أكثر من64 مسلسلا قدمت رؤية مختلفة للمجتمع المصري بمختلف شرائحه, وفئاته, وتناولت العديد من القضايا, والمشاكل, منها العنوسة, الزواج, السلطة, مجتمع رجال الأعمال, والحارة المصرية والمجتمع الصعيدي, وتجارة المخدرات, والثأر, وحاولوا إلقاء الضوء علي هذه القضايا, لكن السؤال هل نجحت الدراما المصرية في تجسيد حياة المصريين علي شاشة التليفزيون, وكيف تراهم؟ أنقسم النقاد, وعلماء الاجتماع حول ذلك, فمنهم من رأي أن الدراما لا يجب أن تقدم الواقع كما هو, وأن لها رؤيتها الفنية, وتصوراتها عن الواقع, ومنهم من رأي أن الدراما لا تري المصريين, ولاتعرف شيئا عن المجتمع المصري, ومنهم من رأي أنها نجحت في تقديم جزء من الواقع.يوضح الناقد عصام زكريا أن وظيفة الدراما ان تصنع صورة للمجتمع إما للأفضل علي اساس انها تتمني أن يكون عليها, أو صورة تحذر فيها المجتمع مما سيحدث لكنها ليست تجسيدا للواقع, وغير مطلوب منها أن تجسده, لأن تجسيد الواقع مهمة الأفلام التسجيلية. وأشار إلي أن الدراما الآن غير قادرة أن تصل إلي هذا الطموح, فلا تقدم أيا من الصورتين, وأصبحت الدراما موضة, ومادة ركيكة للواقع, فيقدم كتاب السيناريو بعض القضايا, والأحداث المأخوذة عن الجرائد, او يقدموا سيرة ذاتية لأحد الأشخاص, ويصفوا ما قدموه بالواقعية. كذلك فإن المسلسلات التاريخية تقدم التاريخ بدون عمق فكري, او إنساني, أو نظرة نقدية حقيقية. ويصف زكريا ما يقدم في الدراما المصرية بأنها أفكار سطحية, وتركز علي شريحتين أما رجال الأعمال, او الحارة, لأنها دراما ينجذب اليها المشاهد, وتمثل النقيضين بين قمة الهرم, وقاعه والتفكير الميلودرامي, والبحث عن الإثارة هو السبب في تقديم هذه النوعية, والمشاهدون اصبحوا يبحثون عنها, اما ان يشاهدوا امرأة تتزوج من خمسة رجال, او لم تتزوج وعانس, بمبالغة بعيدة عن الواقع. وأضاف زكريا ان الفنانين جزء من المجتمع ويعبرون عن حالة الدراما التي يعيشها المجتمع, فهم ليسوا فلاسفة, أو وعاظ بل يعبرون عن حالة الارتباك, والتشوش الموجودة في المجتمع. ان الدراما المصرية مريضة, نتيجة مرض المجتمع, وهذه هي حالة الانعكاس التي تحدث, بالإضافة إلي عدم الاهتمام بالزمن عند صناع الدراما, والجمهور, وهذا هو السر وراء الإيقاع البطيء. ويضيف زكريا ان الدراما المصرية عبرت عن المناخ الذي يعيشه المجتمع الآن, وما قدم من مسلسلات كان بناء علي هذا المناخ. ومن جانبه قال الناقد أحمد يوسف إن ما يقدم في الدراما التليفزيونية, او السينمائية, مجرد مواقف جاهزة يتم تفصيلها, ومعظم الأفلام, والمسلسلات يتم استنساخها من أفلام, ومسلسلات أخري, بدون بحث, او دراسة, او رؤية. فمثلا الصعيد, نجد أن معظم صناع الدراما لا يقومون بأبحاث, او دراسات عن المجتمع الصعيدي, ولا يذهبون ليروا شكل الحياة في الصعيد, كذلك الحارة التي أصبحت نموذجا شائعا فلا تقدم بشكل واقعي, يتم تقديمها بشكل رديء مجرد ناس كل ما يهمهم في الحياة هو الجنس, والمخدرات, انما أهل الحارة الحقيقيون يهتمون بلقمة العيش, والحياة, أكثر من الجنس, فالمخرج توفيق صالح حين اراد تقديم الحارة في فيلم درب المهابيل ذهب إلي الحارة الحقيقية, وجسدها بشكل واقعي في البيوت المتلاصقة, أحلام الناس البسطاء, وطموحهم في حياة أفضل اما ما يقدم الآن عن حياة البسطاء غير واقعي, وكأنهم ناس غير الناس. وأكد يوسف ان الدراما التي تقدم الآن ليس لها علاقة بالمصريين, ولا تري المصريين الحقيقيين بل نظهرهم كأنهم مجرد أفكار مستنسخة, من أفلام, ومسلسلات أخري, وتجارة, ليس لها علاقة بالواقع, ومعظم صناع الدراما لا يذهبون للاماكن الحقيقية, ولا يرون الناس وكيف تعيش, وكأنهم يتحدثون عن ناس آخرين, ومجتمع أخر في خيالهم لا يعرف سوي صراع الفقر والغناء, والخير, والشر, ومافيا رجال الأعمال والحارة, والمخدرات, والدعارة واختفت النماذج الأخري من المجتمع قال أعتقد ان معظم الدراما المصرية سواء التليفزيونية, او السينمائية, لم تعبر عن المجتمع المصري, ولا الشخصية المصرية التي قدمها عظماء المخرجين, والمؤلفين. وقال الناقد رامي عبدالرازق يجب أن نتحدث عن الشرائح التي ناقشتها الدراما هذا العام في المسلسلات والقضايا التي ناقشتها فمثلا مسلسل أهل كايرو كان أقرب إلي الشخصيات الموجودة في المجتمع, فاستعرض فيه المؤلف بلال فضل اكثر من شخصية موجودة في الواقع, رئيس التحرير المتلون, والصحفية التي تعيش صراع المهنة, والضابط الذي يحاول ان يكون نزيها, والشاعر المحبط, والشخصية الرئيسية صافي سليم الفتاة التي تعتمد علي جمالها لتتخطي الفقر, وتحقق أحلامها بأي وسيلة, فالمسلسل إلي حد كبير كان واقعيا, باستثناء اسم المسلسل أهل كايرو لأن الاسم مفتعل ولا يعبر عن كل المصريين لأن شخصياته مجرد نماذج تعيش في القاهرة. وأضاف رامي ان مسلسل قضية العنوسة, والزواج فمسلسل عايزة أتجوز لهند صبري رغم أنه كوميدي, لكنه تحدث عن شخصية واقعية وهي الدكتورة الصيدلانية, التي يضغط عليها المجتمع لتتزوج وفي مقابله مسلسل زهرة وأزواجها الخمسة الممرضة التي لاتملك إلا جمالها والرجالة هاتموت عليها وهذا يحدث في المجتمع سواء اتفقنا أو اختلفنا علي الناحية الفنية للمسلسلين بالإضافة لمسلسل نعم مازلت آنسة لإلهام شاهين, فإنه يتحدث عن شريحة مختلفة وهي ما تبقي من الطبقة المتوسطة, تخطت الثلاثين ولم تتزوج وتواجه ضغوط المجتمع, وأعتقد ان المسلسل عبر عن هذه الشريحة بشكل جيد, رغم الأحداث الفاترة, والايقاع البطيء. أما مسلسل شيخ العرب همام فكان فيه بحث جيد عن جذور, واصول الشخصية المصرية فالمسلسل بحث عن طبيعة الشخصية المصرية, ووضحت حالة السلام الديني التي كان يعيش فيها, في مقابل اخلاق المماليك, والقيم التي تركوها في المجتمع من الخيانة والدناءة وحب المادة التي أصبحت هي الآن القانون العام الذي يحكم المجتمع المصري. كذلك مسلسل بره الدنيا لشريف منير الذي استحق اسمه لأنه كان برة الدنيا ففكرة البطل الشعبي أصبحت مستهلكة, والمليودراما التي تصف دائما الطبقة المتوسطة بالخير, ورجال الأعمال بالشر, ليست حقيقية, ولا تعبر عن المجتمع ولا المصريين, ولا أي شيء. وأضاف رامي قائلا مسلسل حكايات بنعيشها لليلي علوي جزء كابتن عفت كان أقرب للواقع, فعبر عن تفاصيل الأرملة, وأولادها, ومشاكلها في المجتمع, كذلك الشخصيات المدرب الفاشل, والأب ولاعبي الكرة المحبطين, والمتدين, الذي يرفض ان يتزوج فتاة كان علي علاقة بها, كلها كانت شخصيات واقعية, باستثناء بعض الشخصيات النمطية. أما مسلسل بالشمع الأحمر ففكرته كانت جيدة, لكنها ضاعت لأن المؤلفة لم تقدم سوي نماذج من حوادث مأخوذة من صفحات الحوادث في الجرائد, لكنها لم تتوغل في الخلفيات الاجتماعية لهذه الجرائم, والتحولات الاجتماعية التي حدثت للمصريين, بالإضافة للشخصية المثالية اكثر من اللازم التي قدمتها يسرا, فلا يوجد شخص بهذه المثالية المفرطة. وبوجه عام مازلت الدراما المصرية لاتري المصريين بشكل جيد, وهناك قضايا كثيرة لم تناقش, بالإضافة إلي أن الحديث عن الطبقة المتوسطة يحتاج إلي انغماس اكثر في المجتمع, وكذلك في الحديث عن التيارات الدينية, يحتاج لبحث, ودراسة فمثلا مسلسل الجماعة ناقش النقاب بشكل فج, ومسلسل قصة حب تكلم عن التيار الديني بشكل قديم, وأفكار لم تعد موجودة, فمشكلة الدراما المصرية انها يغلب عليها الطابع النظري, وليس الانسانيات, والقرب من الشرائح التي تتحدث عنها, مجرد شعارات, وجمل رنانة, وهجوم علي أفكار, بدون الاحتكاك الحقيقي بالأسرة, والشرائح المصرية, ويرجع ذلك لضعف مستوي الكتابة.