جدل واسع بعد استشهاد "داعش" بفتوى الإمام أحمد ابن تيمية، لعملية إحراق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، غير أن بعض الفقهاء اتهموا التنظيم بتحريف الفتوى وإخراجها من سياقها. وعرض التنظيم خلال "فيديو" إحراق الكساسبة لموقف ابن تيمية من خلال رسالة ظهرت على الشاشة جاء فيها: "فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان، فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع"، الأمر الذي دفع مراقبين مثل الصحفي السعودي المعروف، جمال الخاشقجي، إلى الإشارة ل"اجتزاء" الفتوى. وتشير الكتب الفقهية إلى أن المثلة تتعلق حصراً ب"الجثث" وليس بالأحياء، وإلا فإن ذلك يدخل في إطار "التعذيب"، ويذكر بحث للشيخ عبدالله زقيل تحت عنوان "القولُ المبينُ في حكمِ التحريقِ والمُثْلةِ بالكفارِ المعتدين" أن الفقهاء كانوا على ثلاث آراء، الأول أن المُثْلةَ حرامٌ، وذهب إلى ذلك الزمخشري والصنعاني والشوكاني، أما الرأي الثاني فهو لا يذهب إلى التحريم بل يقوم ب"الكراهة"، وممن ذهب إليه النووي وابن قدامة الذي قال: "يُكْرَهُ نَقْل رُؤُوسِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، وَالْمُثْلَةُ بِقَتْلَاهُمْ وَتَعْذِيبُهُمْ". أما القول الثالث فهو الذي ذهب إليه ابن تيمية وهو "يمثّلُ بالكفارِ إذا مثّلوا بالمسلمين معاملةً بالمثل"، وينتقل عنه زقيل قوله في فتاواه: "فَأَمَّا التَّمْثِيلُ فِي الْقَتْلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاص"، كما قال: "وَيُكْرَهُ نَقْلُ رَأْسٍ، وَرَمْيُهُ بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ.. الْمُثْلَةُ حَقٌّ لَهُمْ، فَلَهُمْ فِعْلُهَا لِلِاسْتِيفَاءِ وَأَخْذِ الثَّأْرِ، وَلَهُمْ تَرْكُهَا وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ، وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمْثِيلِ بِهِمْ زِيَادَةٌ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُمْ عَنْ نَظِيرِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمْثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ، أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ، وَلَمْ تَكُنْ الْقِصَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ". مغردون أعادوا الإشارة إلى أبحاث دينية صادرة من جامعات حكومية في السعودية، مثل البحث الذي يحمل عنوان "التحريق بالنار"، والموجود على موقع إحدى الجامعات السعودية، وجاء فيه أن العلماء اختلفوا في التحريق في فعل ذلك وفي هوية من يتعرض للإحراق، سواء من الأعداء أو المجرمين، ويذكر البحث أن أبوبكر الصديق وعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد، وكلاهما من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، أجازوا تحريق الأعداء بالنار خلال المعركة، في حين كرهه صحابة مثل عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس. ونشرت مواقع جهادية صورة من الفتوى، جاء فيها: "إن الأحناف والشافعية ذهبوا إلى جواز التحريق مطلقًا، وأن تفسير المهلب بن صفرة لقوله صلى الله عليه وسلم: "النار لا يُعذب بها إلا الله"، ليس هذا النهي على التحريم، بل على سبيل التواضع". وفندت دار الإفتاء المصرية الدعاوى الباطلة التي استند عليها المتطرفون في جريمتهم، وأوضحت أن زعم هؤلاء بأن الصحابي الجليل أبو بكر الصديق قد أحرق ''الفجاءة السلمي'' حيًّا غير صحيح، وساقط باطل لا سند له؛ لأن رواية إحراق سيدنا أبي بكر الصديق للفجاءة رواية باطلة مدار سندها على ''علوان بن دَاوُدَ البجلي'' وهو رجل مطعون في روايته، قال الحافظ بن حجر في لسان الميزان: ''قال البخاري: علوان بن داود -ويقال بن صالح- منكر الحديث''. كما علق الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد على هذه الرواية بقوله: ''رواه الطبراني وفيه علوان بن دَاوُدَ البجلي وهو ضعيف، وهذا الأثر مما أُنكر عليه''. وروى العقيلي في ''الضعفاء الكبير'' عن يحيى بن عثمان أنه سمع سعيد بن عفير يقول: ''كان علوان بن داود زاقولي من الزواقيل'' والزواقيل هم اللصوص. كما أشارت دار الإفتاء في تفنيدها إلى أن اتهام الصحابي خالد بن الوليد بحرق رأس خالد بن نويرة هي رواية باطلة في سندها ''محمد بْنُ حميد الرازي'' وهو كذاب، قال عنه الإمام ابنُ حِبَّان: ''كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات. قال أبو زرعة ومحمد بن مسلم بن وَارَة: صَحَّ عندنا أَنَّهُ يكذب''. وشددت دار الإفتاء على أن التمثيل بالأسرى منهي عنه في الإسلام، وقد ورد النهي عن الإعدام حرقًا، وجاء النهي عنها في أكثر من موضع منها حديث ابن مسعود قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمررنا بقرية نمل قد أحرقت؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ''إنه لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله عز وجل''.