يحتل جنوب مصر بشخوصه وطبيعته دور البطولة في السباق الرمضاني لهذا العام حيث جاء ارضا خصبة لكتاب الدراما جاعلين من خصوصية المكان نقطة انطلاق لدراما مسلسلاتهم حيث تشارك الدراما الصعيدية (إن جاز التعبير) بخمسة مسلسلات وهي (شيخ العرب همام) تأليف عبد الرحيم كمال واخراج حسني صالح و(موعد مع الوحوش) تاليف ايمن عبدالرحمن واخراج احمد عبدالحميد و(مملكة الجبل) تأليف سلامة حمودة واخراج مجدي احمد علي واخيرا (مسلسل الكبير) تأليف احمد مكي واخراج احمد الجندي بالاضافة الي مسلسل (اغتيال شمس) تأليف محسن الجلاد واخراج مجدي ابو عميرة، لكن هل استطاعت تلك الاعمال ان تعبر عن تلك المنطقة ذات الطبيعة الخاصة بقضاياها وهمومها التي تمس المواطن الصعيدي البسيط ام انها مسلسلات تدور في فلك الكبير سيد القوم و مشاكل الثأر و تجارة السلاح والمخدرات وفقط؟ فهل هذا هو الواقع الصعيدي حقيقة ام ان التوجه الحكومي المكثف من خلال وسائل الاعلام المختلفة في الفترة الاخيرة للاهتمام بصعيد مصر احد اسباب زيادة عدد المسلسلات التي جعلت من الصعيد مسرحا لاحداثها هذا العام؟ ولذلك توجهنا بتساؤلاتنا الي صناع هذه الاعمال ذات الطابع الصعيدي. الكاتب عبد الرحيم كمال صاحب مسلسل الرحايا الذي لاقي نجاحا كبيرا العام الماضي ويشارك هذا العام بمسلسل شيخ العرب همام سألناه اذا ما كان النجاح الجماهيري الذي حققه مسلسل الرحايا هو ما شجع المنتجين لتقديم عدد اكبر من المسلسلات الصعيدية للعب في منطقة مضمونة؟ -منطقة الصعيد تمتاز بأنها منطقة ملهمة لكتاب الدراما لان الموضوعات التي تتناول تلك المنطقة تمتاز بأنها ذات طبيعة ملحمية مليئة بالصراعات والشخوص القوية دراميا والمشاعر المتناقضة وهو السبب الرئيسي في نجاح غالبية الاعمال التي تتناول تلك المنطقة بشكل عام اما بخصوص مسلسل الرحايا فقد يكون بالفعل سببا في زيادة الاقبال علي تلك النوعية من الدراما مع الاخذ في الاعتبار ان تلك المسلسلات يجب ان تتواجد وبكثافة لان عدد سكان الصعيد لا يستهان به بالاضافة الي ان الشخصية الصعيدية بها مقومات البطل التراجيدي التي تغري اي كاتب بتناولها كما ان اللهجة الصعيدية من اللهجات المحببة لدي غالبية الشعب المصري وبالتالي تواجدها بكثرة شيء جيد . ولكنها في الغالب ما تدور حول موضوعات محددة مثل الثأر وتجارة الآثار والسلاح والمخدرات فهل هذا هو الصعيد ؟ - للآسف فكما كانت الصورة الكاريكاتيرية التي كان يقدم بها الرجل الصعيدي في السابق مغلوطة فالصورة الان غير صحيحة الي حد كبير، صحيح ان تلك الاشياء موجودة بالفعل لكن لا يمكن اختزال الصعيد فيها، وفي مسلسل الرحايا لم اعتمد ابدا علي احد هذه الخطوط وهو ما حدث ايضا في شيخ العرب همام الذي يعتمد بشكل اساسي علي احداث حقيقية حدثت في الماضي و يرصد موضوعا جديدا تماما عن أي مسلسل صعيدي تم تقديمه من قبل. لكن لماذا انحصرت كتاباتك لعامين متتاليين عن الصعيد هل لاهتمامك بشكل شخصي للكتابة عن تلك المنطقة أم أنه يأتي كخط دعائي بعد التفات الدولة للجنوب الذي ظل مهملا لسنوات طويلة؟ - انا صعيدي من سوهاج واهتمامي بشئون أهلي في الصعيد ودرايتي بهموم الإنسان الصعيدي وما يشغله هما الداعي الأساسي لهذا النوع من الدراما اما عن التوجه الحكومي للجنوب فالصعيد من اولوياتي ولا احد يستطيع ان يملي علي أو يوجهني للكتابة عن امر ما وفي النهاية الموضوع هو الأساس وهو الذي يفرض شكل التناول. مملكة الجبل اما المؤلف سلامة حمودة كاتب مسلسل مملكة الجبل فيري ان الصعيد ظل مهملا لفترات طويلة من قبل الدولة وهو ما ادي الي انتشار السلاح والمخدرات وقضايا الثأر ولذلك بدأت الحكومة في تدارك الامر الان ومحاولة اصلاح ما فات وهو ما يدور عنه المسلسل فأنا احاول ان القي الضوء علي مجتمع بأكمله يعيش بعيدا عن اجهزة الدولة الرسمية وبدون أي أوراق تثبت وجودهم فهؤلاء الناس زرعوا الحشيش وتاجروا به بل ويرفضون اي تعامل مع العالم الخارجي وجعلوا من الجبل مملكة لهم ولذلك احاول تسليط الضوء علي اولئك المهمشين وتشجيعهم علي الدخول تحت مظلة الاجهزة الشرعية للدولة اذا انت تري ان الصعيد أرض خصبة تسمح للمؤلف بتناول جميع الموضوعات دون مراعاة للخطوط الحمراء ؟ - ليس كل الصعيد كذلك فأنا مثلا سبق وان قدمت مسلسلين عن الصعيد وهما التوبة والغفران لم اناقش فيهما تلك الموضوعات لكن مملكة الجبل تدور أحداثه في احدي المناطق النائية بأسيوط فكان من الضروري ان يتناول المسلسل هذه الخطوط الدرامية من سلاح ومخدرات وغيرها من امور فرضتها طبيعة المنطقة . لكن الا تري ان كثرة استخدام السلاح والقتل في العديد من المشاهد يجعل من الامر يبتعد عن المصداقية ؟ - وماذا تنتظرين اناس معزولين عن العالم ويحكمون امورهم بأنفسهم وان زعماء القبائل هم أصحاب الأمر والنهي فالطبيعي ان ينتشر السلاح ويكون القتل مصير أي خارج عن نهجهم . وهل من الضروري ان يكون المؤلف من الصعيد كي يتمكن من التعبير عما يدور بداخله؟ أعتقد أنه شرط اساسي لنقل وترجمة سمات المجتمع الصعيدي ذي الطبيعة الخاصة فالموضوع لا يقتصر علي مفردات اللهجة والملامح العامة لاهل الصعيد وتقديمهم بشكل نمطي استهلاكي كما يقدم في العديد من الاعمال بدليل ان محمد صفاء عامر وعبد الرحمن الابنودي ومحمد منير كانوا اصدق الناس تعبيرا عن جنوب مصر وكان هذا سر تميزهم . لكن لماذا الصعيد تحديدا ولماذا لا يتم تقديم موضوعات تتناول قضايا اهل النوبة مثلا او سيوة او حتي البدو المنتشرين في بقاع مختلفة ام ان الموضوع لا يعدو اكثر من (موضة) واتجاه عام لدي المنتجين؟ - اتمني حقيقة ان يتم تسليط الضوء علي جميع محافظات مصر وان تتنوع الاقلام في كتابتها عن المشكلات التي يواجهها المواطن المصري عامة في كل مكان والموضوع قد يبدو اتجاها عامًا لكتاب الدراما لكن ليس كل مسلسل يتعرض للصعيد بالضرورة ان ينجح جماهيريا صحيح ان الجمهور المصري يميل الي مشاهدة حياة الصعيد تحديدا وهو مايقلص احتمالية فشل تلك المسلسلات لكن تظل جودة التناول هي الفيصل. موعد مع الوحوش اما السيناريست أيمن عبد الرحمن فيؤكد ان مسلسله (موعد مع الوحوش) لم يأت نتيجة للتوجه الحكومي لاننا نعلم جميعا من يبيعون اقلامهم ويكتبون بناءً علي تعليمات الدولة، كما انني ارفض تقسيم الاعمال الدرامية كوميدي تراجيدي صعيدي فلاحي، فالدراما لا توجد بها هذه التقسيمات . لكن اعتمدت ايضا علي الشكل النمطي للمجتمع الصعيدي حيث اعتمدت علي شخصية الكبير يأمر ويتحكم ؟ - فكرة الاعتماد علي شكل العائلة الصعيدية وكبيرها دليل علي التحضر فالكبير شيء نفتقده بشدة في الوقت الحاضر ففي الصعيد لا يصبح الكبير ذا نفوذ وأمر مطاع إلا بحكمته وقراراته وهي لم تكن سوي جزئية بسيطة في المسلسل فأنا لجأت الي الصعيد لجعلها نقطة الانطلاق لشخصية البطل الذي يترك الصعيد بكل عاداته وتقاليده ليذهب الي الاسكندرية ليكتشف ذاته فلا أعتبره مسلسلاً صعيديا بالشكل المتعارف عليه ولم يكن مجرد سير في الموجة الجديدة.