منيت جماعة الإخوان المتأسلمين بفشل جديد يوم الجمعة الماضي عبر إخفاقها في حشد مظاهرات لما أسمته ب جمعة الحسم لإعادة مرسيهم المعزول بإرادة الشعب, ومهما حاولت قناة الجزيرة بث سمومها وتصوير ما حدث خلافا للحقيقة فالأمر المؤكد أن الأحداث تجاوزت الإخوان وحلفاءهم ممن يطلقون علي أنفسهم تحالف دعم الشرعية, ولا ندري أية شرعية يقصدون بعدما سحبها الشعب من الرئيس السابق في ثورة شعبية غير مسبوقة شاهدها العالم بالصوت والصورة في30 يونيو الماضي وتتعامي عن رؤيتها الجماعة ومشايعوها, ومشاركوها في مؤامرة تقسيم مصر. وأغلب الظن أن مليونيات الفشل التي أدمنتها الجماعة لن تطول كثيرا بعدما انفض الشعب من حولها وأعطي ظهره لنداءاتها للاحتشاد في الميادين ليس بهدف إعادة المعزول بقدر الرهان علي شل الحياة وضرب الاقتصاد المصري الذي يعيش أوضاعا صعبة بتأثير تآكل الاحتياطي من العملات الأجنبية وتعطل آلاف المصانع عن العمل وتوقف حركة السياحة الوافدة والحاجة إلي إيجاد فرص عمل جديدة لاستيعاب الشباب العاطلين, ويتعين علي عقلاء الجماعة إن وجدوا أن يقفوا وقفة صادقة مع النفس ويقوموا بمراجعة خطة عملهم منذ عزل مرسي وتبني خيارات واقعية تعترف بالأمر الواقع واستحالة عودة عقارب الساعة إلي الوراء, وهو الأمر الذي من شأنه أن يضع نهاية سريعة لمسلسل إراقة الدم المصري وتطبيق خارطة المستقبل التي توافقت عليها قوي الشعب المصري, وتعهد الجيش بتأمين تنفيذها, كما من شأنه أن لا يغلق الباب أمام مشاركة ما يسمي بتيار الإسلام السياسي في العملية السياسية وتحديدا لمن لم تتلطخ أياديهم بالدماء أو التحريض علي قتل المصريين واقتحام مؤسسات الدولة وحتي المؤسسات العسكرية والشرطية. ومن المؤكد أن الضربات الأمنية الناجحة التي سددها الأمن خلال الأيام الماضية والتي أسفرت عن اعتقال عدد مهم من المحرضين علي العنف والقتل مثل محمد البلتاجي, كان له دور كبير في شل عصب الجهاز الإداري للجماعة مما أظهرها في صورة, عاجزة ومحاصرة داخل القاهرة والمحافظات, وكان لافتا مسارعة الأهالي بالتصدي لإرهاب الإخوان بمبادرة ذاتية, تارة بقذفهم بأكياس القمامة والمياه الساخنة ومياه المجاري كما حدث في الدقهلية, وثانية عبر حصارهم داخل المساجد مثلما فعلوا بالقليوبية, وثالثة بواسطة الدخول معهم في معارك كر وفر ومنعهم من اقتحام مؤسسات الدولة, بل وتنظيم مسيرات مضادة تأييدا للجيش والشرطة كما شهدنا في البحيرة, وهذا إن دل فإنما يدل علي ضيق الشارع المصري بممارسات الجماعة التي حكمت البلاد لمدة عام فشلت خلاله في تحقيق أي إنجاز وسخرت كل جهدها للأخونة والتمكين قبل أن ينقلب عليها الشعب, وينهي حكمها بأسرع مما تصور أكثر المناهضين والمعادين لها. لقد كانت الجمعة الماضية حاسمة فعلا في كشف ظهر الإخوان أمام الشعب, مما يجعلنا نتوقع أن تبحث الجماعة مستقبلا عن آليات جديدة غير المليونيات التي باتت خارج قدرتها بدليل ما حدث في جمعة14 أغسطس التي تلت فض اعتصامي رابعة والنهضة والجمعة الماضية, ولا يستبعد أن تلجأ الجماعة إلي استدعاء إرهاب التسعينيات عبر استهداف أهداف منتقاة بعمليات نوعية علي غرار ما حدث يوم جمعة الحسم في نقطة شرطة النزهة الجديدة مما أدي إلي مصرع أمين شرطة وأحد المواطنين تصادف مروره لحظة الهجوم الغادر, هذه العملية تعني عمليا اقتراب الجماعة من الإفلاس السياسي والفشل في المعارضة بمثل ما فشلت في الحكم, كما تعني أيضا إيجاد بيئة معادية لها في الشارع, ومن ثم القضاء علي ما تبقي لها من مستقبل سياسي. وليت المخدوعين في شعارات الجماعة التي تذغذغ مشاعرهم بعودة الشرعية وتردد شعارات مصر إسلامية أن يتأملوا خسة ونذالة قادتهم ممن تم القبض عليهم من عينة صفوت حجازي ومحمد البلتاجي الذين كانوا يتصرفون, كما الأسود علي منصات الكذب والخداع والدجل السياسي, فإذا بهم يظهرون علي حقيقتهم, حيث ينكر داعية الزمن الرديء صلته بتنظيم الإخوان ويزعم أنه كان بصدد تجهيز خطبة للمصالحة وحقن الدماء لولا القبض عليه وهو في طريقه للهروب إلي ليبيا. وتناسي الرجل تحريضه العلني ضد الجيش والدولة المصرية وعبارته اللي يرش مرسي بالميه هانرشه بالدم ولم يفت المحرض السابق أن يؤكد احترامه للجيش وللفريق أول عبد الفتاح السياسي. أما البلتاجي, صاحب النصيب الأكبر من التحريض علي منصة رابعة والذي شاهدته قبل ساعات فقط من فض الاعتصام غير السلمي يقول بالفم المليان لو الداخلية رجالة يجوا لينا وهو القائل أيضا إن الأعمال التي تجري في سيناء ستتوقف في ذات اللحظة التي تتم فيها إعادة المعزول إلي قصر الاتحادية, مما يعني مسئوليته ومسئولية جماعته عن الارهاب الذي يستهدف جنودنا البواسل في سيناء, هذا البلتاجي أنكر الاتهامات الموجهة إليه وقال إنها ملفقة, في كذب واضح وفاضح لا يعادله إلا قول مرشدهم محمد بديع أمام المحققين معه إن الاتهامات الموجهة إليه هجص في هجص مما يكشف تهافت هذه القيادات التي لم تقوي علي الدفاع عن الترهات والأكاذيب والوهم الذي سوقوه لأتباعهم من فوق منصتي رابعة والنهضة غير المأسوف علي فضهما ولم يتصرفوا كما الرجال بعد القبض عليهم وتقديمهم إلي العدالة. وإذا كنا نحيي الجيش المصري ووزارة الداخلية علي المجهود المضني الذي يقومان به لإفشال مخططات الارهاب ونشر الفوضي وإسقاط الدولة, وهو ما أسقط رهان جماعات المتأسلمين حتي الآن, فإننا ندعو إلي مزيد من اليقظة والحذر وعدم الاسترخاء اعتمادا علي النجاحات التي تحققت, لأن كل الشواهد تؤكد أنه لم يظهر بين الإخوان وحلفائهم حتي الآن رجل رشيد, يستطيع أن يقود ثورة تصحيح داخل الجماعة, يعود بها إلي الصف الوطني ويعلن التوبة والعودة عن جرائم الارهاب والتحالف مع التنظيمات الملطخة أيديها بالدماء, والأهم من ذلك كله تقديم اعتذار للشعب المصري عن الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها منذ تنحي مبارك في11 فبراير2011. أيضا تطالب حكومة الدكتور حازم الببلاوي ألا تركن في حل الأزمة التي تمر بها البلاد إلي الحل الأمني وحده, لأن الاقتصاد المصري لن ينهض من عثرته بدون عودة الأمن وهذا ما لا يبدو أنه قريب في ظل حرص الإخوان علي تعطيل خارطة المستقبل وشل مفاصل الدولة عن طريق المسيرات والمظاهرات, وهو الأمر الذي لن نتحمله لفترة طويلة, وليكن شعار المرحلة الحالية يد تحمي ويد تبحث عن حل سياسي, لا يكون علي حساب إرادة الشعب ومصلحته العليا. إننا نعلم حجم التحديات التي تواجه حكومة الببلاوي, لكننا نعلم أيضا أن المساعدات الخليجية وإن عظمت لن تبني مصر ولن تكفل للقرار المصري استقلاله, كما أن القاهرة لا تستطيع أن تعيش طويلا تحت حظر التجول والذي أبدي الناس تجاوبا غير مسبوق معه, ونفس الشيء بالنسبة لتوقف حركة القطارات بين القاهرة والمحافظات, مما جعل المسافرين يتحولون إلي فريسة سائغة لسائقي الميكروباصات ممن ضاعفوا الأجرة واستغلوا الوضع أسوأ استغلال, وهذا كله يتطلب حلولا مبتكرة وعملية من الحكومة حتي تحافظ علي التفاف المصريين حولها, وهو ما يحتم طرح مبادرات جادة لاحتواء الأزمة السياسية, وتفعيل المصالحة التي شكلت بندا رئيسيا في خارطة المستقبل التي أعلنتها القيادة العامة للقوات المسلحة في3 يوليو الماضي. إن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضي بتهيئة المناخ أمام عودة الحياة إلي طبيعتها بكل السبل وأن تستخدم كل ما لديها من الوسائل القانونية والمادية لوقف نزيف الخسائر في مؤسسات الدولة وحتي القطاع الخاص, ويتعين أن يدرك القائمون علي إدارة الفترة الانتقالية أن عنصر الوقت مهم للغاية وأنه يعمل ضدهم وبالتالي فإن التحلي بروح المبادرة والجرأة يشكل طوق النجاح لعبور المرحلة الحالية بأقل قدر من الخسائر. إننا نتطلع إلي أن تساعد الحكومة المؤسسات علي أن تستأنف العمل بكامل طاقتها, وكفي نزيفا منذ ثورة25 يناير وأنه آن أوان الانتاج والكف عن سوق المبررات والشماعات لحالة الموات التي تعيشها مؤسسات الدولة التي تعمل ب10% فقط من طاقتها, وسط غياب كامل لسياسة الثواب والعقاب.. فهل نحن فاعلون؟.