ظاهرة التكدس المروري في مصر مشكلة تضرب بجذورها في أعماق حياتنا اليومية منذ سنوات طويلة عجزت عن حلها حكومات متعددة علي مدار عقود متتالية. لا أقول ذلك تقليلا من حجم المجهود الكبير الذي تبذله الإدارة العامة للمرور هذه الأيام فوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم يقود بنفسه الحملات المرورية وينزل إلي الشارع مع قياداته بالمرور ولكني أتساءل هل تنحصر مسئولية قضية جوهرية كهذه يعاني من ويلاتها كل فرد من أفراد الشعب المصري علي عاتق وزارة الداخلية؟ أين إذن دور التيارات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الذين يتشدقون ليل نهار في الصحف وعلي القنوات الفضائية بأنهم معنيون بقضايا هذا المجتمع ويتصارعون فيما بينهم علي التصدر في المشهد السياسي؟ أليس حريا بأي منهم أن يشارك بدور فعال في قضية كهذه؟ ما أعرفه ويتوافق مع المنطق والعقل ان ظاهرة التكدس المروري المتسبب فيها أفراد المجتمع أنفسهم من جانب وعملية تخطيط وإنشاء الطرق من جانب آخر ثم يأتي بعد ذلك الدور الرقابي من قبل رجال المرور علي الحركة المرورية وبين هؤلاء وهؤلاء هناك دور للمنظمات المدنية مرتبط بنشر الوعي بين المواطنين وتوجيههم لأخلاقيات السلوك المتحضر في الشارع من خلال وسائل الإعلام المختلفة. - وفي اعتقادي أن المبادرة التي طرحتها وزارة الداخلية تحت شعار "المصري يقدر" هي خطوة أولي في هذا المضمار لابد أن نتكاتف جميعا لتدعيمها ونكون علي قدر المسئولية تجاه وطننا الغالي. من أتيحت له الفرصة منا وسافر خارج البلاد بالتأكيد لمس عن قرب أن سلوكيات الناس في المحاور المرورية في هذه البلاد تنبع من أخلاقياتهم هم أنفسهم لا بدافع الخوف من الغرامات المرورية أو سحب أوراق ترخيص المركبات بمختلف أنواعها وليس مثيرا للدهشة أن تجد وأنت داخل سيارتك في أي محور مروري بدولة أوروبية أو حتى دولة عربية من دول الخليج أنه ليس هناك ضابط مرور وأن الإشارات المرورية في الميدان تعمل بشكل إليكتروني والمواطنون هناك يحترمونها ويلتزمون بها بوازع فطري اعتادوا عليه. أما نحن الذين اعتدنا كسر الإشارة المرورية والسير عكس الاتجاه حتى مع وجود رجال المرور عندما يسافر الواحد منا إلي أي دولة أوروبية لا يستطيع العيش إلا متجانسا مع النسق الاجتماعي العام لهذه البلاد والالتزام بكل القواعد الأمنية والمرورية علي نفس درجة الوعي والالتزام التي يعيشها أهل هذه البلاد. والمثير للدهشة أن نفس هذا الشخص الذي التزم بالنسق المتحضر في الخارج تجده يعود لسابق عهده من الفوضى واللامبالاة بمجرد عودته لبلاده فيكسر إشارات المرور أو يسير عكس الاتجاه من منطلق ال"فهلوة" المصرية وكأنه السائق الوحيد في مصر الذي يجيد فن القيادة وكل ما عداه لا يفقه شيئا أليس في هذا نوع من الخيانة للبلد الذي ولدنا ونشأنا فيه يا سادة إن حب الوطن ليس كلاما نتغنى به ونتشدق به في المحافل الإعلامية فقط ولكنه في المقام الأول سلوك حضاري يجب أن نمتثل له ونجعله نسقا عاما وأسلوب حياة نمارسه طواعية وعن وعي لا عن خوف من قانون أو عقوبات. والغريب أن المصريين أنفسهم مع نهاية القرن الماضي كانوا أكثر دول العالم التزاما بالقواعد المرورية حتى إنه قد يستغرب البعض أن الشرطة وقتها كانت تحرر مخالفات مرورية للمارة لو ساروا في غير المسارات المحددة لهم وأن هذا الإجراء استمر العمل به حتى بعد ثورة 1952 وحتى عهد اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية الأسبق ولكن لست أدري أين ذهب هذا القانون وأين ذهبت أخلاقيات المصريين؟ هل أسهم الانفجار السكاني والتزايد المخيف في البشر وبالتالي في أعداد المركبات في حالة الزحام وعشوائيات إدارة هذا الزحام سواء من قبل الجهات الرقابية أو حتى الأفراد أنفسهم؟ أيا كان الأمر فنحن نعيش الآن واقعا مريرا في الشارع المصري علينا أن نعمل علي تغييره من أجل تحسين أحوالنا المعيشية ومن أجل أولادنا في المستقبل ولكي لا نترك لهم إرثا اجتماعيا يعيشون فيه بشكل كارثي. رابط دائم :