لا يختلف اثنان علي أهمية النظر لطبيعة المسألة المصرية نظرة كلية تستند في حلها علي رؤية متكاملة وليس علي جزئيات من قبيل التوافقية المصطنعة, ومن ثم تصبح مفاهيم العدالة الانتقالية ومنطق الدولة ممثلا في مصلحتها العليا وأخيرا حتمية إنشاء المراصد المجتمعية بمثابة أضلاع مثلث الإصلاح المنشود الأمر الذي سيكون له معنا بمشيئة الله ثلاث مقالات نخصص أولاها للعدالة الإنتقالية, إذ لا يختلف الجمع علي أهميتها في فقه الأولويات الوطنية كسبيل للإصلاح المنشود الذي من شأنه أن يقودنا من حيث لا ندري للمصالحة التي هي مع الذات ثم الوطن أجدي وأعم فكل ما يثار حيال جمع بعض الفضائل علي مائدة واحدة للوصول لصيغ توافقية حيال آليات خارطة المستقبل يعد في هذه المرحلة من قبيل بحث الأعمي في غرفة مظلمة عن قطة سوداء لا وجود لها, إذ التصور المعني إنما ينزع للواقعية لا للمشئمة ليصبح معه تبني العدالة الإنتقالية بمثابة السبيل الفعلي للعدالة الاجتماعية المنشودة كمبدأ أساسي من مبادئ الثورة المممكن تحققه وتلمس نتائجه في حين أن تلمس رضا بعض الفصائل علي حساب أولويات لمشهد قد يكرس عددا من المبادئ تمثل عبئا مستقبليا علي الإصلاح أو قد ترسخ مفهوم الإستقواء بالتوازن علي حساب الاستقرار بالاتزان. * ومن ثم فإن أول مبدأ للعدالة الانتقالية هو البعد عن الانتقائية المقيتة, فثمة مطالبات بالقصاص لا الثأر وبالتعويض المستحق لا المن به كمرحلة أولي لتلك العدالة ولن نستغرق تحديد مفهوم الشهيد إذ يكفي أن يتسع المقام للجميع من منطلق المبدأ النبوي( فهجرته لما هاجر إليه..) وتحت مظله سيادة القانون كما في أحكام مجزرة بورسعيد أو التعويض المادي لكل من قضي نحبه كترضية مجتمعية تواكبها ترضيات أخري لإعادة الحقوق لأصحابها مهما طال الزمن. فالواقع أن أية مرحلة ثورية بقدر إظهارها للنقاء الثوري والطموح الوطني المثالي إلا أنها تفرز كذلك نماذج انتهازية ذات نزعات طفيلية تؤهلها للعيش في كل الأجواء ونظرا لكونها تمثل بعدا شديد الخطورة في تكبيل المد الثوري أو الحيد به عن مساره فالرأي عندي أن مبدأ الفرز الثوري لا الإقصاء في ذاته يمثل أهمية خاصة في هذا الصدد فلقد امتلات بإفرازات هؤلاء المتحولين جروح الثورة غير المندملة كما شغلنا بأساليبهم التحولية في مرحلة اللامعيار التي أفادوا منها وخطورة عدم الأخذ بها الأمر علي قائمة الأولويات تتمثل في تكريس فكرة التجريف بالحجب لصالح شخوص بذاتها مما عاني منها المجتمع بعدما تأصلت علي المستوي المؤسسي في كل أوصال الدولة باستغلال مفردات الديمقراطية وهي منها براء. * إن فكرة رد المظالم بدءا من الرسوب الوظيفي وحوافز الإثابة مرورا بالحدود الواضحة للدخول فضلا عن تفعيل مبدأ الثواب والعقاب وصولا للقصاص المشروع والتعويضات, باتت تحتاج لمعايير ضبط من حيث تحديد المستهدف أو مجالس التحقيق وآليات التنفيذ وذلك بإعلاء لمبدئي سيادة القانون والمصلحة الوطنية العليا التي تستند في هذه المرحلة علي مفهوم RaisonDEtat موضوعنا القادم دون الوضع في الإعتبار تلك المواءمات التي تستثمر التهديد بمفهوم الإنقلاب أو الإنحياز العقيدي أو الثقيل الكمي من أجل إضافات شكلية أو مبادئ لا مرحلية علي طبيعة المشهد, غاضين بها الطرف عن فقه أولويات الوطن السياسية ومتطلباته الأساسية الاصلاحية. ومن المبادئ الأساسية للعدالة المحددات الزمنية لاسيما في مجال الوعود الحياتية لما لها من شأن في تعزيز الثقة بين المحكومين وحكوماتهم وهو أمر يتطلب إشراك أصحاب الشأن فيه ليلمسوا صدق النوايا ويتابعوا عن كثب الجهد المبذول ويشاركوا في وضع الحلول ذلك أن المشاركة التحتية تمثل ركنا من طبيعة العدالة الانتقالية وترسخ فكرة ضرب الاحتكار الفوقي والاستئثار بالقرار. كما يدخل في هذا الإطار القضايا طويلة الأجل والتي تخص الذين امتصوا دم لوطن بالكسب غير المشروع حتي ولو نجحو في ترتيب الأوراق, إذ لسنا بحاجة لندلل علي وجود الروائح الزاكمة للأنوف بدليل مادي فوجودها كافية كدليل للبدء في ترتيب أوراق الاتهام لا العكس كالمتبع سلفا ليصبح هذا مسوغا لاستمرار عمل الوازاة المستحدثة طويلا مع كل مؤسسات الدولة, وكلي ثقة أن ما سينكشف عنها سيجعل خيال كتاب الدراما عن الفساد غاية في التضاؤل أمام الواقع المرير الذي تمر به مؤسساتنا بعدما من تنكبها من نكبوها وسادوها ليوسدوا لأنفسهم مبتغيات الحرام ظانين أنها قد حلت لهم فإذا بها توحل بهم لتقتص منهم العدالة الانتقالية حتي ولو بمفهوم طويل الأمد المؤسس علي عدم سقوط الفساد بالتقادم. * ويرتبط بما سبق ضرورة التخلص من اللوائح البالية سيئة السمعة التي صيغت لحاجة في نفس أكثر من يعقوب في كل المواقع, لكونها ثمارا عطنة لقوانين مفصلة مثلما يعتبر أصحابها أبناء غير شرعيين لترزية القوانين في العهود البائدة ومن ثم ينبغي تقليص كل فرص الجوازية في التقنين وغلق بوابة الأحكام الانتقالية لتأتي أخيرا وليس آخرا مسألة المصالحات في القضايا ذات البعد الأفقي دون الرأسي لرأب الصدع الذي تم بين بعض الشخوص أو التكتلات سواء علي مستوي التراشق اللفظي العام أو التضارب بالتصريحات والبيانات وغيرها, وأحسب أن بيت الأمة الذي خرج من عباءة الأزهر محتويا معه كشريك الكنيسة المصرية بثقلها كفيل بالتصدي لمثل هذه المقاربات ووضع حد لما قد يسفر عنه تعميقها من استنزاف للقوي. وختاما: فما يمكن أن تسفر عنه نجاحات العدالة الإنتقالية في هذه المرحلة الدقيقة كإضافة موجبة للمشهد هو التركيز علي النماذج الوطنية التي تؤكد قدرة المجتمع للدفع بالقدوة الحقيقية لتضاف للسجل الوطني للخالدين, فهذا المبدأ هو الوحيد الذي يمكن أن يتقبل المجتمع به الانتقائية في العدالة الانتقالية كداعم مستمر للإصلاح المنشود. (إشراقات) من يظن أنه قد نجح بحرمانك من حقك الطبيعي.. لا يدري أنه في المقابل قد خسر بحرمان حقك الطبيعي منك!! رابط دائم :