سيارات إسعاف لاتهدأ أصواتها الصارخة ليلاً أونهاراً، مابين البرتقالى والليمونى تنوعت أشكالها، مسعفوها بالعشرات،ومستقبلوها من الأطباء والممرضات بالمئات،منهم من تمركز أمام معبر السلوم البري على الحدود المصرية الليبية ،والبعض الآخر فضل البقاء داخل مستشفى السلوم المركزي التى تبعد عن المعبر بحوالى 8 كيلو مترات. من دورواحد يتكون مستشفى السلوم ،توافد عليه أطباء من كافة التخصصات ومن محافظات مختلفة، يظلون الليل ساهرين،وإذا أراد أحدهم الراحة ولو لبضع دقائق يضع رأسه على الكرسي الجالس عليه خوفاً من قدوم أي حالة من ليبيا وتكون إصابتها خطيرة. "بوابة الأهرام"عاشت 4 أيام داخل حجرات هذا المستشفى الذي يعمل به العشرات من ملائكة الرحمة ،منهم من كان يريد العبور إلى ليبيا ولم يسمح له بذلك فأراد أن يقدم خدماته عبر هذا المستشفى، والبعض الآخر تم انتدابه من محافظات أخرى. يقف أفراد متطوعون يعملون لحساب هذا المستشفى عند منطقة الجمرك الموجودة على معبر السلوم،وعند قدوم أى حالة مصابة من ليبيا يستقبلونها ويضعونها فى سيارة الإسعاف المجهزة تجهيزا كاملا،وفور تحرك سيارة الإسعاف بالمصاب فى طريقها إلى مستشفى السلوم يقومون بإبلاغ أطباء المستشفى بقدوم حالة مصابة، وهنا تبدأ التجهيزات اللازمة لاستقبال المصاب. هنا يخرج الأطباء بصحبتهم الممرضات يصطفون أمام باب المستشفى متأهبين لاستقبال سيارة الإسعاف، وفور وصولها يشاركون المسعفين فى رفع التروللى الذى يرقد عليه المصاب فى الإسعاف. فى هذه الحين يحاول كل طبيب وممرضة أن يكون له دور فى رفع الألم عن المصاب، فلا ينظر أحد منهم إلى جنسيته ليعرف أنه مصرى أم لا،إنما يكون هدف الجميع واحدا، وهو إنقاذ المريض الذى غالبا مايكون فى حالة صراخ وبكاء أو إغماء. يعمل طاقم الأطباء والتمريض بالمستشفى تحت قيادة الدكتور محمد يوسف عبد الخالق مدير المستشفى ونائبه الدكتور محمد عادل مرعى، اللذين لايتركان المستشفى للحظة واحدة ،يجلس كل منهما فى مكتبه يستقبل تطورات الاحداث للمرضى بالمستشفى بإعتبارها نقطة التمركز الوحيدة فى المنطقة لاستقبال المصابين من أحداث ليبيا. فى المستشفيات الحكومية غالبا مايطول صراخ المريض من تجاهل الممرضات والأطباء لحالته لكن مستشفى السلوم،الكل فيها يريد تقديم الخير بكل مايملك،منهم من يقدم الطعام والعصائر للمصاب عند إفاقته من حالته، والبعض الآخر يجلس إلى جواره على السرير الذى يرقد عليه لمواساته فى حالته وتطمينه بأن حالته الصحية مستقرة ولا داعى للقلق. على سلالم المستشفى لاستقبال المصابين يقف أطباء من كل التخصصات لتحديد نوعية الغرفة التى سيتم احتجاز المريض فيها وغالبا ماتكون غرفة عظام أو إفاقة أو عناية مركزة،ويحدد ذلك الدكتور عبد الجليل نادر المتخصص فى الطوارئ والذى كان يرأس أقسام الطوارئ بمحافظة مطروح سابقاً. الدكتور عبد الجليل حكى ل"بوابة الأهرام" بعفوية مطلقة دون انتظار كلمة شكر من أحد ،أنه كان مقررا له السفر إلى السعودية يوم 22 فبراير الحالى بعقد عمل مقابل 16 ألف دينار فى الشهر الواحد، وعندما توجه إلى مديرية الصحة بمطروح لتخليص باقى أوراق السفرعلم أن هناك عجزا فى اطباء مستشفى السلوم،فقرر العدول عن قرار السفر لانتظار الأجر والصواب الذى لايقدر بأى ثمن من خلال مايقوم به تجاه المصابين. ساعات النهار فى المستشفى تمر على الأطباء والممرضات وكأنها بضع دقائق،من كثرة الإصابات التى تأتى إليهم،ورغم الاجهاد الذى يعانون منه لكنهم يتغلبون على ذلك بالحديث مع المرضى القادمين من ليبيا ليتعرفوا على ماحدث منذ أول يوم فى الثورة وحتى مجيئه الى المستشفى ،ويرصد خلالها المصاب كل ماحدث له ليجلس الجميع حوله فى جو أسرى يكسوه الهدوء أثناء حديث المصاب لهم ،وكأن هناك مسلسلاً ليبياً يتم عرض أحداث الثورة من خلاله. وبينما تخيم أجواء الهدوء على غرفة المريض الذى يحكى قصة الثورة وييقف حوله بعض أطباء وممرضات المستشفى ، إذ بعربات الإسعاف تطلق أصواتاً مدوية فيتحول الهدوء إلى حالة من "الكر والفر" بين الأطباء والممرضات تمهيداً لاستقبال المريض الذى تحمله سيارة الإسعاف. على هذا المسلسل تمر ساعات اليوم على غالبية أطباء المستشفى ، وتأتى مسلسلات جديدة ومضمونها واحد ، لكن من لايتاح له سماع هذه النوعية من المسلسلات ،تلك الأطباء التى تتبرع بالسفر مع المصابين المحولين من مستشفى السلوم المركزى الى مستشفيات مطروح والتى تحتاج الى عناية دقيقة والذين يقطعون أكثر من 300 كيلو متر ذهاباً ومثلهم عودة إلى المستشفى مرة أخرى ،ورغم أن هذه النوعية من الأطباء ليسوا مضطرين للسفر مع المصاب الى مطروح ، لكنهم رأوا أن دورهم البطولى لايكتمل إلا بذلك. تنوعت تخصصات الأطباء فى مستشفى السلوم المركزى والهدف واحد،اعترافاً منهم أولاً بأنهم يؤدون أسمى مهمات الإنسانية، وإحساساً منهم ثانياً بأن هذا المصاب ربما يكون أحد أفراد أسرته – لاقدر الله – لكن تبقى شهادة أبى التاريخ أن تمر الساعات قبل أن يكون لهؤلاء الأطباء والممرضات دور فى إنقاذ حياة شخص تعرض للخطر على أيدى مرتزقة وعبيد جندهم فرد اعتبر نفسه زعيماً ليبياً ،وأطلق على نفسه "القائد" لكنه لم يحترم أى معنى من معانى الإنسانية،وكما سيكتب التاريخ لأطباء مستشفى السلوم المركزى برقية شكر وتقدير وسيدونها لهم برائحة المسك،سيكتب أيضا على "مجرم ليبيا" لكن ليس برائحة المسك ،وإنما بلون ورائحة دماء ضحاياه الشهداء.