ظل يجري من غرفة لأخري..دخل معظم مكاتب المؤسسة واصداراتها واقسام النشر والتحرير..كيف يحدث هذا..كيف لايخبرنا احد..احد العارفين الواصلين احتج ومن ثم تمالمك لسانه واعصابه حين المح احدهم بأنه قرار رئيس التحرير الجديد..ابدال الكراسي الجديدة بالقديمة.. ولكن اين هي الجديدة..مباشرة توجه تلقاء مكتب رئيس التحرير..تجمع الصحفيون والإداريون فمنعوه من الدخول فورا..هذا عمران من الديسك ومحمود حسين الرسام..حتي اللامبالي عاطف وجهه ينطق بالغضب احتاج ان يأخذ رقما في دور..لاحظ بسرعة ان السكرتيرة تجلس مطمئنة علي كرسي مكتبها...ملتصقة به..لاتفارقه حتي انها تتحرك به وتدور..وقف امامها مباشرة وقد استبد به الغضب..صاح لافتا نظر الزملاء..أنت جالسة علي كرسي مكتب اين كراسينا كان صوته جهوريا صارخا..جعلها تنتفض واقفة..اهدأ يا استاذ عبد السلام..اهدأ كرسي اتاخد مع كل كراسي المؤسسة هذا هو الكرسي الجديد..عينة وسنتسلم باقي الكراسي فعليه الوضع مؤقت..لم تفلح كلماتها في التبريد..قرر انه لافائدة من جعلها هدفا والتنشين عليها جالسة..اكتسبت اسما جديدا الآن..ينتظران يطلقه عليها لو اقتضي الأمر..ذات الكرسي..جاء دوره في الدخول..اسمعت كلماته ذات رئيس التحرير..لاحظ كم هو منتفخ الهيئة في بذلة فاتحة متشبث بكرسيه خلف مكتب بيضاوي..لم يترك له فرصة في كلام..اندفع كمدفع رشاش وكأنه يسمع محفوظات.. الكراسي ذهبت للتجديد في شركة رياضكو لو احببت ان تتأكد وسوف يحضرون كراسي جديدة تماما للمحررين ورؤساء الأقسام وخلافه سعر الواحد اربعة الاف جنيه لاتصيبك بالتهاب مفاصل ولا التواء ولاتشعرك بآلام الظهر والرقبة..وتحول الي وضع اقل تحفزا وهو يقول: مصلحة الزملاء مهمة جدا لدي والكراسي القديمة ستعود مجددة وسوف توزع علي الخدمات والأمن..قاطعه كيف نؤدي وظائفنا..كيف نكتب اذن؟ الحل بسيط.. نحن اخذنا كراسي المكتب فقط يمكن ان تجلس علي الفوتيه والكنبة وتكتب علي ترابيزة تقديم الشاي والقهوة حتي انها من باب التجديد وكل ذلك مؤقت وستجد زملاء لك وكتابا ومبدعين بيكتبوا كذلك..كانت اجاباته حاضرة..اكثر مما ينبغي.. في احوال كهذه يصح ان تبدأ بقول نأسف علي ازعاجكم ولكن هو يفرغ كل الحلول البديلة.. بجدله الذي تمرس عليه في الفضائيات..اصابه بصداع شديد..خرج من مكتبه وقد ادارت الكلمات رأسه اللكمات في مصارعة المحترفين..وتدوي.. دي صفقة لصالح المؤسسة وتهدف لراحة العاملين بها مينفعش تتم علي مراحل حيقولوا رئيس التحرير الجديد عنده خيار وفاقوس..دي عينات حنستلم عليها عندي وعند السكرتيرة ورئيس مجلس الإدارة وللتجربة ومعرفة العيوب مش ميزة ولاحاجة..لقد بدأت عجلة التغييرات..كان يحس ذلك.. بالأمس في حفة وداع رئيس التحرير السابق..كرم بمبالغه واحتراز واشعات قوية أن بانتظاره وثبة أكبر..ربما رئاسة نادي الزمالك اونقيبا في الدوره القادمة..فالرجل كان مرضيا عن ادارته وحاشيته وسلوكه..عطاء الله الوهاب للنعم جدد له اكثر من مره والآن.. هو مشاكس حقيقي واكثر من ند للشاب الطموح الواثق الواثب علي كرسيه..هل نلجأ اليه..ماذا سنقول..يسرع العملية شويه..مش منطق الآخر ربما تنقصه الخبرة في اشياء كثيرة الا انه ممتاز في الثرثرة والحجج تنبه ان اصبع زميلته هويدا حماد يكاد يخترق نظارته الطبية.. احذر انك تفكر بصوت مسموع..صوتك يدوي في الممرات..تركها وابتعد سريعا, في غرفته جرب ان يكتب واقفا..ينظم موضوعات النشر في الصفحة..جالسا علي حافة المكتب وقد لامست اقدامي الأرض من تحته..لم يعد علي ارض صلبة..جالسا ونائما اوواقفا..جرب الفوتيه وطاولة الشاي..جرب الجلوس ممددا علي الكنبه وقد رفع الحذاء عاليا يطاول هام المكتب وفي وجه من يدخل عليه..لم يعد هذا الوضع مهينا لأحد الرؤساء فالضرورة تحميه..توسع في ابتكار اوضاع الكتابة..كذلك هم توسعوا في الأذن للصحفيين بالتغيب عن المؤسسة في اعمال خارجية..حوارات ولقاءات المهم تسليم المقال للنشر في موعد اقصاه..اصبحوا يتبادلون النوادر وبعضهم اعاد قراءة ملاعيب الولد الشقي للسعدني والاخرون اعتصموا في مكتب رئيس التحرير فقد مضي شهر وزيادة ولم ينفضوا من حوله الا بعد ان اقسم بالمصحف علي عينيه انه اسبوع وكل شئ سيتم.. انفجر خارج الغرفة ومن له بأسبوع اخر..ينبغي ان يوضع حل حالا..يجب الضغط عليه..هناك شئ غير طبيعي في قصة التجديد هذه..هذا الرجل لديه عقدة من كراسي الآخرين..كرسي المكتب..يمثل السلطة التي لايريد ان ينازعه احد امرها..خاصة انه صغير علي كرسي رئيس التحرير في مؤسسة عريقة مثل هرم مؤسستنا..ضحك الحضور..اخذوا يرددون عقدة الكرسي..تصلح اشاعة جيدة للحرب..عقده نفسية..انتهز فرصة دخول بعض الصحفيين ونشرها بينهم..زادت في الأيام التالية قوة..دخلت الصحفية فاطمة الحاج علي رئيس التحرير وبدلا من ان تتلقي توبيخا عن حديث رئيس الوزراء الذي لم تسلمه بعد سمعوا سيلا من التوسلات لكي تكتب الموضوع..اصرت انها نفسها غير مهيأة وان الكتابة والتفريغ شيء معقد بلاكرسي مكتب..ازاحوا لها السكرتيرة ذات الكرسي من مكتبها..امضت طوال النهار سعيدة بالكرسي الجديد.. تنقل به جيئة وذهابا لتكتب كلمة او لتفرغ سؤالا..حتي أتت علي المقال الجملي كله..وجري به مخصوص الي المطبعة والجمع..تلقت التهاني من الزملاء ليس علي المقال الرائع لرئيس الوزراء الذي كانت تنتظره المطابع بل علي حبسة دم رئيس التحرير وسكرتيرته ذات الكرسي..التي اتاها انزلاق غضروفي من الجلوس مقرفصة تؤدي عملها..الأرقام تقول..ان نشاط الصحفيين في المؤسسة ذاد بنسبة كبيرة هذا الشهر..قالها رئيس التحرير في اجتماع المحررين ولما لم يعلق احد.. الواقع ان نوعيه الموضوعات أيضا كانت ممتازة.. ورب ضارة نافعة.. قاطعوه بصوت حاد غاضب.. تقصد تقول ان مهزلة الكراسي الجديدة اللي انت السبب فيها هي اللي خلقت موضوعات ممتازة.. بكره المانشت الرئيسي في كل الصحف قومية ومعارضة حيحكوا ما تم في هذا الاجتماع.. لقد نهضوا وتحلقوا في شكل بيضاوي يناسب طاوله الاجتماعات.. كان هناك جلبة في اروقة المؤسسة احدهم دخل فجأة وهو يصرخ من الفرح.. خلاص يا جماعة الكراسي الجديدة وصلت.. اللجنة بتسلمها حالا.. انطلقوا من الاجتماع. هناك حدث ينبغي تغطيته كان المخزن الكبير يشغل كامل مساحة المؤسسة تحت الأرض.. مساحة حرة مفتوحة اعمدتها ترفع المبني وتستوعب الكثير من.. الكراسي.. استوعب المخزن كل من دخله.. المؤسسة شاغرة الآن.. اين هم.. مازالوا ينفقون الكراسي الجديدة ويجربونها اضافة للاداريات من امضاء وخلافه.. نزل الي المخزن.. كان الباب مغلقا.. فتحه بكل حرص.. كان يعلم كم هو المخزن ممتليء عن آخره لا يريد ان يراه احد يتلصص عليهم من.. انقذه ذلك البشير بقدوم الكراسي سوف يعتبره مخلصا ويكافئه.. من فتحة الباب رأي مظاهر الابتهاج كان الجميع يمتطي صهوة الكراسي.. يتحركون بها.. يشرح لهم الخبراء كيف تميله أو تقيمه.. انسحب في هدوء شديد.. وبتثاقل صعد السلم الان لا يمكنه استخدام الأسانسير.. الان هناك كراسي تطاول كرسيه.. وربما اكثر.. احمد محمد عبده جلبي الدقهلية