يا إلهي! لقد انقضت ثلاث سنوات منذ تم اختياري عضوا في مجلس الشوري معينا من قبل رئيس الجمهورية وفي الثلث الذي يخصه من أعضاء المجلس كان التعيين تشريفا لم أكن أتوقعه ولكنه وضع أمامي تجربة للخدمة الوطنية لم أكن أعرف أنها تصل إلي هذا المدي من المسئولية. وكانت هناك ثلاث وسائل للعمل في المجلس يمكن من خلالها للعضو أن يمارس مهامه: الأولي بالطبع المشاركة في المناقشة والتصويت علي القوانين, وما يطرح علي المجلس من موضوعات تطرحها الحكومة أو الأعضاء. وكان ذلك في جوهره عملية تعليمية عن أعماق الدولة المصرية ودخائلها يصعب علي المرء إدراكها دون التعرض لهذه التجربة. والثانية من خلال اللجنة التي يلتحق بها العضو, وقد كان نصيبي الطبيعي أن أكون عضوا في لجنة الشئون العربية والأمن القومي التي عليها النظر في كل ما يخص السياسة الخارجية المصرية وسياسات الأمن القومي. وهي لجنة نشطة يرأسها باقتدار السفير محمد بسيوني, وخلال السنوات الثلاث الماضية كانت قائمة أعمالها ذاخرة بالقضايا الساخنة التي جعلت مداولات اللجنة متدفقة بالحيوية والمناظرة خاصة مع السفير أحمد ماهر وزير خارجية مصر الأسبق. والثالثة هي المشاركة في أعمال لجان المجلس الأخري حيث يحق للعضو الموجود في أي منها, وبالنسبة لي كانت لجنة التعليم والإعلام والثقافة والموازنة من اللجان التي تستحق دائما المشاركة كلما سمح الوقت وكان الموضوع خلافيا. ولمن لا يعلم فإن مجلس الشوري يمثل الغرفة الثانية في البرلمان المصري, تطبيقا لنموذج الازدواج البرلماني الذي تنقسم بمقتضاه السلطة التشريعية إلي غرفتين كل منهما لها صلاحيات مختلفة, وهو نظام وضعته بريطانيا يتأسس من خلاله مجلس أدني ومجلس أعلي. وكانت مصر من الدول التي أخذت بنظام الازدواج البرلماني ثم عادت إلي النظام الأحادي قبل أن تعود إلي الأول مرة أخري. وتأسس مجلس الشوري بموجب استفتاء عام جري في19 أبريل1979 وحظي بموافقة الشعب, وعلي ضوء ذلك تم تعديل الدستور وأجري الاستفتاء علي التعديل في22 مايو1980. وبمقتضي هذا التعديل تمت إضافة باب جديد إلي الدستور جاء في فصله الأحكام الخاصة بهذا المجلس. وعقب تعديل الدستور تقدمت الحكومة بمشروع القانون المنظم للأحكام التفصيلية الخاصة بمجلس الشوري, وصدر بهذه الأحكام القانون رقم120 لعام1980. وتبلغ مدة دورة مجلس الشوري ستة أعوام ويتشكل من264 عضوا ينتخب ثلثاهم بالاقتراع المباشر السري العام علي أن يكون نصفهم علي الأقل من العمال والفلاحين ويعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي. وقد حدد الدستور اختصاصات مجلس الشوري في المادتين195,194, وقد تم تعديل هاتين المادتين بمقتضي التعديلات الدستورية التي أجري الاستفتاء عليها في26 مارس2007. وقد أضفت هذه التعديلات مزيدا من الحيوية علي أداء مجلس الشوري وموقعه داخل النظام السياسي المصري. فقبل إجراء التعديلات الدستورية حصرت المادتان صلاحيات المجلس في إبداء الرأي غير الملزم في بعض الموضوعات ذات الطابع التشريعي, لكن بعد إجراء التعديلات الدستورية منحت المادتان المجلس حق الموافقة علي بعض الموضوعات الواردة في اختصاصاته المنصوص عليها مثل تعديل مادة أو أكثر من الدستور ومشروعات القوانين المكملة للدستور ومعاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أو التي تتعلق بحقوق السيادة, علي أن يؤخذ رأي المجلس في الموضوعات الأخري كمشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية, ومشروعات القوانين التي يحيلها إليه رئيس الجمهورية, وما يحيله الرئيس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية. وبناء علي هذه الصلاحيات طرحت التعديلات آلية لحل أي خلافات تنشأ بين مجلسي الشعب والشوري من خلال تشكيل لجنة مشتركة من رئيسي مجلسي الشعب والشوري وعضوية7 أعضاء من كل مجلس تختارهم لجنته العامة, وذلك لاقتراح نص للأحكام محل الخلاف. ويعرض النص الذي انتهت إليه اللجنة علي كل من المجلسين, فإذا لم يوافق أي منهما علي النص, عرض الأمر علي المجلسين في اجتماع مشترك يرأسه رئيس مجلس الشعب في المكان الذي يحدده, وتحضره أغلبية أعضاء كل من المجلسين علي الأقل. وإذا لم تصل اللجنة إلي اتفاق علي نص موحد, كان للمجلسين أن يوافقا في اجتماعهما المشترك علي النص الذي وافق عليه أي منهما. ومع مراعاة ما يتطلبه الدستور من أغلبية خاصة, يصدر القرار في كل من المجلسين وفي الاجتماع المشترك لهما بأغلبية الحاضرين, وفي جميع الأحوال يكون التصويت دون مناقشة. وإضافة إلي المادتين194 و195 الخاصتين به, بدا مجلس الشوري حاضرا في العديد من المواد الأخري في الدستور. فعلي سبيل المثال, منحت المادة74 صلاحيات لرئيس مجلس الشوري, حيث وضعته ضمن الأطراف التي يستشيرها رئيس الجمهورية قبل أن يتخذ قرارا تجاه بعض القضايا التي تهم سلامة وأمن الوطن, مع كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس الشعب. فضلا عن أن التعديلات التي أجريت عامي2005 و2007, فرضت صلاحيات للمجلس فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة, فقد أقر التعديل عام2005 أن يكون للمجلس دور في تشكيل لجنة الانتخابات الرئاسية, المكونة من عشرة أشخاص خمسة من القضاة وخمسة من الشخصيات العامة منهم اثنان يختارهما مجلس الشوري. كما يمارس مجلس الشوري دورا في مسألة الترشيح لانتخابات الرئاسة. ففي حالة رغبة أحد الأحزاب في الترشيح, فإن ذلك يقتضي حصوله علي3% من إجمالي مقاعد الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري, أو ما يعادل ذلك في أحد المجلسين. أما في حالة المرشحين المستقلين, فقد اشترط الدستور حصول المرشح المستقل علي توقيع أعضاء من مجلسي الشوري والشعب والمجالس المحلية, علي أن يكون ضمن هؤلاء25 عضوا علي الأقل من أعضاء مجلس الشوري. رغم ذلك, فإن ثمة تصورات نمطية عن دور مجلس الشوري وموقعه في الحياة السياسية المصرية, يمكن تقسيمها إلي تصورين: الأول, يركز علي الطابع الكلاسيكي التاريخي للمؤسسة, حيث يعتبره أشبه ب مجلس العائلة وهو تشبيه ينتقص إلي حد ما من دور وموقع المجلس لأنه يربطه بالعصبيات القبلية والعائلية القديمة. والثاني, يري أنه مجلس ذو صفة استشارية أكثر منها تشريعية أو رقابية حيث يدلي برأيه في بعض مشروعات القوانين خاصة المتعلقة بتطبيقات الدستور, لكنه يفتقد للصلاحيات التي تمكنه من رقابة أداء السلطة التنفيذية علي غرار مجلس الشعب. ورغم أن المجلس له الحق في تقديم اقتراحات برغبة لرئيس الوزراء ونوابه والوزراء في أي موضوعات, إلا أن ذلك لا يمنحه صلاحيات رقابية علي أداء الحكومة. وقد أجريت انتخابات الجولة الأولي من التجديد النصفي لمجلس الشوري في أول يونيو الحالي في55 دائرة لاختيار74 عضوا في المجلس, من بين446 مرشحا منهم115 مرشحا يمثلون13 حزبا سياسيا إلي جانب331 مستقلا. وقد شارك في الانتخابات13 حزبا هي: الحزب الوطني الديمقراطي الذي خاض الانتخابات في كل الدوائر الانتخابية ب76 مرشحا, وحزب الوفد10 مرشحين, والتجمع9 مرشحين, والأحرار3 مرشحين, والجيل الديمقراطي3 مرشحين, والسلام الاجتماعي3 مرشحين, والغد مرشحين اثنين, والجمهوري الحر مرشحين اثنين, والعربي الناصري مرشحين اثنين, والدستوري الاجتماعي الحر مرشحين اثنين, والعدالة الاجتماعية بمرشح واحد, ومصر العربي الاشتراكي بمرشح واحد, وشباب مصر بمرشح واحد, فيما قدمت جماعة الإخوان المسلمين14 مرشحا. وأسفرت نتائج الجولة الأولي من الانتخابات عن فوز الحزب الوطني ب52 مقعدا, بالإضافة إلي14 مقعدا فاز بها بالتزكية, فيما فازت أحزاب المعارضة ب4 مقاعد بواقع مرشح لأحزاب: العربي الناصري, والتجمع, والغد, والجيل, بينما أخفق كل مرشحي جماعة الإخوان المسلمين. وقد اكتسبت هذه الانتخابات أهمية ووجاهة خاصة لأنها تمثل افتتاحا لموسم انتخابي رباعي بدءا من انتخابات مجلس الشوري, مرورا بانتخابات مجلس الشعب في أكتوبر2010, والانتخابات المحلية في أبريل2011, وانتهاء بالانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في أكتوبر2011, وهو ما يجعلها مؤشرا مهما لتقييم طبيعة ومدي المنافسة بين القوي السياسية المختلفة, واختبارا لموازين القوي فيما بينها استعدادا للاستحقاقات السياسية القادمة. بعبارة أخري, يمكن القول إن إجراء انتخابات الشوري في بداية الموسم الانتخابي, علي عكس الاستحقاقات السابقة, حيث كانت تلي انتخابات مجلس الشعب, فرض مزيدا من الأهمية عليها, انعكست في المنافسة القوية التي جرت بين13 حزبا بخلاف المستقلين, والسخونة التي شهدتها الحملات الانتخابية, وهي كلها عوامل أكسبت انتخابات مجلس الشوري الأخيرة سمات جديدة لم تكن موجودة من قبل. ومع هذه الانتخابات أصبح مجلس الشوري جزءا مهما من الحياة السياسية للبلاد لم تكن موجودة من قبل, وربما كان ذلك راجعا إلي وجود ميل مصري سابق لنظام المجلسين والرغبة في أن يكون هناك مجلس للشيوخ ممثل للحكمة والتأني والتدبر قبل إصدار القوانين لا يكون قابلا لضغوط الرأي العام. ولكن ذلك يعود أيضا إلي شخصية رئيس المجلس السيد صفوت الشريف الذي فاق كل سابقيه في القدرة علي الدفع بمكانة مجلس الشوري ليس فقط من خلال التعديلات الدستورية, ولكن أيضا من خلال القدرة علي مخاطبة الرأي العام والوجود النافذ في أجهزة الإعلام وباختصار من خلال الإدارة السياسية لمجلس تشريعي بات واحدا من أجنحة السلطة التشريعية. ومن هذه الزاوية كان خالقا للتاريخ. ولمن لا يعلم فإن مجلس الشوري يمثل الغرفة الثانية في البرلمان المصري, تطبيقا لنموذج الازدواج البرلماني الذي تنقسم بمقتضاه السلطة التشريعية إلي غرفتين كل منهما لها صلاحيات مختلفة.وقد اكتسبت هذه الانتخابات أهمية ووجاهة خاصة لأنها تمثل افتتاحا لموسم انتخابي رباعي بدءا من انتخابات مجلس الشوري, مرورا بانتخابات مجلس الشعب في أكتوبر2010, والانتخابات المحلية في أبريل2011, وانتهاء بالانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في أكتوبر2011 [email protected]