في الدول التي تعرف قيمة العمل ومعني الانتاج تكون الصحة نوعا من الاستثمار البشري, ويصبح الفحص الدوري للمواطن فرض عين, لأنه عنصر يسهم في الانتاج والتنمية, وحين يصاب بمرض يصبح معطلا للانتاج أولا لأنه سيعجز عن العمل وثانيا لأن علاجه سيكلف الدولة مبالغ يجب أن تنفق في البناء. وفي مصر لا يتم هذا الاجراء الاستباقي المتمثل في الجانب الوقائي, ويظل الناس يلهثون في أعمال متواصلة لاتؤهلهم لها حالتهم الصحية, الي أن يقعوا فتبدأ رحلة العلاج الذي ليس علاجا نظرا لأن أحوال المستشفيات لا تسر سليما ولا مريضا, والا فما معني أن يظل مستشفي بدون استكمال لخمس أو عشر سنوات, لمجرد أخطاء في التصميم أو موت مقاول, أوتغيير مسئول؟!! من بعيد يبدو مستشفي عين شمس العام تحفة معمارية, ولكن الاقتراب من المبني ودخوله يشبه الاقتراب من لوحة فنية تثير الاعجاب من بعيد. حلم الأهالي وكلما اقتربت منها ظهرت العيوب. مستشفي في مثل هذا الحي المزدحم كان يجب الانتهاء من تجهيزه بسرعة توازي تسارع الأمراض لالتهام صحة المواطنين واعمارهم, ولكن حلم أهالي عين شمس بافتتاح المستشفي استمر10 سنوات, ولا أحد يعلم كم من الزمن يجب أن يمضي لتدب الحياة في المستشفي. يقول النائب عبد الفتتاح محمد عباس عضو مجلس الشعب عن دائرة المطرية انه تقدم بثلاثة طلبات لوزارة الصحة حول توقف العمل بالمستشفي المجهز منذ10 سنوات بسبب الخلافات بين المقاول ووزارة الصحة بالاضافة الي اكتشاف بعض التجاوزات في المباني ويضيف أنه تم حل هذه المشكلات وحيث تم اعتماد مبلغ مالي قيمته990 ألف جنيه لادخال الكهرباء وأن المستشفي معد الآن لادخال الأجهزة الطبية اللازمة لتشغيله. خلافات المقاول ويقول علي غباشي رئيس المجلس المحلي لحي عين شمس انه منذ عام1998 تم اتخاذ قرارات من المجلس المحلي والمجلس التنفيذي لمحافظة القاهرة للمطالبة بانشاء مستشفي بالمنطقة لخدمة الأهالي وتم عرض الأمر علي وزارة الصحة الي أبدت موافقتها علي المستشفي الذي أنشئ باسناد أعمال البناء الي مقاول ثم حدثت خلافات بينه وبين ووزارة الصحة فتوقف العمل بالمستشفي بحجة أنه لايوجد مخصص مالي لاستكمال البناء وادخال الكهرباء. وبعد تدخل محافظ القاهرة تم ادخال الكهرباء وبالتنسيق مع وزارة الصحة وعدت بتغيير المقاول واسناد أعمال البناء لمقاولين وشركات أخري. مأساة حقيقية ويؤكد غباشي أن مايحدث نوع من المأساة لحرمان الفقراء من العلاج في أقرب مستشفي حكومي. ويتساءل كيف يصل الاهمال الي التلاعب بحياة المرضي والفقراء وأين يذهبون لتلقي العلاج في ظل احتياجهم الشديد لفتح هذا المستشفي ويلقي بالمسئولية بأكلمها علي عاتق وزارة الصحة. ويقول محمد أنور( أحد الأهالي) ان كثيرين من المرضي يأتون بصورة متقطعة, ومعتقدين أنه يعمل. وحين يصلون الي البوابة تفاجأون بالمبني المهجور ويصابون بالصدمة. النظرة الخاطفة لمستشفي الوراق العام من الخارج تكفي للقول إنه يخلو من لمسة جمالية, ولكن المرضي لن يعترضوا فعيونهم وقلوبهم تؤلمهم, ويحتاجون علاجا أكثر مما يبحثون عن راحة نفسية. ويلاحظ المرضي الذين مازالوا محرومين من التمتع بالخدمات الطبية في المستشفي أن كل غرفة بها جهاز تكييف, وتصطف الأجهزة في تناسق وانضباط يليق بمبلغ22 مليون جنيه هي جملة تكلفة إنشائه, ولكن فرحة أهالي الوراق لم تتم إذ تسرب الإهمال للمبني قبل الاكتمال حتي أصبحسسص مهجورا فاقدا للروح. مأوي لأطفال الشوارع ويقول عبدالفتاح قنصوه( أحد الأهالي) ان الإهمال أفقد المبني الخالي هيبته فتحول إلي مأوي آمن لأطفال الشوارع يمارسون فيه كل ما يمكن أن نعتبره خروجا علي القانون ولايحاسبهم أحد بل أن بعض الباعة الجائلين جعلوه استراحة لخيولهم ومبيتا لعربات الكارو. ويقول حارس المستشفي إنه يعمل منذ8 سنوات والوضع لا يتغير بل يزداد سوءا مضيفا ان المبني جاهز ومقسم إلي غرف للكشف والاستقبال والعمليات ولا ينقصه إلا الأجهزة الطبية ولكن عدم افتتاح المستشفي جعله عرضة للسرقة اكثر من مرة حيث يظن اللصوص انه غير مستخدم فيلجأون لسرقة محتوياته ويقول حسين عثمان أحد السكان ان بعض المرضي بالمنطقة يعانون كثيرا ففي الحالات الطارئة يضطرون إلي اللجوء لمستشفيات بعيدة أو عيادات خاصة وهذا يحملهم عبئا إضافيا جسديا وماديا. إحتياج شديد ويؤيده في الرأي أحمد خالد أحد مواطني الوراق إن الأهالي في أمس الحاجة لخدمات المستشفي لأن المستشفي الرئيسي بعيد عن المنطقة وهذا يجعلهم عرضة للاستغلال في العيادات الخاصة. خدمة مناطق كثيرة ويقول أحمد عبدالحي عضو المجلس المحلي لمحافظة الجيزة إن المستشفي كان وحدة صحية ثم تحول لمستشفي الوراق العام وكان من المفترض ان يقوم بخدمة أهالي منطقة الوراق وإمبابة وطناش وجزيرة محمد وعزبة المفتي لكنه توقف العمل به منذ8 سنوات نظرا لوفاة المقاول المسئول عن أعمال البناء ثم قام اللواء سيد عبدالعزيز بتفقد المستشفي وتم إسناد أعمال البناء إلي مقاول آخر وتشكلت لجنة هندسية من قبل المحافظة لكنهم فوجئوا بوجود بعض المخالفات في تصميمات البناء وتم عرض الأمر علي وزارة الصحة لإعداد أو تخصيص ميزانية لاستئناف العمل لكن الأمور تزداد سوءا.