إذا كنت عاشقاً للإذاعة مثلي فلا شك أن مؤشر المحطات قد توقف بك صباحاً عند "راديو مصر" حيث نرمين البمبي ومحمود الفقي وبرنامجهما المتألق "اصحي للدنيا" الذي يعد نموذجاً لبرامج "التوك شو" الإذاعية المفيدة والمتنوعة والقادرة علي أن تربط فعلاً بين المواطن والمسئول. ولا شك أنك توقفت مثلي عند الفقرة اليومية التي تقدم من خلال هذا البرنامج عن أوضاع الطرق والحالة المرورية وتستضيف العقيد أيمن الضبع مدير الإدارة العامة للمرور الذي يعطي خريطة تفصيلية عن الأماكن التي بها زحام والمواقع التي بها حوادث في نفس التوقيت الذي يذاع البرنامج فيه ليرشد السائقين عن الطرق البديلة التي عليهم أن يسلكوها لتجنب الزحام والشلل المروري. وهذه الفقرة تحديداً تمثل التطور الطبيعي لبرنامج رائد وعريق كان يقدم من خلال البرنامج العام بعنوان "طريق السلامة" لا أدري إن كان مازال موجوداً أم لا. ومنذ اسبوع تقريباً بدأ برنامج "اصحي للدنيا" متابعة تنفيذ مبادرة جيدة طرحها العقيد أيمن الضبع تحت عنوان "ابدأ بنفسك" لمواجهة الانفلات المروري الذي أدي إلي حوادث وكوارث عديدة لا يمكن حصرها.. وتقضي المبادرة بأن يبدأ كل مواطن بنفسه في تطبيق قواعد المرور والالتزام بالقانون انقاذا لنفسه وللآخرين من الموت. ويحرص البرنامج يومياً علي متابعة مدي التزام السائقين من كل الفئات بالمبادرة.. سواء من سائقي الأتوبيسات أو الميكروباصات أو التاكسي أوالملاكي أو النقل الثقيل.. وأيضا المواطن العادي الذي يسير علي الرصيف أو يعبر الطريق من المواقع المحددة عند الاشارات. ويعرض العقيد الضبع لنماذج ايجابية ونماذج سلبية في هذا الصدد.. ويؤكد أن المؤشرات الأولي مشجعة.. ونحن بالتأكيد نتمني ذلك حتي نقضي علي السمعة السيئة للمرور في مصر والتي ازدادت سوءاً بعد الثورة حيث خلط كثيرون بين الثورة والفوضي وتصوروا أن الثورة تعني الانفلات من القوانين وكانت النتيجة الكوارث والحوادث التي نطالعها يومياً. مبادرة "ابدأ بنفسك" تسعي إلي أن تعيد الناس إلي رشدها وإلي احترام القانون من تلقاء أنفسهم حتي ولو لم يكن هناك رجل مرور يسجل المخالفات ويردع المخالفين.. وما سمعناه من ردود أفعال سائقي الميكروباصات والنقل من خلال البرنامج حتي الآن يبشر بالخير.. فقد أدرك الجميع أخيرا أن الانفلات من القانون والخروج علي القواعد ليس شطارة ولا شجاعة وإنما تخلف سلوكي وحضاري عواقبه وخيمة علي الفرد والمجتمع. وكلنا يعرف أن الأمم المتحضرة تعرف من التزامها بالقوانين.. وأولها قانون المرور وقواعده.. فإذا رأيت بلدا يحترم أهله إشارة المرور تلقائيا فاعلم أنه بلد متحضر ناهضي منظم قابل للتطور.. أما إذا رأيت بلداً يكسر أبناؤه إشارة المرور جهاراً نهاراً ويتفاخرون بذلك فاعلم أنك في مجتمع متخلف مضطرب. وقد كنا نعيش هذه الحالة من الاضطراب والتخلف قبل الثورة مما أدي إلي اللجوء لتغليظ العقوبات المرورية دون النظر إلي ضرورة توعية الناس بضرورة الالتزام بالقانون من أجل سلامتهم الشخصية وسلامة أسرهم.. ثم ازدادت الأمور سوءاً بعد الثورة.. وتبين أن قطاعات من المواطنين تكره القوانين وتعمل علي اختراقها وانتهاكها دون أي إدراك بأن ذلك ضد مصلحتهم. ولو نجحت مبادرة "ابدأ بنفسك" في تصحيح صورة المرور في مصر فسيكون علينا أن نقيم تمثالاً للعقيد الضبع ولنرمين البمبي ومحمود الفقي.. وإذا لم تحقق المبادرة أهدافها فيكفيهم شرف المحاولة وأداء الأمانة التي في أعناقهم. وقد كان واجباً أن يتم التوسع في نشر مبادرة "ابدأ بنفسك" عبر وسائل الإعلام المختلفة.. من صحافة وإذاعة وتليفزيون وشبكة الإنترنت حتي تسمع بها مصر كلها بدلاً من رسائل الإحباط واليأس التي تبثها برامج الفضائيات كل ليلة.. وهي تعمل بجد ونشاط من أجل الوقيعة بين أبناء الوطن الواحد. أدعو الله أن تكلل المبادرة بالنجاح.. وأن يتنبه الناس لضرورة الالتزام بقواعد المرور وبالقانون.. وأن يأتي اليوم الذي نطالب فيه بمبادة "ابدأ بنفسك" لكل موظف ومسئول في موقعة لكي يتقي الله في هذا الشعب وفي هذا البلد فيقضي حوائج الناس ويحترم القانون ويراقب الله وضميره ولا يعتدي علي المال العام ولا يستسلم لغواية الفساد.. لتبدأ مصر بنا جميعا أول خطوة في الاتجاه الصحيح. بقيت أمنية أبثها للزميلين العزيزين نرمين ومحمود.. نريد أن نستمع من خلال برنامجكما إلي كنوز الإذاعة من الفن المصري الراقي الجميل.. فهناك العديد من الاغنيات التي تتحدث عن النشاط والهمة في الصباح والورد والجمال.. وتمنح الناس التفاؤل باليوم الجديد وللأسف اندثرت ولم نعد نسمع بها.. ليتكما تزينان برنامجكما بتلك الأصوات الشجية والأغنيات الشفافة.