لا يطلبون تأمينًا صحيًا ولا معاشًا مبكرًا أو حتى دخلًا ثابتًا، فقط يطلبون الصحة حتى تشرق شمس يوم جديد، يكدحون خلالها ليوفروا لذويهم "لقمة العيش" من أجلها يسافرون ويغتربون ويتعرضون للمشاق والأخطار، هذا هو واقع رصدته "بوابة الأهرام"، مع عدد من العمالة غير المنتظمة بجنوبسيناء. في البداية أكد صابر رمضان، البالغ من العمر 47 عاماً، أنه يعمل في مهنة المحارة منذ أكثر من 30 عاماً ذاق خلالها مرارة الحرمان، خاصة خلال فترة الثورة بسبب حالة الركود التى تعرضت لها البلاد، حتى إنه أصبح لا يقوى على كسب قوت يومه، مشيرًا إلى أن مهنة المحارة من المهن الشاقة، والتي تحتاج إلى قوة عضلية كبيرة، وبرغم ذلك إلا أنه خلال العمل فوجئ بإصابته بمرض فيروس (سي)، ولم يجد من يعينه على الشفاء من هذا المرض، حيث إن أصحاب الحرف غير المنتظمة لا يوجد لهم تأمين صحى أو صناديق خاصة ترحمهم من تكبد ومشقة عناء الحياة. وطالب بضرورة أن يكون هناك صندوق لإعانة أصحاب المهن غير المنتظمة بكل محافظة. من جانبه يقول رمضان صابر البالغ من العمر 34 عامًا، وينتمي إلى محافظة الفيوم ويعمل في أعمال الحفر والسباكة، إنه جاء من محافظة الفيوملجنوبسيناء، وقطع مئات الكيلو مترات، بحثًا عن كسب الرزق الحلال بعدما ضاق به الحال، وفشل في الحصول على فرصة عمل، بجانب محل إقامته، ونجح في الحصول عليها في إحدى شركات المقاولات الخاصة ليعمل بها على مدى 12 ساعة متتالية بنظام "اليومية"، دون أن يحصل على يوم واحد إجازة، أو يؤمن عليه صاحب العمل من أخطار ومصاعب العمل الذي يقوم به. هذا بالإضافة إلى أنه ليس لديه تأمين صحى، وسبق أن وقع حادث مأسوي لأحد عمال تطهير خزانات الصرف الصحى بطور سيناء، ما أودى بحياة آخر، وأصيب عامل آخر يدعى "علي حامد"، ما تسبب في عدم قدرته على العمل لمدة 3 أشهر، دون أن تقوم الشركة بتعويض أسرة المتوفي والمصاب، وهو ما دفع أعداد كبيرة من العمالة المؤقتة إلى الهروب من المحافظة، لذلك فإن العمالة المؤقتة في جنوبسيناء" على كف عفريت". وأشار إلى أن محافظة الفيوم، من المحافظات الفقيرة في فرص العمل، خاصة لغير حملة الشهادات، ولأنه مسئولاً عن أسرة ويعد عائلها الوحيد فقد تحمل عبء السفر وترك ابنته "رحمة" وزوجته، أملاً في العودة بعد شهر أو أكثر من ذلك لسد حاجاتهم من مشقة وأعباء الحياة. ولفت صابر إلى أن العامل يحصل على يومية تبلغ 80 جنيهًا، ويقوم العامل بإنفاق مالا يقل عن 25 جنيهًا يوميًا، مقابل مصاريف المأكل والمشرب والانتقالات الداخلية والباقي يدخره، حتى يستطيع إرساله لأسرته، ولابد أن يكون الصبر عنوان العامل عند طلب أجره اليومى، لأن هناك بعض أصحاب العمل يقومون بتأخير الأجر على العامل دون إبداء أسباب مقنعة، والقانون لا يحمى أمثالنا من الضعفاء، وعادة ما تتكون وجبة الإفطار من الخبز والفول والطعمية، ويتم تكرارها في الغذاء وعند العودة إلى مكان الإقامة. أضاف صابر، أنه بتطبيق منظومة الخبز الجديدة أصبحنا لا نقوى حتى على شراءالخبز المدعم، حيث يصل سعر الرغيف إلى 35 قرشًا، دون النظر إلينا كعمالة يومية ونشتهى الفاكهة ولا نقوى أيضا على شرائها، حتى نستطيع أن ندخر مبلغًا لإرساله لأسرنا، مؤكدًا أنه في حالة تعرض أى عامل للإصابة نتيجة العمل الذي يقوم بها فيتحمل العامل مصاريف علاجه دون أن يتحملها المقاول أو صاحب العمل. وأوضح صابر، أن ظروف الحياة وطبيعتها الشاقة، كانت سببا في عدم تكملة مسيرتى التعليمية، حيث إن والدى -عائل الأسرة الوحيد- توفاه الله، وكان عمرى وقتها 10 سنوات، ولم يقو أحد من إخوتى على تحمل أعبائي الدراسية، حتى أخرجونى من المدرسة للعمل في نفس الحرف التي أعمل بها الآن لكسب الرزق ومساعدة والدتي. فى سياق متصل، يقول خالد صلاح محمد، البالغ من العمر 38 عامًا، ويعمل سباك صحى ضمن عمالة إحدى شركات المقاولات، إنه ترك مسقط رأسه بمحافظة الفيوم، وجاء إلى جنوبسيناء بحثًا عن فرصة عمل ويبدأ عمله في السابعة صباحًا حتى الرابعة عصرًا ويقوم بحفر مناطق غرف تفتيش الصرف وأعمال الخرسانة العادية والعمل على إصلاح الأعطال، ويعول أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وولدين، ويتقاضى أجره بنظام اليومية وليس الشهر، ما يسقط حقه القانونى في التأمين عليه من مخاطر العمل والتأمين الصحى في حالة الإصابة وتأمينات الضمان الاجتماعى، كما لم يحدد صاحب العمل مكانًا لائقًا لإقامة العاملين معه، فدائمًا نقيم في موقع العمل الذي يفتقر لأبسط قواعد الآدمية. وأوضح محمد، أن العمالة المؤقته حالهم على كف عفريت، من حيث عدم استدامة العمل "فيوم نجد عملًا والباقي لا نجد قوت يومنا"، لافتا إلى أن أصحاب العمل يتنصلون من تحمل تكاليف إصابة العاملين في حالة الحوادث، وسبق أن انقلبت بنا إحدى السيارات وتحملنا تكاليف العلاج. كما أن اليومية تكاد تكفي إقامته في جنوبسيناء، ويدخر منها القليل حتى يتسنى إرسال ما تبقى منها إلى أسرته. وأشاد خالد، بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة الذي أعلن عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال انعقاد المؤتمر الاقتصادى، حيث إن هذا المشروع سوف يستوعب العمالة الموسمية، طوال فترة إقامته، والتي حددت بعشر سنوات ما ينعش سوق العمالة المؤقتة. أما فاضل مأمون، أحد عمال المحارة البالغ من العمر 24 عامًا والحاصل علي دبلوم صنايع ومتزوج ولديع طفل وينتمى إلى مدينة المحلة، فيقول إنه يعمل في هذه المهنة منذ 8 سنوات، عندما كان في المرحلة الإعدادية لمساعدة أسرته، وبدأ العمل عندما كانت يومية العامل لا تتعدى 20 جنيها، لكنها اليوم وبعد ارتفاع الأسعار حتى وصلت من 80 إلى 100 جنيه في اليوم. ويرى فاضل، أن ما يتقاضاه ليس كافيًا باعتباره عملًا مؤقتًا وليس عملاً دائماً لكن لا يوجد أمامي سوى الصبر، لأنه لا يوجد دخل سوى العمل في المحارة، ودائمًا ما أتعرض لظروف مادية صعبة أسوة بكل الأسر المصرية.