إذا كانت غالبية السلع تخضع علي الدوام للصعود أحيانًا والهبوط حينًا، فإن بورصة اللحوم عندما تأخذ تأشيرة صعودها فإنها تذهب بها ولا تعود، فنار أسعارها تكوي جميع المستهلكين دون تفرقة بين غني وفقير.. الأسباب عديدة والشكوى أيضا، لكن من يملك حل هذا اللغز؟ في البداية يقول محمد حسين، التاجر بسوق المواشي، أن السوق قبل الثورة كان يعج أسبوعيا بطرح آلاف الرؤوس من الأبقار والجاموس والبتلو صغير السن وكذلك الخراف والماعز.. وحركة البيع والشراء والسمسرة أيضا. أما بعد الثورة فقد تبدلت الثورة تماما حيث غياب التاجر القادم من القاهرة ومحافظات الوجه البحري عن السوق خوفًا من المخاطرة بسيارة تحمل عشرين عجلا، يتخطى ثمنها مبلغ مائتي ألف جنيه في ظل وجود طرق أصبحت غير آمنة والمسافات الطويلة تتخطي الثماني ساعات وهناك إتاوات يفرضها قطاع الطرق علي حمولة السيارات تقدر بأكثر من ثلث الحمولة. وفي ظل غياب التاجر عن السوق يوضح علي غرباوي فلاح ومربي ماشية أن المعروض أصبح يفوق نسبة الطلب مشيرا إلي انخفاض سعر كيلو اللحم "القايم" من 27 إلى 23 جنيها. في الوقت نفسه يشكو من ارتفاع تكلفة تسمين المواشي المعدة للذبح كالأعلاف التي وصلت إلى أسعار قياسية مع انخفاض حجم استيرادها، بالإضافة إلي عدم القدرة على تدبير مستلزمات التسمين نتيجة ارتفاع أسعارها المتزايدة، موضحًا أن أثمان الذرة والردة والتبن وإيجار الفدان الذي يزرع بالعليقة الخضراء كالبرسيم والذرة، حققوا ارتفاعات بلغت أكثر من 70% هذا لعام مقارنة بالأعوام الماضية مما يُنذر بحدوث أزمة يترتب عليها خروج الكثير من المربين والفلاحين من سوق التربية بعد تخلصهم من ماشيتهم وهذا ما يحدث الآن. وأضاف أن العجل الذي يدخل مرحلة التسمين يحتاج إلى كميات غذاء يومية تبلغ قيمتها 25 جنيها على الأقل، مما يعنى أن الربح الفعلي بعد حساب التكلفة سيكون متواضعًا وفي بعض الأحيان يحقق خسائر بسبب القيام بشراء عجول صغيرة بأسعار مرتفعة يصل فيها الكيلو "القايم" إلى 37 جنيهاً للعجل زنة 70 أو 80 كيلو جرام. ومن جانبه يقول رمضان العبد الأمين العام بالغرفة التجارية بسوهاج إن انتشار حالات قطع الطرق نتيجة الغياب الأمني أدت إلي زيادة المعروض من الماشية بشكل أظهر حجم الكساد في الأسواق وحذر من زيادة معدلات الفقر في الصعيد، نظرا لاعتماد قطاع كبير من المربيين والمزارعين بمحافظات الوجه القبلي علي تربية الماشية خاصة الفقراء منهم والأيتام باعتبارها مصدر دخل لهم. ولكن الجزار مصطفي عطية يقول أن الجزارين مازالوا يبيعون بأسعار مرتفعة بسبب تراجع استهلاك اللحوم مما دفعهم إلي شراء نصف تعاقداتهم السابقة.. فبدلاً من قيام الجزار بشراء عجل واحد أصبح يشتري نصف عجل مشيرًا إلي أنه أمام نفقاته الثابتة العديدة وتراجع معدلات الشراء أصبح يحقق خسائر رغم قيامه بتثبيت أسعار البيع عند معدلات مرتفعة فوق ال 50 جنيهًا للكيلو. ويري الدكتور رأفت خضر، أستاذ الثروة الحيوانية بمعهد بحوث الصحراء، أن المعروض من الماشية في أسواق محافظات الصعيد قليل والزيادة الموجودة حاليا ليست حقيقة فهي نتيجة ضعف القوي الشرائية. فالمواطنون متخوفون من الشراء بوجه عام تحسباً من حدوث أي متغيرات مفاجئة وأشار إلي أن الوضع الحالي يحتاج لخطة سريعة طويلة المدى لتعويض الثروة الحيوانية التي انخفضت بأكثر من 30% و تقوم الدولة في هذه الخطة بدعم وتشجيع المشروعات الصغيرة بفائدة متدنية للفلاح الصغير والمربي وإلا ستزيد أسعار اللحوم البلدية والألبان بشكل كبير. كما طالب بعودة الحكومة لاستيراد اللحوم من الخارج، وعدم ترك السوق للقطاع الخاص بمفرده حتى لا يقع المستهلك ضحية لمافيا الاستيراد.