استنكرت الدعوة السلفية ما يقوم به البعض بنسب أفعال تنظيم "داعش" الإرهابي إلى الشرع الحنيف، قائلة: "قام تنظيم "داعش" الإرهابي بتنفيذ عملية قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة بحرقه حيًا بطريقة أثارت اشمئزاز الجميع، وقد بادر الأزهر، قبل غيره، بالاستنكار وتبرئة الشريعة الغراء من إباحة مثل هذا الفعل الشنيع". وأضافت الدعوة، في بيانٍ لها اليوم الجمعة: "لكن بعض الإعلاميين، الذين يشنون منذ فترة حملة هوجاء على الأزهر، وعلى التراث الإسلامي كله، خرجوا ليعلنوا أن ما يفعله "داعش" موجود في التراث الإسلامي، الذي يدرسه الأزهر، والذي دونه أئمة الإسلام، وأخذ هؤلاء يتبارون في سرد استدلالاتهم على ما ذهبوا إليه". وأوضحت الدعوة: "أن الأدلة الصحيحة الصريحة المانعة لمثل هذه الجرائم، والتي يحب تقديمها على غيرها، موجودة، لو أرادوا معرفة حكم الشريعة من محكمات نصوصها"، مضيفة: "فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن المثلة في قتال المشركين، وهي أعم من الحرق، حيث تشمل كل ما من شأنه أن يكون فيه اختلاف للأعضاء، بعد أو فى أثناء القتل". وتابعت الدعوة: "ومنها ما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن النهي الخاص عن استعمال النار في قوله - صلى الله عليه وسلم: "لا يعذب بالنار إلا رب النار"، وهذا عكس ما أورده تنظيم "داعش" من أقوال لأهل العلم، وتناقله بعض الإعلاميين عنه بدون وعي، بل وأضافوا إليه من عند أنفسهم الكثير، مما لبس على الناس أمر دينهم، وغرضهم من هذا إثبات ما يفترونه على كتب التراث منذ فترة، بل وتجرأ بعضهم فقال أن هذه الأمور موجودة في الكتاب والسنة، ولا ندرى كيف يجمع بين إيمانه بالكتاب والسنة واعتقاده نسبة أمر مستقبح كهذا إليهما". وأضافت الدعوة: "الواجب على كل مسلم، في مثل هذه الحالات، أن يسأل أهل العلم، عملا بقوله تعالى "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، حيث سيجد أن الأمر لا يخلو من أحد الاحتمالات الآتية: الأول: أن يكون الفعل المستقبح غير ثابت سندا، ومن ثم فهو والعدم سواء، ومنه في قضيتنا هذه ما روى من تحريق أبى بكر لبعض المرتدين، أو إقراره خالدًا على ذلك. الثانى: أن يكون قد استقبح هو ما ليس بمستقبح في عرف العقلاء، ومنه ما ذهب إليه بعض أهل العلم في جواز تحريق من حرق غيره بالنار، عملا بعموم قوله تعالى "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ"، مستندين إلى فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في (العرنيين)، وكانوا قد فعلوا هذا في عماله - صلى الله عليه وسلم - على إبل الصدقة، مع أنهم قد خالفهم في هذا بعض أهل العلم فتمسكوا بعموم النهي عن المثلة، ويجب أن نعلم أن تمحك "داعش" في مثل هذا القول، وتطبيقه على غير واقعه في قضية "الكساسبة"، لا يجعل أصل المسألة من الباطل البين البطلان، فالمسألة في حالة المعاملة بالمثل تدور بين الصواب والخطأ، وليس بين الحق والباطل. الثالث: سوء فهم المنتقد لكلام أهل العلم، ويستوى في ذلك "داعش"، وهؤلاء الإعلاميون.. فقد بالغ بعض أهل العلم في اجتناب ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى أنه يحرم رمي الكفار بالمنجنيق، وغيره من الأسلحة النارية، في حال المواجهة بين الجيشين، وليست في حالة الأسير المقدور عليه (وقد تقدم حكمه)، ولما رأى بعض أهل العلم أن امتناع المسلمين عن استعمال مثل هذه الأسلحة قد يؤدي إلى انتصار الأعداء اكتفوا بوصف المسألة بالكراهة، دون التحريم، ومن ثم فتمسك "داعش" بهذه الأقوال، لتبرير جريمتهم البشعة بحرق أسير مسلم بين أيديهم، تلبيس الحق بالباطل، ويكون ترديد هذا، من قبل البعض، من باب الجهل، أو الهوى، أو كليهما. وأكدت الدعوة: "أنه فى النهاية تبقى القاعدة "كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، ويبقى من أمانة السلف مع من بعدهم أنهم نقلوا أخطاءهم، ليتعلم منها من بعدهم، فأما من سلم قلبه لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتعلمون من هذه الوقائع ويحفظون للصحابة جميلهم وتجردهم لبيان الحق، حيث نقلوا أخطاءهم وتصويبها، بخلاف من في قلوبهم مرض، الذين يفرحون بالخطأ ويروجون له". وأضافت الدعوة: "أن من ذلك أن عليا - رضي الله عنه - لما هاله قول عبد الله بن سبأ بتأليهه (أي بتأليه علي رضي الله عنه) هم بإحراقه بالنار هو ومن على رأيه، فهرب وأصاب الإحراق بعض من معه، ومع هذا فقد راجعه بن عباس - رضي الله عنه - ولم ينقل لنا الفعل وإلا ومعه الإنكار من بن عباس، والندم من علي رضي الله عنه". وأشارت الدعوة إلى "أن وقوع هذا الفعل من علي - رضى الله عنه - وما تناقله كتاب السير عن فعل خالد بن الوليد له بإقرار أبي بكر (وقد قدمنا عدم صحة ذلك سندا) لم يمنع علماء المذاهب المختلفة على تقديم الدليل، حتى وقع إجماع أهل العلم على حرمة حرق الأسير الكافر.. فما بالك بالمسلم؟!!، حيث قال الإمام البغوي الشافعي – رحمه الله – في كتابه "شرح السنة"(11/ 55): "فأما تحريق الكافر بعدما وقع في الأسر، وتحريق المرتد، فذهب عامتهم إلا أنه لا يجوز" انتهى، وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي – رحمه الله – في كتابه "المغني" (9/ 286-287): "أما العدو إذا قدر عليه فلا يجوز تحريقه بالنار، بغير خلاف نعلمه". وأوضحت الدعوة: "أن هذه النقول في شأن الأسير الكافر حجة عليهم على كل حال، لأننا نعلم أن أصل بدعتهم أنهم يكفرون جميع خصومهم، وللرد على هذه البدعة موطن آخر، ولكنهم أضافوا إلى بدعتهم تلك بدعة التمثيل بالقتلى، ثم أضافوا إلى ذلك إحراقهم أحياء، وهو ما لا يجوز مع مسلم ولا كافر، فوقعوا في ظلمات بعضها فوق بعض.. نسأل الله أن يعصم شباب المسلمين منها". كما دعت الدعوة - في بيانها - "داعش" إلى التوبة من غلوها، كما دعت من ينسب أفعال "داعش" للإسلام إلى التوبة من جرأتهم على دين الله عز وجل، ودعت جميع المسلمين إلى الاعتصام بكتاب الله وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم. كما طالبت الدعوة السلفية الأزهر بأن يستمر في الدفاع عن السنة، في مواجهة بدعة "داعش"، والدفاع عن التراث، في مواجهة موجة التغريب، وكل منهما أخطر وأشد من الأخرى، قائلة: "نسأل الله أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن".