يحتفل مهرجان السينما الأوروبية في مدينة لارك الفرنسية هذا العام بسينما الدنمارك مخصصا احتفالية خاصة برائد السينما الدنماركية وواحد من عظماء السينما في بدايتها( كارل تيودور درير1889 1968). وجاءت تلك الاحتفالية لتعيد الأنظار لواحد من ألمع مخرجي السينما الدنماركية في عصرها الأول والذي يعد مع المخرج الحالي( ماكس فون ترير) ألمع الشخصيات السينمائية في تاريخ الدنمارك. ولد كارل درير عام1889 لتتبناه أسرة ثرية بعد وفاة والديه. يعمل درير في العديد من المهن في الفترة من1902 حتي1912 بل ويمتهن مهنة الصحافة ويهتم بنقد الأفلام( التي كانت صامتة في ذلك الوقت ويبدي إعجابه بالسينما السويدية وبالتحديد المخرج فيكتور سوجستروم ناقدا للأعمال السينمائية الدنماركية التي كان يراها متواضعة. حبه للسينما جعله يلتحق للعمل بأكبر شركة دنماركية للسينما( نوردسك) ويتنقل في كل مهن السينما داخلها( كاتب سيناريو مونتير) ليبدأ مهنة الإخراج عام1918 مع فيلم( الرئيس) والذي لم يعرض ألا بعد سنتين. في عام1925 كان درير قد أخرج ثمانية أفلام وان لم يكن قد أثار الانتباه من خلال أي عمل منها. لكنه في نفس العام لفت الأنظار من خلال كوميديا( سيد المنزل) والتي تحكي قصة زوج مستبد وعلاقته مع أسرته, نجاح الفيلم جعل مدير شركة الأفلام العامة في فرنسا يدعوه للعمل بالعاصمة الفرنسية باريس وقدم له سيناريو أهم فيلم في حياته والذي سيكون سبب شهرته( شغف جان دارك1928), حيث قدم جان دارك في صورة انسانة تنتصر للعزيمة علي الحياة وليس في صورة قديسة صاحبة معجزات, وكانت الحداثة في تصوير محاكمة جان دارك وعبر إضاءة المحاكمة المحايدة في وقت كانت فيه مدرسة الإضاءة التعبيرية الألمانية تسيطر علي السينما في العالم بداية لسينما جديدة يلعب فيها أداء الممثل الدور الرئيسي بعيدا عن تعبيرات الوجه المفتعلة التي انتشرت في عصر السينما الصامتة, فلقد نطقت السينما, ومع ذلك كان الفيلم صامتا, لقد تم تصوير الفيلم ليكون فيلما ناطقا ولكن عدم دراية الفريق التقني بفن الصوت( الذي كان جديدا في ذلك الوقت) جعل درير يكمل الفيلم بدون صوت, لكن الرقابة قررت قطع الكثير من المشاهد في الفيلم, وتعرض نيجاتيف الفيلم للحريق, وقام درير بترميم النسخة الإيجابية وعرض الفيلم, لكن بعد ذلك تم العثور علي نسخة من نيجاتيف الفيلم عام1981 في كوبنهاجن, وفي هذه اللحظة فقد أمكن للعالم رؤية فيلم درير بلا رقابة. خاطر درير بتقديم ممثلة مسرح صغيرة( رينيه فلاكونتي) في دور جان دارك بالرغم من ترشيح نجوم كبار للقيام بالدور ولكنه اختارها لإحساسه بعلامات الألم في ملامحها وبالتالي كانت هي خير من يمثل عذابات جان دارك التي أنهت حياتها في المحرقة بتهمة الزندقة ومعاداة الكنيسة, كان الفيلم التالي لدرير هو الاتجاه المضاد لجان دارك, حيث قدم فيلم( مصاصي الدماء عام1932) ليكون واحدا من أهم أفلام الأشباح والشخصيات التي أسلمت روحها للشيطان من بعد فيلم دراكولا الذي كان أول ظهور له في عام1931, ولكن الذي يجمع بين الشخصيتين( جان دارك ومصاصي الدماء) هو الروح البشرية التي يمكن أن تبيعها لفكرة ايمانية ويكون دونها حياتك أو تبيعها للشيطان لتحصل علي السلطة والنفوذ ولكن في عالم الشر تكون الكلمة الأخيرة للعناية الالهية. يعود درير الي بلده الأم الدنمارك ليمارس الإخراج والصحافة و النقد, ولكنه في الفترة التي أمتدت من عام1943 الي عام1964 لم يخرج سوي ثلاثة أفلام, وقد حاز فيلمه( أوردت1954) عند عرض الفيلم في مهرجان فينسيا علي أسد ذهبي عن مجمل أعماله, مات درير عام1968 وهو يحلم بتقديم فيلم عن السيد المسيح لم يستطع تقديمه, وماتت مع درير تلك النوعية من السينما التي تعمل علي نقل خلجات النفس البشرية عبر حركة تعبيرات وجه الممثل, حيث كانت هناك سينما جديدة تولد في نفس عام وفاته تحمل اسم الموجة الجديدة.