الدراما الصعيدية أصبحت فاكهة الشاشة الصغيرة، ومسلسلاتها تلقى مساحة واسعة من المتابعة رغم الكم الكبير من الأعمال التى تعرض إلى جانبها، ولم يكن غريبا أن تستقر في أعماق الذاكرة أعمال درامية مثل «ذئاب الجبل»، و«الليل وآخره»، و«الضوء الشارد»، و«الفرار من الحب»، وغيرها من المسلسلات التى قدمت جو الجنوب الساحر بتقاليده الراسخة، ومفرداته القوية، ومجتمعه المثير. وبعد النجاح الذى حققه مسلسل «حدائق الشيطان» للفنان جمال سليمان ومن بعده «الرحايا» الذي قدمه الفنان نور الشريف في رمضان الماضي بدأت الدراما الصعيدية فى الزحف وبقوة على مشروعات الدراما للموسم المقبل، وإعلان العديد من المخرجين عزمهم لتقديم مسلسلات تتناول المجتمع الصعيدي، ومنها «شيخ العرب همام» بطولة الفنان يحيى الفخرانى وصابرين وتأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج حسنى صالح، ويتناول قصة حياة الشيخ همام الذي كان زمام نفوذه يمتد من المنيا حتى أسوان، وساهم في توحيد الصف في مواجهة المماليك. و«مملكة الجنوب» بطولة عمرو سعد وتأليف سلامة حمودة والذي يحكى عن عائلات داخل الصعيد تعمل بطرق غير مشروعة في تجارة الآثار والمخدرات ويرث أحد الأبناء هذه الصراعات فيما يشبه إلى حد كبير قصة فيلم الجزيرة. ومسلسل «تحت الرماد» المأخوذ عن قصة لأسامة أنور عكاشة وسيناريو وحوار ياسر عبد الرحمن أحمد والذي تدور أحداثه في الفترة ما بين السبعينيات إلى عام 2006 ويرصد خلالها التغيرات التي طرأت على المجتمع الصعيدي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ومسلسل «بيت الباشا» بطولة الفنان صلاح السعدنى وتأليف سماح الحريري وإخراج هاني لاشين ويحكى عن فترة الأربعينيات في منطقة الهرم من خلال شخصية رجل صعيدي ينقب عن الآثار الفرعونية بمساعدة أبنائه لبيعها للأجانب. ومسلسل «وحوش أليفة» بطولة خالد صالح وعزت العلايلى، تأليف أيمن عبدالرحمن وإخراج أحمد عبدالحميد. هذا الكم من المسلسلات الصعيدية يجعل المهتمين بشئون الدراما يتساءلون إن كان هذا الاتجاه الجارف للصعيد بدافع البحث عن صورة وموضوعات مختلفة للدراما ؟ أم أنه يأتي كخط دعائي بعد التفات الدولة للجنوب الذي ظل مهملا لسنوات طويلة؟ وهل ستتمكن الدراما أن تعبر بالفعل عن مشاكل الصعيد وواقعه وأحلامه؟ أم سيكون مجرد سير في الموجه الجديدة؟ وهل تظل الدراما الصعيدية سجينة لموضوعات تدور حول كبير العائلة أو المسيطر؟ الفنان يحيى الفخرانى يستبعد أن تكون هناك حالة توافق بين صناع الدراما والتوجه الرسمى للدولة فى الاتجاه نحو الصعيد، أو أن يكون نجاح «الرحايا» محرضا على غزو هذه المنطقة، ويرى ان الموضوع هو الأساس وهو الذي يفرض شكل التناول، وقال: إن «شيخ العرب همام» يرصد موضوعا جديدا تماما عن أي مسلسل صعيدي تم تقديمه من قبل، ولو كان المسلسل يتحدث عن أي صعيدي عادى لما وافقت عليه». وقد قدمت الصعيدي من قبل في مسلسل «الليل وآخره» ولذا حرصت على أن يكون الشيخ همام مختلفا عن الشخصية التى قدمتها من قبل، وهنا لا علاقة لي بتوجه الدولة». والواقع أن همام هو كبير الناحية والموجود أمثاله في منطقة الصعيد إلى الآن، ولكن المسلسل يتناول من خلاله قضية مختلفة شديدة العمق. ويتفق الفنان خالد صالح مع الفخرانى في الرأي ونفى أن يكون مسلسله «وحوش أليفة» دعاية لمشروعات الدولة، معللا رأيه بأن دراما الصعيد يتم تقديمها منذ فترة طويلة مضت والفن مهتم بالتعبير عن قضايا الجنوب كثيرا، فيما وصف صالح فكرة الاعتماد على شكل العائلة الصعيدية وكبيرها بأنها دليل على التحضر، فالكبير شيء نفتقده بشدة في الوقت الحاضر، ففي الصعيد لا يصبح الكبير ذا نفوذ وأمر مطاع إلا بحكمته وقراراته ولا أعنى بكلامي هذا القوى الذي تهابه الناس لمجرد الخوف فقط. أما المؤلف محمد صفاء عامر فيرى أن منطقة الصعيد بطبيعتها ملهمة لكثرة مشاكلها المتمثلة في العدوان على الأراضي الزراعية كما قدمتها في «الفرار من الحب»، والتنوير في مواجهة الجهل كما في مسلسل «ذئاب الجبل»، وضيق الموارد، وتجارة السلاح.. وغيرها من المشاكل التي لا توجد بصورة كبيرة إلا في الصعيد. وأضاف «ليس هناك ما يسمى دراما صعيدية أو بحراوية أوغيرها، ولكن هناك مسلسلا جيدا وآخر سيئا، وكثرة المسلسلات الصعيدية دليل على نجاحها وليس تنفيذا لتوجهات حكومية، وبالمناسبة تحويل مدينة الأقصر إلى محافظة لا يعد دليلا على اهتمام الدولة بالصعيد»، مشيرا إلى أن الذي يظهر الرجل الصعيدي على أن صوته عال وثائر فهو لا يعرف روح الصعيد لأن الصعيدي له مشاعر مثلما قدمت في مسلسل «الضوء الشارد»، والذي يكتب عن الصعيد لابد أن يكون منه حتى يعبر عنه بواقعية. ويرى أسامة أنور عكاشة أن كثرة تقديم المسلسلات الصعيدية يأتي بدافع التقليد أو موضة، ففي أيام تكثر مسلسلات المخدرات وأخرى تكثر فيها مسلسلات الصعيد، وهكذا. وأضاف: «شكل الأداء في هذه النوعية ارتبط بالقوة والصوت العالي.. ارتبط بالنمطية فقط، فمجرد ظهور الشخصية الصعيدية نجد تون الصوت يعلو وذلك بسبب الكسل الذهني وعدم الرغبة في تقصى الحقيقة لتقديمها بواقعية». وفى الوقت الذي تحفّظ فيه المؤلف عبدالرحيم كمال على الحديث عن تجربته في الدراما الصعيدية، أكد شريكه المخرج حسنى صالح أن نجاح «الرحايا» كان دافعا لصنع المسلسلات الصعيدية لأن المسلسل الجيد يفرض تيمته، فبعد «حدائق الشيطان» كتب العديد من الكتاب الكبار مسلسلات صعيدية ولكنها لم تنجح، مشيرا إلى أن تقديم 5 أو 6 مسلسلات صعيدية وسط 50 مسلسلا لا يعد كمّا كبيرا ولا يمثل ظاهرة أو اتجاها لخدمة فكرة ما. أما فيما يتعلق بمسلسل «شيخ العرب همام يقول مخرجه بأنه يتناول فكرة وحدة الأمة فى شخصية همام الذى يعد صورة رمزية لأن عبدالرحيم كمال اختار شخصية تاريخية استطاعت أن توحد الشعوب ضد الاستعمار المملوكي وهنا لا نلعب على تيمة الكبير بالشكل المتعارف عليه فى هذه النوعية من الأعمال. واعترف المخرج سامى محمد على بوجود تقصير من جانب صناع الدراما فى التعبير عن مشاكل هذا المجتمع بصفة عامة وليس مشاكل الصعيد فقط، حيث يكون التناول سطحيا، وأضاف أن من وجهة نظره لا يصح التخصيص فى الدراما لأن الصعيد جزء من مصر ولا يجوز فصله عن المجتمع ولذلك لابد من القول هل الدراما المصرية تعبر عن المجتمع المصرى أم لا؟