في ظل ارتفاع مستمر للأسعار، وانخفاض موازى للقيمة الشرائية للجنيه، ومعاشات تقل عن ال500 جنيه تمنح لأكثر من 4 ملايين من أصحاب المعاشات، تتجدد الأسئلة ذاتها، أين ذهبت أموال المعاشات؟ ومتى تنتهى أزمتهم؟ وهل هناك حلول للأزمة أم أنها ستبقى حديث كل ساعة دون توقف؟! التحقيق الذي نشرته "جريدة الأهرام" في عددها أمس يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة. البدري فرغلي رئيس اتحاد نقابات عمال المعاشات يقول أزمتنا في طمع الحكومات السابقة في أموالنا، فوفقًا للتقارير الرسمية، نحن نملك 620 مليار جنيه، وتقول تصريحات المسئولين أن أموالنا آمنة ومضمونة. لكن الحقيقة أن أغلب هذه الأموال هي صكوك غير قابلة للتداول بفائدة 8%، وسندات بفائدة 9%، وهذه الفوائد هي أقل فوائد في أي بنك أو استثمار، ومن ضمن هذا المبلغ أيضًا 162 مليار جنيه ودائع نجهل مكان إيداعها، ولم نتقاض حتي فوائدها منذ 10 سنوات، ولم يستطع مسئول أن يخبرنا أين ذهبت هذه الأموال؟، وهو مبلغ ضخم لو أضيف عليه الفوائد البنكية وأذون الخزانة سيصل إلى نصف تريليون دون مبالغة، بالإضافة الي 100 مليار جنيه يتم استثمارهم في شركات وبنوك استثمارية، وبرغم كل هذه الأموال، فالأزمة تزداد ولا تحل، وأرباح استثمارات أموالنا تذهب مكافآت لأشخاص محددين بالمخالفة للقانون. ويضيف فرغلي، أصحاب المعاشات يبلغون 9 ملايين شخص، نصفهم يتقاضون معاشات أقل من 500 جنيه، ومع ثبات قيمة المعاش، تنخفض القيمة الشرائية للجنية، انخفضت خلال عام واحد 40%، طبقا لمؤشرات التضخم ورفع الأسعار، وانخفضت ثانية عند تعويم الجنية أمام الدولار 15% آخري في يوم واحد، وهذه الشريحة من أصحاب المعاشات أصبحت الشريحة الأكبر عددًا في المجتمع والأقل دخلًا، وباتوا يتساقطون أمام سياسة مالية من شأنها تجويعهم وتعجيزهم عن شراء الدواء. ويشير البدري إلى أنه وطبقا للقانون، فإن المادة 27 من الدستور تضع حدا أدني للمعاشات كما الأجور، لكن الحكومة رفضت تطبيقه علي أصحاب المعاشات تحت شعار لا توجد أموال، وكل صاحب معاش له 5 علاوات صدر بها قوانين وقرارات جمهورية ولا يجوز إلغاءها إلا بقرارات أخرى من نفس الجهات الصادرة للقرار، لكن التأمينات رفضت تماما صرف علاوات علي المعاشات، وفي 2005 حكمت المحكمة الدستورية بأحقية أصحاب المعاشات في صرف 80% من أموال العلاوات، إلا أن الوزيرة رفضت صرفها بحجة عدم وجود أموال، وهو ما أدي الي غضب أصحاب المعاشات واحتجاجهم، مضيفا أن أصحاب المعاشات سيلتقون عن طريق وفد اتحاد المعاشات مع لجنة التضامن والتأمينات البرلمانية يوم الإثنين المقبل برئاسة النائب عبدالهادي القصبي لعرض مشاكلهم ومناقشة مطالبهم. ويطالب فرغلي بإلغاء القانون رقم 130 لسنة 2009 سييء السمعة، وإنشاء هيئة مستقلة للتأمينات لا سيطرة للحكومة عليها، وتنفيذ كل الحقوق القانونية وصرف الحد الأدنى للمعاشات، واستعادة أموالنا واستثمارها بما يعود بالفائدة علي أصحاب المعاشات وصرف علاوة 20% لمن تجاوزوا الحد الأدنى وعلاوات بنسبة 80%، كما طالب بحساب كل من اعتدي علي أموالنا واستعادة علاواتنا المتأخرة. في حين أرجع سعيد الصباغ رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات، أزمة المعاشات الي سنوات طويلة من التراكم دون حل، أدت بالنهاية لتفاقم الازمة، وساهم في زيادة حدتها الارتفاع المستمر للأسعار وتراكم القيمة الشرائية للجنيهات القليلة التي يتقاضاها معظم اصحاب المعاشات نتيجة القوانين الموجودة منذ اكثر من 40 عام والتي تحكم أدارة ملف المعاشات ولم يطرأ عليها أي تحديث، فأحدث هذه القوانين هو قانون رقم 112 الصادر في الثمانينات، ويسبقه قانون رقم 79 الصادر في السبعينات، وخلال هذه السنوات تغير كل شيء، الأجور والتسويات، إلا القوانين التي تتحكم في المعاشات. ويضيف الصباغ أن المشكلة لن تقف عند أصحاب المعاشات الحاليين فحسب، لكنها ستمتد إلى المشتركين الحاليين في التأمينات والمؤمن عليهم من قبل أصحاب العمل خاصة في القطاع الخاص، بسبب أن التأمينات علي المعاش قيمتها تكون مخفضة وأقل بكثير من قيمة الأجور، فحتي لو تم تصحيح أوضاع المعاشات الحالية، دون تدخل وإلغاء أن يتم التأمين من قبل أصحاب العمل وفق نسب من الأجر وليست قيمة الاجر الحقيقية، كما هو حادث الآن، ستستمر الأزمة، فهناك بعض المنشآت تؤمن علي العاملين فيها بنسبة 10% من راتبه، كما أن هناك مواد دستورية جديدة تسمح بوضع حد أدني للمعاشات كما الأجور، لكن تم استبعاد اصحاب المعاشات البالغ عددهم 9 ملايين ويتقاضون 100 مليار جنيه، بينما تم توفيق أوضاع العاملين قيد الخدمة رغم أن عددهم 5.6 مليون موظف، ويتقاضون 218 مليار جنيها، وهو ما يسبب أزمة نفسية للموظف علي المعاش الذي يفترض عليه أن يعيش ب10% من راتبه. ويشير إلى أن مسألة قيمة التأمينات هي مسألة مهمة، فالذين يخضعون للحد الأدنى 1200 جنيه، إذا تم التأمين عليهم بقيمة راتبه الحقيقي، فسيتقاضون في المعاش 952 جنيها، وهي قيمة ال80% من قيمة الاشتراك، والتي تمنح للمعاش الكامل، في حين سيكون اعلي معاش في الدولة لأصحاب الحد الاقصي الذين تصل رواتبهم الي 42 الف جنيه، وفق القانون 1120 جنيها للمعاش علي الأساسي، و2110 جنيهات للمتغير، بإجمالي 3230 جنيهًا كحد الاقصي للمعاش، لكن صاحب العمل في الواقع لا يؤمن علي الموظف براتبه الحقيقي، مما يسبب حالة انكسار لأصحاب المعاشات وأسرهم، وهو ما دفع الصباغ للمطالبة بتطبيق الحد الادني علي اصحاب المعاشات، ووضع قوانين تعيد التوازن بحيث يقترب معاشه من أجره، وإلزام صاحب العمل بالتأمين علي الاجر الحقيقي وليس جزءًا منه، ووضع قوانين تردع الكبار عن الانقضاض على أموال أصحاب المعاشات.