذا دواليك، وهم يشعرون بالنجاح لأنهم أخرجوا ملايين الجنيهات وربما الدولارات من تحت البلاطة لأن هذه الملايين التي تودع في بنوك الإسكان لحجز الأراضي أو الوحدات السكنية لم تخرج من حسابات بنكية وإنما من تحت البلاطة، ليس مهما أن تكون تحويشة عمر موظف تغرب سنوات عمره أو معار في الخارج المهم أن الملايين خرجت ودخلت في حسابات البنوك، والدولة المصرية طبعا تستثمر فلوس الغلابة حتي لو كانت فلوس المعاشات مصر رايحة علي فين؟ والشعب يعاني معاناة معيشية اقتصادية خانقة، وبراشوت البرادعي لم يهبط بعد، فالرجل يتنقل بين القاهرة وواشنطن والسويد ويتناول طعامه بالشوكة والسكين، يعزل ويعين في صفوف فريقه كما يحلو له، أجندته غامضة غير واضحة، وهكذا خرجت زفرات المصريين كما تخرج كل مرة مع كل أمل سرعان ما يخبو حين يمسكونه بالسراب!! وسوف يظل السراب طالما انتظروا مخلصا من شرق أو غرب (إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) والمعاناة السياسية لا تختلف عن المعاناة الاقتصادية، فقوانين الانتخابات تغيرت لتعزل الإشراف القضائي بعيدا، فلا يدخل مجلس الشعب أو الشوري إلا أصحاب مقاسات معينة ومواقف معينة!! وهذا هو مجلس الشوري بروفة أولي لانتخابات تشريعية مقبلة في الشهور القليلة المقبلة كلها تصب في اتجاه مصادرة حق الشعب في الاختيار وانسداد قنوات التفاهم والذين يحتكرون أمور حياتنا مدنيون ليسوا عسكر، شبان وليسوا شيوخا حتي بتنا نترحم علي أيام العسكر ونترحم أكثر علي الشيوخ أطال الله في أعمار كمال الشاذلي وسرور والشريف وأذهب أيام عز وجرانة والمغربي ومش قادر أقول جمال لأن الراجل لسه مجاش.