رئيس جامعة بنها يهنئ الطالب محمد ربيع لتقليل حوادث الطرق    مطار القاهرة يستقبل أولى رحلات الطيران العارض لشركة أذربيجان    توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال.. أبرز أنشطة مجلس الوزراء فى أسبوع.. إنفوجراف    مصر والصومال وتركيا وجيبوتي يرفضون الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال    وزارة العدل الأمريكية تكشف عن أكثر من مليون وثيقة مرتبطة بقضية جيفري إبستين وتأجيل الإفراج الكامل يثير جدلاً    ياسر ثابت: تحييد أوكرانيا والعلاقة مع الناتو أبرز عقد التسوية المحتملة للحرب    تايوان.. نواب المعارضة يبدأون إجراءات لعزل رئيس البلاد لاى تشينج تى    كأس الأمم الإفريقية، منتخب مصر يتقدم علي جنوب إفريقيا بهدف صلاح في الشوط الأول وطرد محمد هاني (صور)    القبض على المتهمين بمحاولة إضرام النيران في مقهى بالقليوبية    الجنايات تستكمل غدا محاكمة فتى الدارك ويب والاستماع لشاهدى الإثبات    الفنان محمد خميس يحتفل بحفل زفافه بالجلباب الصعيدي (صور)    محافظة سوهاج: جاهزية 550 مقر انتخابي و586 لجنة فرعية لإجراء انتخابات الإعادة لمجلس النواب ديسمبر 2025    الجيش الإسرائيلى يهاجم أهدافا لحزب الله فى لبنان    قطع الكهرباء والمياه 5 ساعات في مطاي بسبب الصيانة    60 ألف مشارك في النسخة العاشرة من سباق زايد الخيري بمصر    مؤتمر أرتيتا - هافيرتز قد يعود خلال أيام.. ونأمل في عودة جابرييل بأسرع وقت    الداخلية تنفي ادعاءات مرشحة بالجيزة    التعليم تكشف حقيقة التعدي على طالبة بمدرسة للتربية السمعية    ضبط مناديَي سيارات لارتكابهما أعمال بلطجة بساحة انتظار بالجيزة    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    أكتب لكم عن عبد اللطيف المحيسن: الأسمر صاحب القلب الأبيض فارس من الأحساء يمنح الحياة مذاقًا حلوًا رغم الصعاب    الصحة تطلق قافلة طبية بدمياط الجديدة وتقدم خدمات مجانية لأكثر من 1400 مواطن    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد بتكلفة مليار جنيه    10 آلاف جنيه مخالفة السرعة.. احذر قانون المرور الجديد    وزارة الداخلية: ضبط عنصر جنائي بالجيزة تخصص في تزوير الشهادات الجامعية وترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي    رسميا.. أحمد سامي مديرا فنيا لمودرن سبورت    محافظ الجيزة: انطلاق 36 قافلة طبية علاجية بالمراكز والمدن بدءًا من 2 يناير    عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    ننشر حصاد وزارة الإسكان خلال أسبوع| فيديو جراف    مراسل القاهرة الإخبارية: تفجير مسجد الإمام سبب ذعر المصلين أثناء صلاة الجمعة    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية في سلاح السيف    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    الصورة الأولى للفنان محمود حميدة بعد مغادرته المستشفى    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    «القومي للمرأة»: غرفة عمليات لمتابعة المشاركة في جولة الإعادة بانتخابات النواب    السياحة تنظم قافلة ترويجية كبرى في السوق الصيني ببكين وشنغهاي    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    باكستر: جنوب إفريقيا فرصتها أكبر في الفوز على مصر.. ونجحت في إيقاف صلاح بهذه الطريقة    موعد مباراة المغرب ومالي في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيين وتغلق بوابات لعرقلة المرور    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 12- 2025 والقنوات الناقلة    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حان وقت السلام؟

لماذا يصر أوباما علي حل المشكلة الفلسطينية الآن؟
تميل العقلية الغربية إلي إطلاق توصيفات طريفة لإيجاز المواقف وتلخيصها واستنتاج الدلالات منها .. لقد قيل مثلا (إن السلام يشبه رقصة التانجو لايمكن إلا أن يقوم بها شريكان) .. ومن ثم قيل في وقت سابق أن عرفات لم يكن شريكا قادرا علي صنع السلام .. ولابد أن الجميع قد أدرك الآن أن السلام أعقد وأصعب كثيرا من رقصة تانجو أو رقصة «فالس» .. فالرقص لا يتلو الحروب .. ولايمكن افتراض أن المتشاركين في الرقص كانا من قبل أن يتعانقا يصوبان السلاح إلي صدور بعضهما البعض.
وفيما بعد، وجريا علي هذه العبارات الغربية، قيل إن (التاريخ يشبه حصانا يقفز أمام نافذة بيتك .. حين تتمكن من امتطائه فإن هذا هو امتحان حس القيادة الحقيقي).. غير أن كثيرا من العقلاء ليسوا مستعدين علي الإطلاق لاختبار صلاحيتهم للقيادة بهذه الطريقة الرعناء .. وقد فعلها إسحق رابين من قبل وانتهي الأمر بأن اغتيل .. ولم يتحقق السلام .. وأفلت الحصان وأغلقت النافذة .. وبقي صاحب المقولة يتنقل من منصب إلي آخر إلي أن أصبح رئيس إسرائيل واسمه شيمون بيريز .. ولايذكر له تاريخيا، رغم ما هو معروف عنه من تصريحات مرنة، أنه كان قد حاول أن يمتطي الحصان المسرع بالقفز عليه من النافذة.
وحين اتجه الفلسطينيون والإسرائيليون إلي المفاوضات المباشرة في نهاية الأسبوع الماضي في واشنطن .. كان أن قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: (يمكننا أن نبني الجسور بين مواقف متباعدة .. بشرط أن تكون هذه المواقف علي جانبي نهر .. أما أن يكون ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعمق واتساع ما هو بين ضفتي محيط .. فإنه لايمكن علي الإطلاق بناء جسر لعبور المحيط).
من المؤكد أن الكثير ممن شاركوا في الحدث التاريخي الكبير الذي شهدته واشنطن قبل أيام، وقد أتيح لي أن أتابعه صحفيا، قد خالجته مشاعر متضاربة .. ما بين الرغبة الحقيقية في أن يتم صنع السلام .. وما بين الخوف من أن تفشل المحاولة من جديد .. لأن الهوة شاسعة .. والاختلافات معقدة جدا .. ولأن المطلوب حقا وواقعا هو بناء كوبري علي المحيط .. وليس في التاريخ محاولة هندسية من هذا النوع .. ولايمكن تصورها.
وسوف تكون المهمة - يقينا - مستحيلة، لو أصر الجميع علي أن الحل يكمن في بناء هذا الكوبري .. ذلك أنه يمكن جسر الهوات بطرق أخري عديدة .. المحيطات يمكن تخطيها أصلا بركوب الطائرات .. ومن الممكن اجتيازها مثلا بالعبارات .. كما أنه يمكن بذل الجهد وإنشاء جزر صناعية تكون رءوسا لجسور تنتقل من نقطة إلي غيرها .. ولاشك أن التعقيدات الممتدة والتي تراكمت علي مدي قرن كامل قد خلفت تراثا من الصعوبات التي لايمكن تذليلها إلا بعقلية مبدعة وخيال لا يتخلي عن الثوابت.
وفي هذا السياق فإن الحلول المطروحة لمد خطوط التواصل بين كل من الضفة الغربية وغزة، ولو من خلال نفق، وبما يؤدي إلي تواصل الأراضي المفترض أن تكون عليها الدولة الفلسطينية، هذه الحلول هي نوع من الأساليب المبدعة التي لاتتعمد خبط الرأس في الحائط .. بالإصرار علي بناء جسر يربط بين ضفتي محيط.
-إصرار مبارك
الرئيس حسني مبارك، الذي طرحت عليه استضافة عملية إطلاق المفاوضات في مصر .. فتمسك بأن يكون ذلك مشروطا بحضور الرئيس أوباما، أصر علي ألا يذهب إلي واشنطن لمجرد المشاركة في «حضور احتفالي» والتقاط بعض الصور اللطيفة التي تنقلها الصحافة بمختلف منابرها، متمسكا بأن علي مصر أن تقول كلمة وأن تحدد موقفا، ومن ثم فإنه رفض أن يكون مثل الزعماء الآخرين الذين تواجدوا في الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض .. يقول كلمات ودودة ويرفع بعض الشعارات الأخلاقية الداعية للسلام .. بدون مضمون حقيقي .. وكان أن أدلي ببيان مهم عضد فيه المفاوض الفلسطيني وتمسك فيه بالحقوق الفلسطينية .. وحمل كل الأطراف مسئولياتها .. بما في ذلك الشريك العربي في السلام .. حتي لا ينقضي الوقت .. ويضيف الزعماء إلي الشعوب عوامل إحباط وغضب جديدة .. النفوس ممتلئة بما يكفي منها.
ومن اللافت أن مبارك في بيانه هذا كان، ربما لأول مرة علي المستوي العربي، يشير إلي أن عمر المشكلة يفوق قرنا كاملا، علي عكس الذي يتردد دائما من أنها تصل إلي ستين سنة .. حيث يؤرخ الكافة للمشكلة الفلسطينية بأنها بدأت بصدور قرار التقسيم في 1947 .. ذلك القرار الذي كان فرصة أهدرناها نحن العرب .. ونأمل في أن ننال من خلال التفاوض ما يكون قريبا من هذا .. وهو أمل يبدو بعيدا.
لقد اندلع الصراع عمليا قبل الحرب العالمية الأولي، وتجسد واقعا مع وعد بلفور الذي تعهد فيه الاستعمار البريطاني بوطن لليهود في فلسطين، تلك التي اعتبرت أرضا بلا شعب، يستحقها - وفق الأسطورة الإسرائيلية - شعب بلا أرض .. وإذا كانت القوي الدولية المهيمنة علي النظام الدولي في ذلك الوقت هي التي دعمت وعضدت عملية الاستيلاء الظالمة علي الأرض (العربية) في فلسطين .. فإن علي القوي الدولية المهيمنة الآن علي النظام العالمي .. أن تتبني إحداث التوازن .. وأن تعيد بعض ما تم استلابه .. وأن تنهي مشكلة تعقدت وتشابكت .. وهي السبب الأول والأهم لانتشار الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وانعدام الاستقرار فيها.
في ذهنية المتعاملين مع هذا الملف منذ سنوات بعيدة أنه لا يمكن علي الإطلاق الوصول إلي حل إلا إذا كانت هناك طاقة دولية تريد ذلك .. هذا التشخيص لا يري أبدا أن المشكلة تكمن فيما يريد الفلسطينيون أو فيما يريد الإسرائيليون .. وإنما في أن تكون هناك رغبة دولية في تحقيق الحل .. وإعطاء دفعة للتقدم .. إن هذا ما كان متوافرا من قبل في نهاية السبعينيات حين عرض الرئيس الراحل أنور السادات السلام .. ولقي استجابة أمريكية تمثلت في جهود الرئيس كارتر .. وهذا ما توافر في مؤتمر مدريد للسلام في بداية عقد التسعينيات .. ومن ثم في الدفعة التي تحققت وأدت إلي اتفاق أوسلو الذي أنشأ السلطة الفلسطينية .. وفيما يبدو أيضا أنه متوافر الآن لدي الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
- إصرار أوباما
لقد حظي أوباما بتقدير متكرر من الرئيس مبارك، امتدحه مرات لأنه يرعي هذه المفاوضات المباشرة ويحرص علي أن تمضي في طريقها، ويصر علي أن يكون واقفا خلفها بكل قوة .. وقال مبارك: (إن اجتماعنا اليوم ما كان ليتحقق لولا الجهد الكبير الذي بذله الرئيس باراك أوباما وإدارته .. إنني أحييكم وأشكركم يا سيادة الرئيس علي التزامكم الشخصي الجاد منذ الأيام الأولي لتوليكم مهام الرئاسة بالسعي للتوصل إلي تسوية سلمية للقضية الفلسطينية) .. وأضاف مبارك: (إنني أعتبر دعوتكم اليوم تأكيدا جديدا لهذا الالتزام .. كما أعتبرها رسالة بالغة الدلالة علي أن الولايات المتحدة ترعي بقوة وعلي أعلي مستوي المفاوضات المقبلة).
والواقع أن كثيرين يطرحون تساؤلات جوهرية حول الأسباب التي تدفع أوباما إلي هذا الموقف، لأن معرفة السبب قد تقود إلي معرفة أفق هذه المفاوضات .. ومن ثم شكل الحل .. ولأن المفاوضات بدأت بدون أن تناقش عشرات من التفاصيل، بما فيها أين سوف تعقد جلسات التباحث بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
إن (أوباما) ليس شخصية استعمارية راغبة في فرض الهيمنة، وهو يختلف بالطبع عن ونستون تشرشل السياسي البريطاني الذي كان أحد أهم صناع اتفاق سايكس - بيكو الذي بموجبه تم تقسيم المشرق العربي، ووضعت فيه بذور الانفلات الإقليمي وتفجير المشرق العربي، كما أنه ليس جورج بوش الثاني الذي كان قد اقتنع بأن عليه أن يترك الملف برمته وألا يعطيه أي جهد لأنه يستنزف الطاقة بدون طائل.
ولا يمكن الاقتناع بأن أوباما يريد أن يحقق من خلال هذا المشهد التفاوضي تحقيق بعض الصيت الإعلامي، وبما يخدمه في انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس خلال شهر نوفمبر المقبل، لأن هذه الانتخابات لا تتأثر كثيرا بالملفات الخارجية أيًا ما كانت أهميتها، حتي لو كان لديه شعور قوي بأن عليه أن يعلن تحقيق أي إنجاز .. وأنه يبحث عن (أي نجاح) .. المسألة مليئة بالتعقيد أعمق من كل هذا. من حق أوباما أن يسعي إلي تحقيق إنجاز تاريخي، فالتاريخ يصنعه الراغبون في المجد، المهم أن تكون مساعيهم إيجابية، وقد صنع التاريخ نيرون وهتلر وموسوليني، كما صنعه غاندي ومانديلا والسادات، وأوباما نفسه كشخص مختلف كان وصوله إلي البيت الأبيض في حد ذاته حدثا تاريخيا وغير مسبوق من حيث الشكل والمضمون والخلفيات المتنوعة، وإذا كان قد بادر من اللحظات الأولي لولايته في الاتصال بأطراف المشكلة وأجري أول مكالمتين هاتفيتين مع الرئيس مبارك والرئيس أبو مازن، وإذا كان قد زار القاهرة وألقي فيها خطابا تاريخيا يمد فيه يده - ولو شكلانيا - للمسلمين .. فإنه مملوء بإحساس تاريخي راغب في أن يجد حلا .. حتي لو كانت القضية الفلسطينية تشبه للرؤساء الأمريكيين علي أنها مستنقع يغرقهم أكثر من أنه يعبر بهم إلي مساحات جديدة.
- عقيدة الإدارة
إن العامل التاريخي يمثل دافعا أكيدا .. ولكنه وحده لا يكفي لتفسير المواقف .. والمراجع لمنهج إدارة أوباما يمكن أن يكتشف أن في عقيدتها بنائيا منهجا أكيدا يسعي - علي الأقل حتي الآن ولمدة عام هو المدي الزمني المفترض للمفاوضات - إلي الوصول لحل .. وفي هذا السياق يلحظ الكثيرون المواقف التالية للإدارة الحالية في واشنطن:
- في 22 سبتمبر 2009 قال الرئيس أوباما إن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لايخدم فقط مصالح الأطراف المتنازعة بل هو في مصلحة الولايات المتحدة أيضا.
- في 22 مارس 2010 قالت هيلاري كلينتون أمام منظمة الإيباك إن استمرار الصراع لايخدم المصالح الأمريكية، لأن الوضع الراهن لايخدم إلا الممانعين الذين يدعون أن السلام مستحيل وأن العنف هو السبيل الوحيد .. وأن تنامي قوة الممانعين يؤثر سلبا علي قدرتنا علي مواجهة تهديدات مثل إيران والتطرف الديني ونشر الديمقراطية والفرص الاقتصادية في المنطقة.
- أقر الجنرال ديفيد باتريوس القائد الحالي للقوات الأمريكية في أفغانستان والقائد السابق لقيادة المنطقة الوسطي أمام الكونجرس، بأن عدم التقدم في عملية السلام خلق مناخا معاديا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
- في 25 مارس 2010 قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس أن غياب التقدم في عملية السلام يساعد أعداء الولايات المتحدة، وأن غياب السلام في الشرق الأوسط يؤثر علي مصالح الأمن القومي الأمريكي.
- في أبريل 2010 قال الرئيس أوباما إن الصراع العربي الإسرائيلي قد كلفنا الكثير من الأرواح والثروة.
هذه المواقف المتتالية لا يمكن أن تخلو من ترابط، ولا يمكن إلا أن تعبر عن عقيدة حقيقية وأصيلة، تجسد رغبة أكيدة في الوصول إلي حل يؤدي إلي إنهاء النزاع .. وهي منظومة تزيح جانبا التحليلات التي تري أن أوباما يرغب في أن يستميل المنظمات اليهودية لكي تقدم تبرعاتها للديمقراطيين في الانتخابات المقبلة في الكونجرس .. لو كان هذا هو الهدف لكان عليه أن يقوم بتصرف عابر .. يكسب به بعض الأضواء بدون أن يضع علي نفسه وعلي شركائه وحلفائه التزاما لمدة عام في المفاوضات.
ومن الواضح أن هناك رؤية (غير معلنة بالكامل) لدي الإدارة الأمريكية، تؤمن بأن هناك ترابطا بين الملفات الإقليمية المختلفة، وأن وجهة النظر التي طالما رددها الرئيس مبارك والتي تقول إن القضية الفلسطينية هي حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي ومواجهة العنف .. أصبحت قناعة أمريكية .. وأن الإدارة تري أن هناك صلات وثيقة ما بين ملفات العراق وإيران وأفغانستان وفلسطين .. وحتي لو كانت هناك توجهات اقتصادية لتلك الإدارة، فإن الاستقرار الإقليمي يؤثر علي فرص الاستثمارات وعلي ما ينتج عن الاستقرار .. وعلي خلق مناخ موات للمصالح الأمريكية في مختلف بقاع العالم الإسلامي الذي يكن مشاعر كراهية تعلن عن نفسها للولايات المتحدة.
إن من حق أوباما أن يسعي إلي دخول التاريخ .. وإذا كان حقه علي الشركاء العرب أن يعينوه .. فإن من حقنا أيضا أن نحدد طريقة صناعة التاريخ .. وألا يكون خصما إضافيا من حقوق الفلسطينيين الذين يعانون من تراث متراكم من الظلم .. ولاسيما أن هناك جبلا من الشكوك لايمكن أن تزيحه المحاولات الشفوية والمؤتمرات المضيئة أمام الكاميرات وإعلان النوايا الذي لاتسانده أفعال حقيقية.
- رجل الحرب والسلام
مبارك، باعتباره الرجل الذي اعترك الحرب وناضل من أجل السلام، انتصر في هذا، رغم كل التحديات وقبض علي ذاك رغم كل الصعاب، دعا إلي اغتنام الفرصة، وخص بالدعوة الإسرائيليين، ولابد أنه كان يستحث رغبة موجودة لدي نتانياهو حين قال مبارك - في خطابه: (لقد اجتمعت به عدة مرات .. واستمعت منه في لقاءاتنا إلي تأكيدات لرغبته في تحقيق السلام مع الفلسطينيين وفي أن يسجل التاريخ هذا الإنجاز باسمه، وأقول له اليوم إنني أتطلع إلي أن تأخذ تأكيداته طريقها إلي أرض الواقع وإلي تحقيق سلام طال انتظاره .. يتطلع إليه الشعب الإسرائيلي وسائر شعوب المنطقة).
لقد جعل مبارك السلام مطلبا لكل الشعوب، وليس للشعوب العربية وحدها، وقد كانت تلك هي أحد ملامح الموقف المصري الذي فرض أجندته علي الحضور في لقاء الأربعاء، قبل أن تبدأ المفاوضات بين نتانياهو ومحمود عباس في صباح اليوم التالي .. وهذا الموقف تضمن ما يلي: ؟ ليس فقط الأرض مقابل السلام .. وإنما أيضا إعلان مبدأ (الأمن للجميع) .. إذ ليس الأمن مطلبا إسرائيليا فحسب .. وإنما هو كذلك مطلب فلسطيني .. (الأمن للجميع بدون تمييز) . ؟ علاقة طبيعية بين الشعوب .. هي الخلاصة التي يجب أن يصل إليها اتفاق سلام عادل وشامل .. علاقات تقوم علي الندية والاحترام المتبادل.
- لايوجد تفاوض يبدأ من الفراغ .. أو من نقطة الصفر .. إخلاص النوايا يعني أن القبول بمبدأ التراكم في التفاوض والبدء من حيث كان الطرفان قد انتهيا.
- الاحترام الواجب لمقررات الشرعية الدولية .. باعتبارها مرجعية قانونية للتفاوض.
- هدف العملية التفاوضية هو إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.. التي تعيش جنبا إلي جنب في سلام وأمن مع دولة إسرائيل.
- لاسلام مع الاستيطان والاستيطان يخالف القانون الدولي .. ولا تفاوض بدون إيقاف الاستيطان خلال مدته (مدة التفاوض) .
- سبتمبر التالي
أما وأن الحال هكذا .. فإن السؤال هو : هل الطريق إلي نهاية هذه المفاوضات مفروش بالورود ؟.. وهل سوف يأتي سبتمبر المقبل ونري اجتماعا جديدا في واشنطن .. تجتمع فيه كل الأطراف لكي توقع اتفاق سلام .. وفق ما هو مفترض ؟
في الإجابة عن ذلك لايوجد شخص واحد قادر علي أن يؤكد أو يتوقع أو حتي يحلم بأن هذا سوف يكون، ذلك أنه كما لاينبغي أن تبدأ المفاوضات من نقطة الصفر، فإن المفاوضين لايمكنهم أن يتجاهلوا الخبرات السابقة التي كانت تقود كل طريق يبدأ إلي حائط صد يعوق أي تقدم .. ويعود بالجميع إلي أوضاع أكثر تعقيدا.
إن التشاؤم يخالج الكل، حتي اللاهثين إلي التفاوض بأمل الحل، وأكثر المتشائمين إحباطا وعدم يقين في بلوغ الحل هم الفلسطينيون، الطرف الذي يعاني ويشعر بالظلم المتراكم، ولكن التشاؤم لايمكن أن يدفع إلي الركون لمشاعره والهروب من الاستحقاقات التي تفرضها المسئوليات التاريخية علي القادة .. ولابد أنه قد حانت لحظة أكيدة يجب فيها أن يقوم كل طرف بما عليه.
الإقدام الأمريكي، والمثابرة الأوبامية - إذا جاز التعبير - يجب ألا تفقد دفقتها، وإذا كان العرب هم المستفيدون من قيام الراعي الأمريكي بمسئولياته حتي الآن وفق ما كنا نطالب به منذ زمن بعيد، فإن علينا نحن العرب أن ندعم هذا ونوفر له السبل، وإذا كان قد توافر لدي مصر يقين بأن الراعي الأمريكي سوف يبقي قريبا من المفاوضات ويتدخل فيها كلما صادفتها العثرات المتوقعة، وهي كثيرة جدا .. فإن المتوقع أن تقدم مصر كل الجهد من أجل مساعدة الأطراف في بلوغ هدف التفاوض.
لقد تراجع المدي الزمني لحلم إعلان الدولة الفلسطينية، بحيث إنه لايمكن القول إنه بمجرد الوصول إلي اتفاق سلام سوف تعلن الدولة، بل إن الإسرائيليين يحاولون الضغط علي المفاوض الفلسطيني بالقول إن الدولة سوف يستغرق إعلانها عشر سنوات، وهو كلام محل نظر، ولايجب أن يثير الفزع في نفوس المتابعين .. وإذا كان المدي الزمني قد تراجع .. فإننا الآن بصدد نضج في التعامل مع الأمور .. بإدراك يعرف أن المسائل معقدة .. ولا يمكن القفز عليها .. وفي نهاية الأمر فإن الدولة التي وعد بها بوش في نهاية 2009 لم تعلن حتي الآن ولم يكن لها، أصلا، أن تعلن في إطار عملية (أنابوليس) الساذجة.
في هذه المرة، في تلك المفاوضات التي بدأت يوم الخميس الماضي، وسوف تنعقد مجددا في يومي 14 و15 سبتمبر الحالي، لاتبدو الأمور واضحة، كما لم تتحدد القواعد، ولم يتم الاستقرار علي الأماكن التي سوف تتم فيها اللقاءات، كل هذا قيد البحث .. وربما انعقدت كثير من لقاءات التفاوض فيما بين القاهرة وشرم الشيخ .. وربما انعقدت لقاءات متنوعة بين رام الله والقدس .. وقد تعقد جلسة أو أكثر في العقبة .. كل هذا ليس هو المهم .. وإنما الأهم هو مضمون النقاش .. وأن تكون هناك رغبة حثيثة في بلوغ الحل .. خصوصا في ظل المماطلات الإسرائيلية المتوقعة.
- تحدي الاستيطان
سوف يواجه هذا المسار المتجدد تحديا قريبا .. وبالتحديد قبل نهاية الشهر حين ينتهي موعد تجميد الاستيطان المتفق عليه في الضفة الغربيه .. لقد تجنب البعض إثارة هذا الأمر في واشنطن .. لكن مصر، علي لسان الرئيس مبارك، أبت إلا أن تطرح وقفا كاملا للاستيطان خلال مدة التفاوض .. وقد أبلغ كل من وزير الخارجية أحمد أبوالغيط ورئيس المخابرات عمر سليمان كلا من هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية والجنرال جونز مستشار الأمن القومي أن هذا التفاوض لن ينجح بدون بناء الثقة بين الطرفين وأن أهم عوامل البناء هو أن يتم وقف الاستيطان . ولابد أن الأمريكيين مقتنعون بذلك .. ولكن السؤال هو: كيف يتم هذا وهل سوف ينفذه نتانياهو ؟
إن نتانياهو الذي يبدو رئيس وزراء قويا، يعبث أحيانا بمسألة أنه يخشي علي تحالفه الوزاري من السقوط، ويستخدم ذلك ورقة للمناورة، لكن التوقعات تشير إلي أن نتانياهو سوف ينهي تجميد الاستيطان في الضفة الغربية لبضع ساعات يوم 26 سبتمبر، وخلال هذه الساعات يكون قد أصدر عدة موافقات بالبناء لايتوقع لها أن تتم ولكن تحقق الترضية السياسية لأطراف يتحالف معها .. علما بأن التجميد المعلن يناقض عمليات بناء تتم فعلا في الضفة في حين أنه لايوجد تجميد للبناء في القدس بينما الواقع يقول إن وتيرة البناء في القدس أقل من معدلاته في غيرها.
ويشار في هذا إلي أن هناك حلا متوقعا لبعض تعقيدات الأوضاع التي يخلقها الاستيطان، من خلال القبول بمبدأ التبادل (المحدود) للأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ومثل أي محادثات سلام فإن المفاوضات تواجه من البداية معوقات رفع الأسقف من جانب الإسرائيليين .. وهي ظاهرة معتادة .. وسبق أن رفض مناحم بيجين أن يترك مناطق عديدة احتلها من أراضي مصر .. لكن الطريق قاد في النهاية إلي تحرير كامل .. في حين كان يشترط قواعد في شرم الشيخ والإبقاء علي مستوطنات في العريش وياميت وغير ذلك.
طبعا الأمر بالنسبة للفلسطينيين ليس بهذه البساطة .. علي الأقل لأن وزنهم السياسي ليس بحجم مصر وهي تفاوض إسرائيل .. ولأن هناك أمورا عقيدية معقدة بالنسبة للضفة الغربية في ذهنية إسرائيل.. لكن مساندة مصر للفلسطينيين تؤدي إلي تعويض هذا الابتسار في الوزن السياسي .. وقد قال الرئيس مبارك للرئيس محمود عباس: (إن مصر سوف تستمر في دعمها للشعب الفلسطيني الصابر ولقضيته العادلة .. وسنواصل جهودنا وعملنا المخلص معكم من أجل تحقيق تطلعات شعبكم واستعادة حقوقه المشروعة وسوف نظل إلي جانبكم إلي أن تقوم الدولة الفلسطينية) .. وهذا كلام ثابت لمصر .. لكن قيمته ارتقت مرة إضافية .. حين أعلنه الرئيس مبارك للرئيس عباس أمام الجميع وفي قلب البيت الأبيض وفي حضور أوباما ونتانياهو .. فضلا عن الشقيق الملك عبدالله.
وفي كل مرة كان السلام يأخذ طريقه إلي المضي قدما نحو الهدف عبر التفاوض .. كان التطرف يطل برأسه من جديد .. وكان الممانعون يعلنون عن مواقفهم المناوئة للمنهج السلمي في حل النزاع .. لقد حدث هذا إبان مبادرة السادات .. كما حدث في أجواء مؤتمر مدريد .. وقد رفضت حركة حماس اتفاقية أوسلو ثم فيما بعد خاضت الانتخابات بناء علي قواعد تلك الاتفاقية . وليس هناك أبرياء سذج علي الساحة يتوقعون أن يختفي المتطرفون إلي أن ينهي التفاوض مساعيه ببلوغ السلام .. إن ضغوطهم ومنهجهم العنيف يكون دائما عاملا محفزا من أجل المضي قدما في طريق السلام .. وهذا ما نأمله بالتأكيد .. ألا يرضخ الساعون إلي السلام لابتزاز أعداء السلام.. وألا يجدوا هؤلاء الخصوم مساعدة من بين أحد الأطراف الذين يجلسون علي مائدة التفاوض.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو موقع روزاليوسف:
www.rosaonline.net
أو على المدونة على العنوان التالى:
http//alsiasy.blospot.com
أو على صفحة الكاتب فى موقع الفيس بوك أو للمتابعة على موقع تويتر:
twitter.com/abkamal
البريد الإلكترونى
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.