في25 اغسطس الجاري, حسم الرئيس حسني مبارك جدلا يدور منذ ثلاث سنوات, حول موقع اول محطة نووية لتوليد الكهرباء, واقر اختيار منطقة الضبعة علي الساحل الشمالي الغربي للبلاد لاقامة هذا المشروع القومي الاستراتيجي لتأمين امدادات الطاقة والاستخدامات السلمية للطاقة النووية, فمن اجدر من مصر بذلك؟! وتاريخها من اجل تواريخ الامم واعظمها وارفعها شأنا. ومجدها العريق قد ملأ اسماع الدنيا, وبقيت ارضها وتراثها الحضاري تراثا ضخما عريقا مجيدا, قل ان يتوافر لشعب من شعوب الارض, او تضمه ارض امة من امم الدنيا. وعلي هذه الشاكلة نلحظ هاهنا باختصار, ان الماضي مرشد الامم وسراجها المنير, الذي تهتدي به اذا ما ارادت ان تستعيد مجدها الذي فقدته او ان تضيف شيئا الي مجدها الحاضر في المستقبل, ومن خلال هذه المعطيات, فما احوج مصر الان اكثر من اي وقت مضي لمثل هذه الرؤي, باعتبارها البوابة الواسعة التي يمكن لمصر من خلالها العبور لطموحاتها النووية السلمية. ان اقرب الاحتمالات في ظننا ان نقول, بان قدامي المصريين, هم اول من تعامل مع المواد المشعة, ولعلي كنت لا اجد الجرأة الكافية للتقدم بمثل هذا الاحتمال لو لم يكن عالم من علماء الهندسة الذرية وهو لويس بلجارتي قد زودنا ببعض الحقائق التي ترجح هذا الاحتمال حيث يقول: اعتقد ان قدماء المصريين, قد فهموا قوانين التحلل الذري وان اليورانيوم كان من المسائل المعروفة لدي كهنتهم وحكمائهم, واكتشاف الفراعنة لليورانيوم والمواد المشعة بصفة عامة, اكدته تحاليل العينات الرملية المستخرجة من الممر المؤدي الي غرفة الملكة في هرم خوفو عام1986 فقد اكدت تلك التحاليل احتواء هذه الرمال علي نسبة من المعادن الثقيلة بعضها مشع, وتصل هذه النسبة الي7.7% وهذا يعطي دلالة علي ان هذه الرمال, قد تداولتها عمليات خاصة قبل استعمالها, مما يشير الي ان المصري القديم, قد تعمد اعدادها اعدادا خاصا لاستخدامها في وظيفة معينة, ولكن في اي شيء كان استخدام الفراعنة لهذه المواد المشعة؟ هذا ما يجيب عنه الفراعنة انفسهم, فقد كتب توت عنخ آمون علي لوح فخاري عبارة يقول فيها: سيذبح الموت بجناحيه كل من يبدد سلام مرقد الفرعون فمن المحتمل اذن, ان الفراعنة قد استخدموا المواد المشعة لحماية مقابرهم من اللصوص, وهكذا يمكننا القول بشيء من اليقين, ان اكتشاف المواد المشعة, من معطيات المصريين للبشرية. ونستطيع ان نستمر طويلا في ضرب الامثلة الدالة علي هذا الترجيح نقتصر منها لضيق المجال علي وصف الكاتب الشهير رينان مصر بأنها: المنار الذي اضاء ظلمات العصور القديمة.. ومازال العالم منذ الاف السنين يسبح في خضم ثقافي مصري في جميع ميادين الحياة المادية والمعنوية. فبمصر انبثقت بدايات العلوم والمعارف والفنون علي تنوعها وتباينها وفي مقدمتها الكيمياء والفيزياء والميكانيكا وهي العلوم التي لا يمكن ان يستغني عنها برنامج ذري. ووفقا لهذا النسق من الافكار يقول برنال : ان المصريين كانوا يعرفون تسعة من العناصر الاولية علي الاقل كما كانوا علي علم ببعض العمليات الكيميائية مثل التأكسد والاختزال وليس هناك من دليل علي تطبيق نظريات الروافع في مصر. اقوي من المعلومات التي وردت عن اهرام مصر ودولاب صناعة الخزف والشادوف اما الالة التي يتم تشغيلها بالطاقة الصناعية بدلا من عضلات الانسان, فلم تعرف الا في اواخر مراحل الحضارة المصرية بالاسكندرية فقد حققت العلوم الفيزيائية فيها قفزة نوعية. عندما تم تجميع نتاج الحضارات القديمة في مكان واحد بمكتبة الاسكندرية التي اصبحت بمثابة جامعة عالمية للباحثين الذين يفدون اليها من كل ارجاء المعمورة ومن اهم علماء الفيزياء الذين ظهروا في الاسكندرية كتسبيوس وفيلون في القرن الثاني ق.م. ثم هيرون في القرن الاول للميلاد وكان الاول قد اخترع مضخة كبس تتكون من ثلاثة اجزاء, اسطوانة وكباس وصمام, كما اخترع آلة موسيقية للاورغون تعمل بالماء كموتور الساعة المائية التي اخترعها المصريون منذ الالف الثاني ق.م اما فيلون. فقد تمكن من علاج قضايا هندسية تتعلق بالمنشآت الحربية الدفاعية, وكذلك بوسائل الهجوم, اما هيرون الاسكندري, فيعتبر اخر علماء الميكانيكا الذين ظهروا في العالم القديم لقد كان مهندسا وعالما رياضيا, وضع كتبا نظرية عدة تتعلق بسرعة الضوء ووسائل التصنيع التكنولوجية وسعي في تطبيقها عن طريق بناء الاجهزة التي يمكن استخدامها في الانتاج الصناعي وكان اول من اخترع آلة نعمل بالبخار عن طريق الدفع النفاث, قبل سبعة عشر قرنا من ظهور هذا الاختراع من جديد في اوروبا عند بداية التحول الصناعي. والواضح هنا دون الالتجاء الي الاسهاب في الادلة, ان عمر الملف النووي المصري, هو من عمر مصر نفسها, بدأ منذ فجر التاريخ حين بدأ المصري يصنع الالات لتؤدي له عمله, وبعض هذه الالات كان يعتمد علي عضلات الانسان نفسه, وبعضها الاخر كان يعتمد علي قوة عضلات حيواناته المستأنسة وكان بعضها يدور بالريح وبعضها بالماء, واخيرا عرف الانسان المصري كيف يسخر قوة الماء الذي تسخنه النار البخار ولقد تطور ذلك في اوروبا الي قوة تفجر الغازات في محركات الاحتراق الذاتي ثم قوة الكهرباء. اما اخر ما استكشفه الانسان الاوروبي من مصادر القوة فهو استخدام الطاقة الذرية وفي هذا الصدد يذكر العلامة ارنولد توينبي : ان مصر قد ظلت محور التاريخ العالمي ثلاثة الاف وخمسمائة عام من تاريخ العالم الحضاري البالغ خمسة الاف عام اي انها قامت بالدور الرئيسي علي مسرح الحضارة العالمية بنسبة70% من تلك الفترة ولم ينقطع دورها الحضاري خلال العصرين المسيحي والاسلامي,. ويقرر المؤرخ الالماني ادولف ارمان ان دراسة المنجزات الحضارية المصرية, تؤكد ان المصريين عنصر فنان فذ, سبق العالم بابتكاراته الحضارية الرائعة وبينما كانت حضارة اليونان في طفولتها كانت مصر منذ وقت طويل تقود العالم صوب المدنية. وظل العالم امدا طويلا يرتوي من ينابيع حكمتها. ولا نود الاطالة هنا وضرب الامثلة الكثيرة الدالة علي ما اسدته مصر من خدمات للحضارة اليونانية الاغريقية التي يعتبرها الغربيون الحاليون, الاساس الاول الذي بنوا عليه حضارتهم المعاصرة, ولكن راينا الاكتفاء بهذه العناوين وتحت كل عنوان ملحمة رائعة, لان القصد هو التذكر بما قدمت مصر من خدمات هي اساس الحضارة الحديثة وافكارها ومعتقداتها والتذكير ايضا بانه قد كان في تاريخ مصر طفرات, تفصل بينها اغفاءات وبعد كل اغفاءة. كان الكل يعتقد ان مصر قد انتهت, ولن يقوم لها قائم, لكن سرعان ما يتبدد الظلام, فتبدأ صحوة جديدة تتابع سيرها وتواصل انجازها.