مفاجأة من العيار الثقيل تلقتها أسرة عازف الكمان الشهير عبده داغر، بعد العثور علي ابنها محمد مقتولاً في شقته. تبخرت كل التوقعات، بل وصب كثيرون اللعنات على داغر الصغير وأسرته. وتوالت الاتهامات عليه، دون أن يفكر أحد فى الاستماع لوجهة نظر أسرته، التى أصيبت بالصدمة مرتين. مرة بسبب فجيعتها فى وفاة ابنها المدلل. وأخرى بسبب الاتهامات التى لاحقتها عقب مصرعه فى ظروف غامضة. رحل داغر من عالمنا منذ شهر مضي، ولم تسلط الأضواء علي رحيله، ربما كان لتوقيت الوفاة دورًا، جراء الأحداث المتتالية التى تمر بها البلاد منذ اندلاع ثورة يناير، وانشغال الشعب المصري بها، والذي كان داغر أحد شبابها، وكان داعماً بالتواصل مع الفقراء وشباب التحرير، ومدهم بالغذاء، بحسب كلام عائلته. تناولت وسائل الإعلام أخبار الحادث، بتصريحات الجاني، والدوافع وراء ارتكاب الجريمة، دون الاقتراب من أسرة داغر، التي التزمت الصمت. وثقتها عالية القضاء الذى سيأتى لها بحقها وحق ابنها الراحل، فقد تواصلت الاتهامات التي نسبها الجاني لمصمم الأزياء. اقتربت "بوابة الأهرام" من أسرة داغر للتعرف على وجهة نظرها. والتقينا شقيقتاه زيزي وماجدة داغر في "الاتيليه" الخاص بشقيقهما الراحل، وقد ارتسمت على وجهيهما الحسرة والصدمة. بدأت الحديث مع زيزي داغر شقيقته الكبري، التي قالت والدموع تذرف من عينيها: لماذا تتعمد وسائل الإعلام تشويه صورة شقيقي علي غير الحقيقة؟، ونشر معلومات مغلوطة عنه، وتعمد إظهار القاتل بأنه بريء ولا حول ولا قوة به؟، وتناسي الجميع بأنه كان داعماً للثورة، ويقوم بإحضار المأكولات والمشروبات للفقراء في المناطق الشعبية، والكثير من أعمال الخير غير المعلن عنها ولا يعلمها إلا الله. وهنا قاطعتها ماجدة داغر التي كانت تدير أعمال محمد ولا تفارقه في أي خطوة قائلة: محمد كان أصغر أشقائنا، وكان أحن من والدينا علينا، وكان شعلة عطاء منذ أن كان طفلا حتى يوم أن قابل وجهه الكريم، وموهبته ظهرت في طفولته في التلحين والغناء، إلي أن تكونت ملامحه ونبوغه في عالم الأزياء، الذي كان ينتظره فيه مستقبلا باهرا، ليس بشهادتنا، وإنما بشهادة أشهر مصممي الأزياء في العالم "ببير كاردين" الذي قال: إن "محمد سوف يكون خليفتي .. وسوف يكون أشهر مصمم أزياء في العالم". استكملت زيزى حديثها قائلة: محمد حصل علي أفضل مصمم أزياء في مسابقة ضخمة بأمريكا بين أكثر من 30 بيت أزياء حول العالم، ولم يشعر بنجاحه، بقدر التأكيد علي أنه مصري أثناء كلمته في المهرجان، وأن مصر هي التي فازت في هذه المسابقة وليس هو. محمد كان يتمني أن يقود نهضة وثورة في عالم الأزياء في مصر، حتى نصل إلي العالمية، ويحدث انتعاشاً للاقتصاد المصري، فكان يتمني تأسيس نقابة لمصممي الأزياء. عادت زيزي للبكاء الشديد مرة أخري وقالت: كيف يتم تشويه نجاحه بهذا الشكل؟، كيف ينسى الناس الانفلات الأمني؟، وأننا أصبحنا في عصر البلطجية؟، وأقسم الإعلام بأن القاتل هو اللي كلامه صحيح، في الوقت الذي لا يصح أن يتم تشويه صورة داغر بهذا الشكل، فمن الواضح وقوف بعض المحامين الذين يبحثون عن الشهرة خلف القاتل، وتبرئته بالالتفاف بأساليب "قذرة". قاطعتها ماجدة مرة أخرى وقالت: للأسف الشديد لدينا صحافة صفراء كثيرة من تربية الرئيس السابق حسنى مبارك، وهى التى نهشت محمد بعد موته. ولو كان مبارك أوقف كل صحفي ليس لديه ضمير أو ذمة في عصره"، لكانوا احترموه هو شخصياً. ونقول لكل من يتاجر بالكلمة علي حساب موت داغر "حسبنا الله ونعم الوكيل فيه"، لدرجة أن هناك جريدة قالت منذ فترة: "بأننا سوف نقوم بتزوير أوراق الطب الشرعي بحكم علاقتنا القوية بسوزان مبارك". وهو كلام عار من الصحة. وإذا كان صحيحاً فمن الأولي أن تنفع نفسها شخصياً، بالإضافة إلي أنه لا يعنينا كل ما نشر وكل ما سوف ينشر، فالكلام لن يعيد أغلي شخص في حياتنا، كما أننا نعرف جيدا من هو محمد، وإذا صدق العالم كله هذا الكلام الكاذب، فنحن نعلم من هو شقيقنا جيدا، وعزاؤنا الوحيد انه في يد الرحمن. وسط هذا الحديث، دخلت علينا الإعلامية مها عثمان، وقاطعت ماجدة وزيزى داغر وقالت: من الممكن عدم تصديق هذا الكلام، لأنهما شقيقتاه وقد يخرج منهما كلام مبالغ فيه، لكن الحقيقة وبدأت في بكاء شديد وهي تقول: محمد ليس بني آدم عادي، كان لديه طيبة وحنيه تكفي العالم كله وأكثر، وكنت أتعجب أن هناك شخصًا بهذه الموهبة الشديدة، ولديه هذا القدر من التواضع والكرم والإنسانية، وكم حذرته من هذه الطيبة، "محمد داغر قتل نفسه بطيبته الشديدة وعطفه علي المحتاج". وقالت مها: إن كل ما يقال علي لسان الجاني في الإعلام، لا يصدقه عقل طبيعي، فقد أعطي الإعلام المجال بشكل غريب للقاتل علي أنه المجني عليه ويدافعون عنه، والمقتول لا يجد من يأخذ حقه، وكل من افتري علي داغر سوف يأتي عليهم اليوم الذي يبحثون فيه عن الرحمة، في وقت لا ينفع فيه الندم، لأنهم لم يرحموا شخصًا بين يد الكريم، لم ينظروا إلي عائلته وأقاربه، قبل أن ينطقوا بافتراء. وهنا تحدثت مرة أخري زيزي وقالت: لا أستطيع أن اتهم أحدًا بقتل شقيقي، لأنه ليس لديه أعداء بالفعل، كيف تكون هناك شخصية بهذا الشكل .. وتكون لها أعداء؟. وتضيف زيزي: لا نعلم بالفعل السبب وراء استضافة محمد لهذا القاتل، وكيف تعرف عليه وفى أى ظروف. لكن هذا الشاب بالتحديد اتصل بمحمد يوم عيد الأم، وطلب محمد من والدتي الرد عليه، لتخبره بأنه غير موجود، وبعدها قال داغر لوالدتي إن هذا شخص يبحث عن عمل وليس لدي فرصة له الآن. وأضافت ماجدة: قبل الحادث بشهر كان آخر تجمع للعائلة كلها، وكنا داخل أحد المطاعم الشهيرة، وفي هذا اليوم، شعرت والدتي بتعب شديد، وضمها محمد، وقالت له "أنا هموت يا محمد"، فرد عليها "متخفيش يا ماما.. أنا اللي هموت قبلك"، كأنه يشعر بأن أجله قريب. وتابعت: يوم وفاته، كنا نحضر لبروفات ديفليه، وفي نهاية اليوم، تركنا وذهب لمنزله، وفي الرابعة فجرا، استقبلت مكالمة تليفون من رقم محمد، ولم يرد علي أحد، وفي السادسة صباحاً، استقبلت والدتي تليفون آخر من هاتفه، ورد عليها شخص قال "عايزة تشوفي حبيبك" وبجواره فتاة تضحك، ثم أغلق الهاتف. وفي اليوم الثاني اتصلت به، فرد علي شخص، عرفت منه أنه وجد الهاتف في منطقة المنيب، واتفقت معه علي إعطائه النقود اللازمة مقابل إعادة الهاتف، لكنه أغلقه فجأة. توقفت عن الحديث والدموع لا تزال تنهمر من عينيها، وبدأت تتلعثم وتهمهم بكلمات: وقالت أنا مكنتش خايفة ادخل عليه، "أنا أول واحدة دخلت عليه .. وشوفته ودمائه تسيل منه"، ولم أصدق ما شاهدته، حضنته وقبلت قدماه، وقلت له "كلمني .. وبطل تهرج .. رد عليا أرجوك"، ثم دخلت فى البكاء وبصوت مرتفع. توقفت عن الكلام لفترة، وبعدها قالت: "محمد طوب الأرض كان بيحبه"، "إزاي حد يصدق الكلام ده.. وكل الجيران سمعت محمد وهو بيقول بصوت عال لشخص ما .. اطلع بره، اطلع بره"، "إزاي يكون بيطرده .. ونصدق الكلام الفارغ ده"، نحن علي قناعة أن الله اصطفاه، وهذا قضاء ربنا، وسوف يستمر اسم داغر طوال العمر. ثم قالت زيزي: لن نتخذ أي إجراءات قانونية جديدة، فهناك محامون، ولدينا ثقة شديدة في القضاء المصري، ولدينا ثقة في الله الذي لا عدل فوق عدله، سواء في الدنيا أو في الأخرة. وفي النهاية رحل من علمني كيف أكون إنسانة، وربنا يصبر والدتي التي تصلي وتدعو له ليلا ونهاراً قائلة "اللهم أعزك في السماء كما عززتني في الأرض"، فلا يتخيل أحد الحالة النفسية التي نمر بها، فقد كان الإبن والأب والحبيب والشقيق.