كلما اقتربت الأمور في الشرق الأوسط من نقطة الحل الجدي كلما زاد اقتناع الأطراف المباشرة والمتابعين من الخارج بفكرة انه يبدو ان هناك شروطا وظروفا عامة لابد من توافرها لانجاز المطلوب من حلول سلمية والغريب في الأمر ان الأطراف عادة لاتشير إليها كشروط ولكن تسميها بتسميات أخري ربما لتحسين الصورة العامة لها, وإن كانت الأطراف تعتمد علي الزمن وعوامل التغيير وهي كلها امور واردة في عالم السياسة وعلم التفاوض. ولنقترب أكثر من المشهد السياسي وعملية السلام التي ترعاها الولاياتالمتحدة وتفرغ لها وزيرة الخارجية وطواقمها الدبلوماسية لمحاولة تحقيق انتصار دبلوماسي وانتصار علي مستوي المصالح الاستراتيجية, وكذلك تسعي دول أوروبا إلي إيجاد موطئ قدم لها أو استعادته وبما لايتعارض مع الدور الأمريكي ولايلقي ممانعة من إسرائيل ولعل هذا ماحدا بها إلي التركيز علي الجيتهتين السورية واللبنانية مع إسرائيل, مع محاولة ايجاد نقاط تماس إيجابية تتفادي معها دول أوروبا ولاسيما فرنسا اتهامها سواء بالتعويق أو بالبحث عن مصلحة خاصة فقط. الاقتراب الأكثر عمقا يقول ان هناك سياسة إسرائيلية ثابتة تهدف إلي امرين, احدهما هو الحصول علي أكبر مكاسب نهائية من خلال سيطرتها علي الاوضاع وعلي الأمر الواقع لاسيما من خلال مجال الاستيطان الذي يعد أهم العوامل المتحكمة في اتجاه سير ودرجة نجاح جهود التفاوض المباشر مع الجانب الفلسطيني, والعامل الثاني هو دفع الأمور في المنطقة إلي حالة سلام تنتقل إسرائيل من خلالها إلي اوضاع أكثر ملائمة لها من حيث وضعها في المنطقة وأهدافها العامة والنهائية تجاهها. ومع استمرار تمسك إسرائيل بسياستها المعلنة تجاه الاستيطان وماتشير إليه عادة من عدم توافق مع المطالبة بوقف الاستيطان خلال التفاوض وبما جعل من يوم2010/9/26 كيوم مهم من حيث مدي قبولها استمرار التجميد من عدمه او التوصل إلي حلول جديدة فإنه تجدر الإشارة إلي الملاحظات التالية: أولا: استمرار الإيحاءات الإسرائيلية بصعوبة استمرار عمليات الاستيطان بعد هذا التاريخ, وإسهامتها في ابراز الضغوط الداخلية لمصلحة استمرار الاستيطان ومايبدو من فرصة مناسبة امام الجهات العاملة في مجال الاستيطان لممارسة ضغوطها داخل المجتمع وعلي القيادة السياسية, مع استفادة الحكومة منها في اظهار حجم المقابل الذي قد يدفعها إلي مواصلة الالتزام بالتجميد وبالتالي رفع سقفها التفاوضي بالنسبة للحل الذي يمكن التوصل إليه في النهاية حتي وان بدا كحل وسط, هذا في الوقت الذي استمر فيه إيهود بارك وزير الدفاع في اظهار موقف مخالف وقناعته بالقدرة علي التحكم في موضوع الاستيطان لمصلحة السلام, وعلي ذلك فالمواقف الإسرائيلية تصب في النهاية لمصلحة مجمل الموقف الإسرائيلي وقدرته علي المناورة. ثانيا: استغلال الاحتفالات المرتبطة بعيد الغفران في فرض اطواق امنية وصقف الشريط الحدودي مع غزة في الوقت نفسه التي يتم فيها التمهيد لاحتمالات اللقاء بين أبو مازن ونتانياهو والإشارة إلي القمة التي ينوي الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ان يعقدها بين الجانبين علي هامش عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة في التباحث حول مسيرة السلام في المنطقة. لايغيب عن الصورة السابقة تحركين مهمين يجب الإشارة إليهما أولهما: تنشيط الرئيس ساركوزي لاتصالاته بالجانب السوري ودعوة الرئيس الأسد لإعادة التفكير في مسيرة السلام مع إسرائيل وذلك في الوقت الذي واصل فيه ميتشيل زيارته إلي سوريا ولبنان واشارته إلي تكهنات وتطورات محتملة بالسلام ومفاوضات سوريا إسرائيلية, وكذلك لاتصالاته في لبنان لمناقشة نفس الموضوعات مع الرئيس سليمان خلال زيارته لبيروت. وثانيهما: هو زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية للأردن وتركيزها علي أهمية مبادرة السلام العربية لتحقيق سلام شامل علي مستوي المنطقة وانها تبحث عن الصيغة التي يمكن من خلالها متابعة السلام بين إسرائيل وكل من سوريا ولبنان في الوقت الذي اعطت فيه دفعة واضحة لفكرة السلام الشامل في المنطقة. الصورة علي النحو السابق تشير من قريب إن لم تكن تعطي دلالات محددة علي العودة لايقاظ فكرة الترتبيات المتبادلة علي مستوي المنطقة والعودة إلي الإغراء بترتيبات السلام المحتملة كعامل دفع لتحريك المباحثات في المنطقة لتصبح أكثر اقترابا من فكرة التسويات النهائية, ويبقي السؤال المطروح ماذا اعد الجانب العربي للتعبير عن مواقفه الذاتية ومايطالب به من ضمانات لحفظ حقوقه من جهة سواء في المشكلات المطروحة ذاتها أو شروط مناخ السلام الذي يقوم علي العدل والتكامل مع جهة أخري.