انشغل الكثيرون منذ فترة ليست بالقصيرة بمسألة التعددية ومستقبلها في مصر لاسيما بعدما ازدادت حدتها بعد25 يناير, حيث كان منطلق الجميع يتأسس علي ما عانته مصر منذ عصر محمد علي من انفراد سلطوي دفع المجتمع ثمنا غاليا لتبعاته علي مر السنين وأفضي به إلي أطروحات وممارسات من قبيل( الديكتاتور العادل) و(الديكتاتورية المستنيرة) و(الديموقراطية ذات الأنياب) و(رب العائلة) و غيرها. بحيث ظلت المؤسسات الديموقراطية حيالها بمثابة مجالس لتوشية النظام( أي نظام) شريطة أن يظل مبدأ لا مساس هو الأساس تجاه الحاكم أو يتسع بعد ذلك ليشمل جوقة الحاكم, دونما اعتبار لكونه خرقا في ثوب الحكم كلما زادت مساحة التفرد السلطوي فيه كلما اتسع الخرق علي راتقه. و هكذا باتت النظم الشمولية هي الأكثر تطبيقا و تمثلا لفردية القرار و الانفراد بالسلطة. وقد يبدو مستغربا من عنوان المقال الصادم أننا نسير عكس التيار في سعينا نحو استشراف مغاير لما نتطلع إليه جميعا من آمال عراض ترتبط بديمقراطية حقيقية ينعم فيها الوطن بكافة مفرداتها من مجالس نيابية مؤثرة وانتخابات حقيقية وتفعيل لمبدأ تداول السلطة وسيادة القانون والفصل بين السلطات.. إلخ.. إلخ. لتذهب الفردية معه إلي غير رجعة لا يأتي ذكرها إلا في كتب التاريخ لتبقي في ذاكرة الأمة شاهدا علي ما فعلته بها لا لها. بيد أن الأمر الذي نعنيه هنا ينبغي أن يفرق بين الانفراد بالسلطة إلي حد التسلط المقيت ومبدأ الفردية بعامة, لكون الأخيرة وإن مثلت في الظاهر مقابلا للتعددية ومعادلا موضوعيا لها فإنها بذات القدر تندرج معها ليس في كونهما حقيقة كونية وحسب بل أيضا كأحد الثوابت في تاريخ الإنسانية التي لا يمكن الحديث عن إحداهما دون النظر في الأخري إما تكاملا أو تعارضا. بيد أن مما لا شك فيه أن الفردية قد مثلت في العصر الحديث وعلي مستوي العالم تحولا في العديد من المفاهيم وعلي رأسها حرية الإنسان وانفكاكه من كافة التبعيات قبلية كانت أم إقطاعية أو حتي أسرية لحساب انتماءات أخري ذات طابع سياسي كالأحزاب أو فئوي كالنقابات مثالا لا حصرا, حيث أصبح الانتماء فيها يرتبط بقدرة الإنسان علي إثبات ذاته وفق مواهبه الخاصة وقدراته الذاتية. ومن ثم جاءت الفردية والحريات المطلقة- مهما تحفظنا علي بعض ممارساتها- تمثل إعلاء لقيمة الحرية المنظمة التي يصبح فيها الإنسان محورها الأساسي. وعلي الجانب الآخر كانت مجتمعاتنا تسير في اتجاه معاكس ظاهره تبني الديمقراطيات بآلياتها وعلي رأسها مبدأ التفرد المفضي للتعددية وباطنه ترسيخ لمبدأ التفرد أيضا ولكن بمنطق التمحور حول الفرد المفضي بدوره إلي الشمولية. ولا يخفي علي كل ذي لب البون الشاسع بين كلا النوعين من التفرد, بيد أننا إذا كنا حريصين علي ذلك التفرد الذي يعلي من شأن الفرد بعيدا عن المساجلات اللفظية والتكتلات الهلامية أو الجمعيات النشاطية فينبغي أن ننظر للقضية في إطار كلي يعتمد علي متغيرات موازية لما يمكن أن يعايشه المجتمع من متغيرات. نظرا لكون الإنسان فيها هو الأساس الذي به ومن أجله تنفعل الدساتير وتصاغ العادات والتقاليد و تسير دفة الحكم وتطبق القوانين. إن آفة التفرد السلبي عندنا ترجع إلي مفهوم( ما أريكم إلا ما أري) و هو مفهوم اصطبغت به الفرعونية بالفردية المقيتة في مغالطة تاريخية ترسخت في الوجدان المصري وأصبح لها معارضوها بذات قدر مؤيديها, وهو ما نراه في كل مكان من حولنا مهما كان شأنه المؤسسي حيث يتحول الانفراد بقمة الهرم إلي انفراد بالسلطة يصل إلي حد إلغاء الصف الثاني أو ربما إالغاء القانون ذاته. هذا التوجه من شأنه قتل الطموح المشروع وحق المجتمع في الانتخاب الطبيعي, ناهيك عن تفشي قيم النفاق وااإنتهازية وربما التنكيل حال المساس بالمصالح الضيقة لدائرة الفردية ومركزها. ولعل ما نحن مقبلون عليه من رغبة حقيقية لدي جموع الشعب في التخلص من الفردية التسلطية ينبغي أن تواكبه آليات حقيقية لتحويل الطاقات الفردية في المجتمع إلي تفرد إيجابي منظم, يعلي من قيمة الإنسان من خلال ضوابط القانون ومعايير العدالة وحقوق المواطنة, ولا بأس من خفض حدة التشيع نحو توجه بعينه فرديا كان أم جماعيا. إذ حتي لو خلصت فيه النوايا فعلينا توخي الحذر لمصلحة مجتمع لن تنبت فيه زهرات الأمل إلا بتوفير التربة الخصبة للعمل, بحيث تصبح الفردية فيه تفردا و تميزا لا علوا واستكبارا. وعلي من يكون مقتنعا بقيمة العقد الاجتماعي المصري الجديد أن يتفهم ذلك جيدا إذا أراد تصدر المشهد ليدخل بمصر وأهلها ليس للجمهورية الجديدة أيا ما كان توصيفها, بل إلي المنطقة التي تستحقها( أم الدنيا) إذا أريد لها أن تصبح بحق للعالم أجمع( ست الدنيا) و لنا جميعا كما عرفناها( كل الدنيا).. يا رب..( إشراقات السعدي24): أعلم أن لنا زمانا قد مضي وآخر قد أتي وثالثا ربما يأتي.. لكنني أحببت فيك من الزمان ما سيأتي.. لأنه سيصبح للتو ماضيا يعطيني الأمل في زمن آخر سيأتيني معك.. ليصبح حبك عندي هو مستقبل الماضي المتجدد.. هلا عرفت يا وطني لم أحببتك؟؟! رابط دائم :