يمر المجتمع المصري في هذه الأيام التي نعيشها والتي تتسم بحراك سياسي واسع المدي, بتجربة حرية غير مسبوقة في الاعلام بكل صورة وأنماطه إلا أنها للأسف الشديد مرحلة تسودها الفوضي العارمة. وعلامات هذه الفوضي انعدام المعايير, وانخفاض مستوي الأداء الاعلامي, بحكم هرولة أدوات الاعلام المختلفة في طريق الصخب والاثارة وتضخيم الأحداث. غير أنه مصاحب لذلك نجد ظواهر بالغة السلبية مثل الكذب المتعمد في صياغة الأخبار, وأخطر من ذلك كله اختلاق وقائع لم تحدث, وصياغة تفسيرات ساذجة لها, مع الحرص علي وضع مانشيتات مثيرة مع أنها فارغة من المضمون, وتدل ليس فقط علي سوء نية المحرر الذي صاغ الموضوع, بل أخطر من ذلك علي تدني مستواه الاعلامي! قدمت لجنة الثقافة ورقة عمل عن مستقبل الثقافة في مصر, ودعي لمناقشتها بالاضافة إلي أعضاء لجنة الثقافة بالحزب مجموعة من المثقفين المستقلين البحث الذي نتحدث عنه كان يتضمن تخطيطا متكاملا للسياسة الثقافية وسنعرض له بعد ذلك. أكتب ذلك بمناسبة ما كتبه أحد المحررين في جريدة الكرامة بتاريخ9 أغسطس2010 في صفحة16 بعنوان: بعد الاجتماع السري بين جمال مبارك والمثقفين: أدباء وكتاب: الوريث يلعب بالنار. والكذب الصريح المتعمد هنا أنه لم يكن هناك اجتماع سري بين جمال مبارك والمثقفين. كان هناك اجتماع نعم ولكنه علني وليس سريا, وهو اجتماع نظمته لجنة الثقافة وهي إحدي لجان لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي, ورأس الاجتماع جمال مبارك باعتباره أمين لجنة السياسات وشارك فيه د. إسماعيل سراج الدين باعتباره مسئولا عن لجنة الثقافة. قدمت لجنة الثقافة ورقة عمل عن مستقبل الثقافة في مصر, ودعي لمناقشتها بالاضافة إلي أعضاء لجنة الثقافة بالحزب مجموعة من المثقفين المستقلين ممن يمتلكون خبرات واسعة في مجال التخطيط الثقافي, وقاموا بأدوار بارزة في مجالات ثقافية متعددة. وقد دعي هؤلاء المثقفين المستقلين للاسترشاد بآرائهم فيما حوته ورقة العمل من أفكار. دعي للاجتماع د. جابر عصفور رئيس المركز القومي للترجمة والأمين السابق للمجلس الأعلي للصحافة, والذي حول هذا المجلس إلي منارة ثقافية مصرية وعربية. والدكتور فوزي فهمي رئيس أكاديمية الفنون السابق وصاحب الانجازات المبهرة في الأكاديمية, والتي حولتها إلي أهم أكاديمية فنية في الشرق الأوسط, والسيد يسين الذي تخصص منذ سنوات بعيدة في تحليل السياسات الثقافية منذ أن وضع الخطة البحثية لأول بحث عربي عن تقييم السياسة الثقافية في سياق المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وذلك عام1987, وشارك في تنفيذ البحوث مجموعة من أفضل أساتذة العلوم الاجتماعية. علي رأسهم أستاذنا الدكتور أحمد أبو زيد. وقد صدر عن هذا المشروع البحثي عدة كتب أساسية أهمها كتاب عن المناخ الثقافي في مصر من مرحلة ما قبل الثورة إلي مرحلة التعددية والانفتاح, حرره السيد يسين وشارك فيه فؤاد السعيد وإبراهيم غانم ومحمد هاشم. وأجرينا في إطار نفس المشروع بحثا ميدانيا عن تخصيص الوقت أشرف عليه السيد يسين وقامت بإجرائه كل من المرحومة الدكتورة علا مصطفي والدكتورة ليلي عبدالجواد, وهي أول دراسة سوسيولوجية عن استخدام الوقت في مصر. وصدر أيضا كتاب عن رؤي العالم حرره الدكتور أحمد أبو زيد وشارك فيه مجموعة من الباحثين. البحث الذي نتحدث عنه كان يتضمن تخطيطا متكاملا للسياسة الثقافية وسنعرض له بعد ذلك. ودعي للاجتماع أيضا الدكتور عماد الدين أبو غازي بوصفه أمينا للمجلس الأعلي للآداب, والأستاذ محمد الصاوي بحكم تجربته الرائدة في مركز الساقية الثقافي, وأيضا الناشر إبراهيم المعلم. وحضر الاجتماع من أعضاء لجنة السياسات الدكتور علي الدين هلال والدكتور محمد كمال والدكتور عبدالمنعم سعيد. ولابد لنا أن نثير عدة أسئلة تتعلق بالمعالجة الصحفية الغوغائية لوقائه هذا الاجتماع. ما معني علنية الاجتماع, وهل من الضروري لأي اجتماع حتي يكون علنيا وليس سريا كما إدعي كاتب التحقيق أن يعقد أمام كاميرات الفضائيات وفي حضور مندوبي الصحف؟ الأحزاب السياسية في مصر تعقد عشرات الاجتماعات التي قد لا يعلن عنها بالضرورة في الصحف ولا تعد سرية. والسؤال الثاني ماذا في دعوة مجموعة من المثقفين لمناقشة ورقة عمل أعدها أحد الأحزاب السياسية سواء كان الحزب الوطني الديمقراطي أو غيره للاسترشاد بآرائهم بحكم خبراتهم المتميزة في مجال الثقافة؟ وأنا أقطع بأن هذه المجموعة من المثقفين المستقلين لو دعاهم أي حزب سياسي آخر غير الحزب الوطني الديمقراطي لمناقشة إحدي أوراق العمل الخاصة بالثقافة ما ترددوا أبدا في الحضور والاسهام الفعال بآرائهم. والسؤال الثالث هل من حق أمانة السياسات بالحزب الوطني مناقشة أمور الثقافة؟ نعم بالقطع بل ويحمد لها أنها اهتمت بموضوع الثقافة وأعدت بصدده ورقة عمل وطرحتها للنقاش. والسؤال الرابع هل من حق جمال مبارك بوصفه أمين السياسات أن يرأس لجنة لمناقشة موضوع الثقافة؟ والاجابة نعم بالقطع, لأن ذلك يدخل في صميم اختصاصه الحزبي. رأس جمال مبارك الاجتماع واستمع بكل دقة للعروض المهمة التي قدمها السيد يسين وجابر عصفور وفوزي فهمي وعماد أبو غازي. وتم تسجيل آرائهم للاستفادة منها في تطوير الورقة. الغريب أنه طبقا للتقاليد الصحفية الغوغائية السائدة الآن في الصحافة المصرية نقل المحرر الصحفي الهمام الوقائع الكاذبة عن الاجتماع السري وسأل مجموعة من المثقفين عن آرائهم في ورقة عمل لم يقرأوها وفي مناقشات لم يستمعوا إليها! كانت الوقائع مزيفة, والأسئلة سطحية, وتفترض أمورا لم تحدث واضطر من وجهت إليهم هذه الأسئلة إلي الاجابة بصياغات عامة تكشف عن عدم إلمامهم بالوقائع الصحيحة. ويأتي أخيرا المحرر الذي يحاول عبثا أن يلعب دور الكاتب النقدي الجبار باختيار عنوان استفزازي لموضوعه التافه وهو الوريث يلعب بالنار! ويقصد سيادته أن جمال مبارك يلعب بالنار! يلعب بالنار لماذا؟ لأنه رأس اجتماعا يناقش فيه مستقبل الثقافة في مصر؟ أليس هذا التحقيق الصحفي التافه علامة علي سيادة الغوغائية في الصحافة المصرية هذه الأيام؟!