ارتفاع الأسهم الأوربية وسط تفاؤل بمصير الفائدة الأمريكية    محافظ مطروح: استقبلنا 3.3 ألف طن قمح بصومعة الحمام    مصدر رفيع المستوى: الوفد المصري يكثف اتصالاته لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وحماس    خبير تحكيمي: مستوى البنا في تراجع شديد.. وسموحة يستحق ركلة جزاء أمام الزمالك    بعد مشاركة وسام أساسيا في المباريات السابقة .. هل سيعود محمود كهربا لقيادة هجوم الأهلى أمام الاتحاد السكندري ؟    قبل أولمبياد باريس.. زياد السيسي يتوج بذهبية الجائزة الكبرى ل السلاح    محافظ المنوفية يعلن جاهزية المراكز التكنولوجية لبدء تلقى طلبات التصالح غدا الثلاثاء    محافظ الغربية يتابع استمرار الأعمال بمشروع محطة إنتاج البيض بكفر الشيخ سليم    ارتفاع الأسهم الأوروبية بقيادة قطاع الطاقة وتجدد آمال خفض الفائدة    وزير فلسطيني: مكافحة الفساد مهمة تشاركية لمختلف قطاعات المجتمع    من يعيد عقارب الساعة قبل قصف معبر كرم أبو سالم؟    ماكرون يؤكد ضرورة الحوار الصيني الأوروبي أكثر من أي وقت مضى    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    بالأرقام والتفاصيل.. خطة لتحويل "مناخ" بورسعيد إلى حي أخضر    وزير الرياضة: 7 معسكرات للشباب تستعد للدخول للخدمة قريبا    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج عن القانون    كشف ملابسات مقتل عامل بأحد المطاعم في مدينة نصر    طلاب مدرسة «ابدأ» للذكاء الاصطناعي يرون تجاربهم الناجحة    6 عروض مسرحية مجانية في روض الفرج بالموسم الحالي لقصور الثقافة    «شقو» يحقق 62 مليون جنيه إيرادات في شباك التذاكر    ماجدة الصباحي.. نالت التحية العسكرية بسبب دور «جميلة»    بالفيديو.. مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية: شم النسيم عيد مصري بعادات وتقاليد متوارثة منذ آلاف السنين    وفاة شقيق الفنان الراحل محمود ياسين.. ورانيا ياسين تنعيه: مع السلامة عمي الغالي    «المستشفيات التعليمية» تناقش أحدث أساليب زراعة الكلى بالمؤتمر السنوى لمعهد الكلى    استشاري تغذية ينصح بتناول الفسيخ والرنجة لهذه الأسباب    لاعب نهضة بركان: حظوظنا متساوية مع الزمالك.. ولا يجب الاستهانة به    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    بعد نفي علماء الآثار نزول سيدنا موسى في مصر.. هل تتعارض النصوص الدينية مع العلم؟    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    انتصار السيسي: عيد شم النسيم يأتي كل عام حاملا البهجة والأمل    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    إصابة 7 أشخاص في تصادم سيارتين بأسيوط    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة مواجهة الاتحاد السكندرى    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    طقس إيداع الخميرة المقدسة للميرون الجديد بدير الأنبا بيشوي |صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    نصائح لمرضى الضغط لتناول الأسماك المملحة بأمان    طريقة عمل سلطة الرنجة في شم النسيم    نيويورك تايمز: المفاوضات بين إسرائيل وحماس وصلت إلى طريق مسدود    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعة مستشفيات حكومية.. تبعث الموت لأهالى مطروح.. مستشفى «السلوم» مهدد بالسقوط.. و«مطروح المركزى» يعانى من نقص الأطباء.. والضبعة يقتصر على «سماعة وجهاز ضغط».. وسيارة إسعاف سيوة تعمل أكثر من الميكروباص
نشر في اليوم السابع يوم 03 - 03 - 2012

بمجرد ذكر محافظة مطروح، تظهر صورة جميلة لموج البحر الأبيض المتوسط وهو يرتطم تحت أقدام عاشقين يسيران بهدوء على شاطىء عجيبة، ولقطة لامرأة بدوية تسير بين قطيع غنم يرعى فى واحة سيوة، وضبطية تهريب تعبر منفذ السلوم قادمة من ليبيا، ومقابر الحلفاء الباقية من الحرب العالمية الثانية فى العلمين.
خلف الصورة تبقى وجوه تحاول أن تتخطى تجاهل 30 عامًا من التنفيذيين واختصار مشاكل المحافظة الحدودية فى علاقتها بليبيا والتهريب عبر منفذ السلوم، ومشروع ينقل مصر إلى المستقبل النووى بمحطة طاقة بالضبعة تحاول أن تجد لها مكانًا على الأرض منذ الثمانينيات.. نقل انتماء أهالى مطروح والسلوم على وجه الخصوص إلى علاقاتهم بالقبيلة مع عائلاتهم فى ليبيا وبأرضهم التى ظلت مستعصية على التملك.
«هموم مطروح» تبدو على وجوه أبنائها الباحثين عن عمل فى شركات تستخرج البترول من أرضها، ولا يعمل فيها أبناؤها، وتبقى منازلهم عطشى لماء نظيف.
لم تسعد كثيرًا بوليدها الصغير، ست ساعات فقط كانت عمر ذاك الطفل، خرج إلى الحياة من رحم أمّه البدوية فى واحة سيوة، إحدى مدن محافظة مطروح، كان جهازه التنفسى فى حاجة إلى «إنعاش سريع» حتى لا يفارق الحياة.
نظرت إليه أمّه، وتوسلت للأطباء أن يجدوا حلاّ حتى لا يفارق الحياة، أخبروها بأن طفلها فى خطر، فالمستشفى غير قادر على التعامل مع تلك الحالات ولا توجد به حضّانة، بعد ثلاث ساعات جاءت المستشفى سيارة مجهزة قادمة من مطروح لنقل الطفل إلى المستشفى المركزى بالعاصمة.. الآن تنفست الصعداء، عاد إلى وجه الأم ابتسامته داعية الله أن يصل وليدها إلى مطروح بخير حال، وبعد ساعتين جاءها اتصال: «البقاء لله.. ابنك مات».
القصة السابقة، التى وقعت أحداثها فى واحة سيوة، تعكس أزمة كبرى تعانيها مدن محافظة مطروح وهى افتقارها التام للخدمات الصحية بصورة تهدد حياة قرابة 400 ألف شخص من أبناء المحافظة الحدودية.
«اليوم السابع» زارت مستشفيات أربع مدن هى.. «سيوة والسلوم والضبعة ومطروح» للتعرف تفصيليّا على الأزمات التى يعانيها كل منها، وكانت البداية داخل مستشفى سيوة أو مستشفى الموت كما يسمونه.
ينقسم مستشفى سيوة إلى مبنيين، الأول، وهو المبنى القديم، تعلوه لافتة كُتب عليها «مكتب صحة سيوة» يتم فيه علاج المرضى، والثانى هو مبنى المستشفى الذى يتم تطويره حاليًا.
مدخل المبنى القديم كئيب للغاية.. كراسى انتظار المرضى لا يجلس عليها أحد وغرفة الاستقبال تفتقر للنظافة وآثار المياه الجوفية تظهر على الحوائط، وداخل غرف المرضى تتواجد أسرّة ملوثة أغطيتها بالدماء، يغطى التراب أرضيتها، أمّا إناء تعقيم الأدوات الجراحية فتم إلقاؤه على أرضية حمام المستشفى.
22 طبيبًا و12 ممرضًا هو الرقم الرسمى للعاملين بالمستشفى، ولكن العدد يتناقص مع الإجازات وعدم وجود أطباء فى تخصصات الرمد والأنف والأذن والحنجرة وأخصائى عناية مركزة، ويخدم ذلك المستشفى سيوة وخمس قرى مجاورة لها هى المراقى وغورفى وبهى الدين والجارة وأم الصغير والأخيرتان لا يوجد بهما ولا حتى مركز صحى صغير.
يقول محمد شارودى طبيب أطفال سابق بالمستشفى، تركه وقام بفتح عيادة خاصة منذ فترة، إن الأزمة الرئيسية فضلاً على عدم توفر أجهزة متطورة هى أن «الأطباء الذين يأتون للعمل فى الواحة يكونون تخطوا سن الإنتاج وعادة لا يكونون ناجحين فى أماكنهم لذلك يقبلون بالعمل فى منطقة نائية مثل سيوة إضافة إلى عدم وجود أطباء فى بعض التخصصات».
ويتضامن مع شارودى، إبراهيم السيد صالح مدرس بالمعاش، الذى أكد على افتقار المستشفى لبعض التخصصات مثل تخصص الرمد، وهو ما يدفعه كل أسبوعين إلى الإسكندرية لمتابعة عينه اليمنى المصابة بثقب فى القرنية، يقول صالح إنه خضع لعملية جراحية خلال عام 2008 فى عينه ولكنه تعرض لخطأ طبى زاد حالة عينه سوءًا، ويعتمد على القوافل الطبية التى تعمل فى سيوة للحصول على مسكنات وينتظر توفير المال اللازم للخضوع لعملية أخرى لإماتة عصب العين لأن حالتها تؤثر على قدرة إبصار عينه اليسرى.
الشيخ مسلم عبدالله محمد مسلم رئيس لجنة الصحة لاتحاد جمعيات تنمية سيوة، يقول إن المستشفى حالته متهالكة ولا يصلح للآدميين، مضيفًا: «حتى مؤسسة بروك المخصصة لعلاج الحيوانات لن تقبل بعلاج مرضاها فيه بسبب حالته المزرية» متابعًا: «أطلقنا عليه مستشفى الموت لأن أى حالة خطيرة تصل إليه لا تجد أخصائى يستطيع العلاج ويتم نقله إلى مستشفى مطروح فى رحلة تستغرق ثلاث ساعات قد لا يستطيع المريض إكمالها ويتوفى فى الطريق».
ويتابع «أفضل ما يعمل فى المستشفى هو نقطة الإسعاف التى تسير على طريق مطروح أكثر من سيارات الميكروباص» ويشرح مسلم الذى يعمل أيضًا مُقيم شعائر بمسجد الرمل القريب من منزله «قسم الاستقبال دائمًا ممتلئ بالقذارة وكشك الولادة والأشعة لا يعملان بكفاءة، ولا نجد عناية بنظافة المستشفى، وكثيرًا ما نجد أدوات الجراحة فى أوانٍ بحمام المستشفى، بالإضافة إلى غياب بعض التخصصات شديدة الأهمية مثل الرمد والأنف والأذن والحنجرة والمسالك البولية وأخصائى العناية المركزة والنساء والتوليد لأن هناك طبيبين فقط ولا يتواجدان فى توقيت واحد، ولا يوجد تمريض كافٍ».
الأزمات التى يعانيها مستشفى سيوة ستتضاءل فور الانتهاء من المبنى الجديد الذى لم يتحدد إلى الآن موعده، يقول محمد عمران، موظف بمركز المدينة، إن مستشفى سيوة المركزى يخضع للتطوير وإنشاء مبنى جديد منذ خمس سنوات، وكان من المقرر أن يتم الانتهاء منه خلال عام 2009، ولكن التطوير مستمر حتى يومنا هذا مضيفًا: «اللواء طه محمد السيد محافظ مطروح اعتمد مبلغ 15 مليون جنيه من أجل رفع كفاءة المستشفى وتطوير المبنى القديم لاستخدامه كسكن لإقامة الأطباء».
وبعيدًا عن إهمال المستشفى تعانى سيوة من انتشار مرض أنيميا البحر الأبيض المتوسط «الأنيميا المنجلية» بين أطفال الواحة والتى تهدد حياة المصابين بها، يقول الطبيب محمد شارودى الذى يعالج ما يقرب من 70 حالة مصابة بالأنيميا فى عيادته الخاصة ويتابع مع أطباء من القوافل الطبية حالات أخرى. ويؤكد أن مراحل العلاج لم تتضح بسبب قلة اهتمام صحة مطروح بخطورة انتشار المرض، رغم أن أغلب المصابين بالمرض يموتون قبل بلوغهم العشرين عامًا بسبب النقص الحاد فى الدم والإصابة بفيروسات الكبد والفشل الكلوى.
مطالبات الدكتور شارودى بضرورة التصدى للمرض يقف أمامها تقرير الدكتور محمود على زهران مدير مديرية الصحة بمطروح بتاريخ 16 مايو 2011، بأن عدد الحالات فى حدود المعدلات الطبيعية للزيادة السكانية، وبرر انتشار المرض بزواج الأقارب المنتشر بين القبائل، ووصفه بأنه مرض وراثى ليس له علاج، إلا لتكوين كرات الدم الحمراء.
.. ومن سيوة إلى السلوم، لا يختلف الوضع كثيرًا داخل مستشفى المدينة الملاصقة للحدود الليبية، بل على العكس تزداد الأمور سوءًا لأن قسم استقبال النساء والتوليد بمستشفى السلوم آيل للسقوط وصدر له قرار إزالة وإعادة بناء قبل عام، ولكن القرار لم ينفذ بعد.
المستشفى به 20 طبيبًا و5 ممرضات فقط، وهو عدد قليل مثلما تقول ممرضة فضلت عدم ذكر اسمها، وتضيف: «نحن خمس ممرضات وهذا العدد لا يكفى لمتابعة المرضى ويؤدى دون شك إلى حدوث تقصير فى الرعاية المطلوب توافرها للمرضى».
غرفة الكشف الرئيسية للمستشفى بها سرير واحد مائل بسبب كثرة الاستخدام وقلة الصيانة، ولا يوجد حوض لغسيل الأيدى لحماية الأطباء من التلوث، الدكتور سيد أحد أطباء المستشفى يقول إن الأطباء لهم مطالب كثيرة لتحسين وضع المستشفى، لكنها لم تستجب بسبب البعد المكانى للسلوم عن مطروح، ولا توجد تجهيزات طبية لائقة، فلا يوجد طبيب عظام أو رمد ويعانى من نقص الأدوية المقدمة للمرضى من أهل المدينة.
فريد أحمد نجا، كبير أطباء مستشفى السلوم، يقول إنهم يعيشون فى ظروف غير آدمية لكنه يمارس العمل من أجل إنقاذ الأهالى ومساعدتهم، الطبيب الذى التقيناه فى سكن الأطباء فى الدور العلوى للمستشفى يشير إلى غرفة بها سريران يبيت فيها الأطباء ولكنها بلا خدمات وغير نظيفة، يحاول الأطباء الإبقاء على نظافتها ولكنهم لم يستطيعوا السيطرة على حمام السكن الذى علاه الصدأ من تلوث المياه وسوء الخدمة.
العمدة سعيد طربان عمدة قبيلة القطعان بالسلوم يقول إن طول المسافة بين المدينة ومرسى مطروح جعلها أبعد عن اهتمام المسؤولين عن الصحة بالمحافظة، فلا يهتمون باحتياجات الأطباء ومستلزمات المستشفى وإنهاء ترميم الجزء المنهار منها.
فى مدخل مستشفى الضبعة المركزى جلست طبيبة وممرضتان ينتظرن المرضى، تشكو كل منهن من قلة تجهيزات المستشفى وضعف الرواتب التى تتأخر شهورًا مع عدم صرف بدل الجذب «بدل تصرفه وزارة الصحة للعاملين فى الأماكن النائية والبعيدة عن السكن الأصلى»، وقالت طبيبة شابة فضلت عدم ذكر اسمها، إن أدوات الطبيب المتوفرة فى المستشفى هى سماعة طبيب وجهاز ضغط يعطى قراءات خطأ أحيانًا وجهاز سونار معطل.
وتضيف: «المستشفى تجهيزاته أقل من وحدة صحية فى قرية نائية رغم أنه يخضع للتطوير منذ عام 2008 إلا أنه لم ينته بعد، لأسباب إدارية لم يعلن عنها، بالإضافة إلى قلة تخصصات الأطباء حيث يوجد طبيب واحد للباطنة ومثله للجراحة العامة، وخمسة أطباء للجلدية وثلاثة أطباء تكليف، ولا يوجد طبيب نساء رغم أن المستشفى يخدم 45 ألف نسمة هم سكان مركز الضبعة والقرى المحيطة بها»، وتابعت: «غرفة الكشف الرئيسية ضيقة وبها سرير واحد والحوض غير نظيف لغسيل الأيدى كما أن أدوات التعقيم والحماية غير موجودة ويضطرون لشرائها بأنفسهم».
المستشفى يضم صالة استقبال واسعة يجلس فيها المرضى قبل الكشف فى 8 غرف مقسمة حسب التخصصات، وغرفتين للملاحظة، أكثر الأمراض المنتشرة بين الأهالى أملاح وصديد على الكلى ومغص كلوى.
أحمد محمد عبدالحميد، 25 عامًا، يقول إنه لا يفضل الذهاب لمستشفى الضبعة إلا عندما يكون مضطرّا لأنه لا يحوى على أدوات للعلاج، كما أن الأدوية دائمًا ناقصة، وحتى جهاز قياس ضغط الدم معطل، ويضيف سعيد مؤمن صالح قائلاً: «المستشفى غير صالح للآدميين لأنه يفتقر للأساسيات، ومن المفترض أن يكون به 20 طبيبًا ولكن العدد أقل بكثير ولا توجد به غرفة عمليات مجهزة».
ويعد فصل الصيف موسمًا جيدًا للعلاج لأهالى الضبعة ولكن فى مستشفيات مركزى العلمين ورأس الحكمة لأنهما يتجهزان لاستقبال مصيفى الساحل الشمالى وقرى مارينا.
آخر مستشفى تعرضنا له فى زيارتنا، كان مستشفى مطروح عاصمة المحافظة، هنا نقطة تجمع للمرضى من مراكز المحافظة الثمانى ولكنه يعانى هو الآخر من نقص الإمكانيات فى التجهيزات الطبية.. ورغم التجديدات التى أجرتها مديرية الصحة فى مطروح على واجهة المستشفى فإن أجهزة العلاج وغرف الأشعة لا تعمل بكفاءة على حد قول الشيخ فرج العبد عضو مجلس الشعب عن حزب النور.
يضيف العبد «لا توجد لدينا خدمة صحية جيدة فى مطروح يمكن أن نُطلق عليها عيادات طوارئ ينتقل بعدها المريض ذو الحالة الخطيرة لاستكمال العلاج فى مستشفيات الإسكندرية والقاهرة، نفتقد هنا لأطباء متخصصين فى مجالات معينة.. صحيح أن الأطباء الموجودين هنا يبذلون جهدهم لخدمة المرضى ولكن إمكانيات المستشفى لا تسعفهم».
يضيف فرج العبد أن وزارة الصحة استوردت جهاز أشعة الرنين المغناطيسى وخصصته لمستشفى مطروح منذ 7 سنوات، وفى كل عام تأتى لجنة لإجراء مقايسات للغرف التى تصلح لوجود الجهاز بها وتصدر توصيات بها ولا تُنفذ، والجهاز مُخزّن حتى الآن بمخازن الوزارة، وقد يتعرض للعطل بسبب عدم الاستخدام.
أكثر من يعانون فى مستشفى مطروح حسب فرج العبد هم مرضى الكلى والنساء والتوليد، ففى المستشفى 8 أجهزة للغسيل الكلوى ومعظمها معطل ومديرية الصحة متعاقدة مع شركة واحدة للصيانة، وبمجرد أن تنتهى من صيانة جهاز ويستخدمه مريض واحد يعود إلى العطل مرة أخرى. بالإضافة إلى أن حضانات الأطفال لا تعمل بها أجهزة التنفس، وإذا ولد طفل يحتاج إلى حضانة تظل الممرضة ترعاه بجهاز التنفس اليدوى.
طه عبيد يونس شاب فى العشرينيات من عمره يقول إن أكبر المشاكل فى مطروح هى الصحة بسبب نقص التخصصات، مما يضطر أصحاب الحالات الحرجة لأن ينتقلوا للعلاج فى الإسكندرية، ورغم تقسيم المستشفيات إلى ثلاثة أقسام: عام وأطفال ونساء فإن الأخير يعانى من نقص الإمكانيات، وقد نجد مرضى على الأرض ينتظرون العلاج وسريرًا واحدًا لمريضين.
عبدالله الزيات عمدة قبيلة القطعان فى مرسى مطروح يقول: «تنقصنا الكفاءات فى التخصصات والأطباء ليس لهم خبرة طويلة فى الطب ولكن يؤدون ما عليهم».
ويضيف: «الأزمة فى مطروح أن المسافات طويلة بين المراكز مما يؤثر على جودة الخدمة ولكن الجودة الملموسة بالفعل فى سيارات الإسعاف التى تنقل المرضى بين المراكز وتصل للمرضى بسرعة».
الصرف الزراعى يحاصر «واحة الغروب».. و«نخيل سيوة» تلتهمه النار ويقتله التلوث
القضاء على نخيل سيوة.. له سبل كثيرة.. فبجانب النار التى لم ترحم 60 فدانا منه فى قرية المراقى، يقف التلوث شاهرا سلاحه أمام جذوعها، بعدما حاصرت المياه المالحة الواحة لتقتل جميع المزروعات، وعلى رأسها النخيل الذى يعتبر أهم ما يميز واحة الغروب.
سيوة الهادئة التى تبعد 306 كم جنوب غرب مرسى مطروح تحمل وجهين متناقضين مثل كل مدن مصر، وجه غنى بابتسامة طفل تُزين أغلفة المجلات السياحية، ووجه آخر لا تهتم به كاميرات تلك المجلات، لأنها تعكس الحقيقة المختفية وراء ابتسامة هذا الطفل، بسبب ما يعانيه هو وأهله من ضعف فى الخدمات الصحية ومياه الشرب وشبكات الصرف التى حولت أربع بحيرات مالحة الى بحيرات من الصرف الزراعى تقتل أجمل ما فى سيوة، النخيل والزيتون والبشر أيضًا.
سيوة لم تعد الصورة الرومانسية التى رسمها الروائى بهاء طاهر فى روايته «واحة الغروب» ولم تعد أيضا كما كانت واحة جميلة تنعم بجميع سبل النعيم والراحة والهدوء الذى تتميز به عن غيرها.. فكما يقولون دوام الحال من المحال.. حيث أصبحت تعانى من تلوث مياه الآبار التى تعتمد عليها فى رى زراعاتها. مساحة الزراعة فى سيوة تصل إلى 22 ألف فدان تعتمد على مياه الآبار الجوفية، للرى بطريقة الغمر مما زاد من معدل المياه المنصرفة عن الأراضى، هذه المياه التى تفيض من الرى تصب فى المياه المالحة للبحيرات الأربع المسماة ب«أغورمى والزيتونة شرق الواحة، وسيوة والمراقى غربا»، والتى تبلغ مساحتها 47600 فدان، وفى فصل الشتاء كل عام تحدث المأساة الكبرى، حيث يرتفع منسوب مياه البحيرات الملوثة بالصرف الزراعى، وتتسرب مرة أخرى إلى الأراضى المحيطة بها لتغرق زراعات المشمش والرمان والتين إلى جانب تمليح مزارع النخيل والزيتون القريبة، إلا أنه حتى الآن لا يوجد حصر دقيق عن حجم الخسائر الزراعية حسبما تؤكد الإدارة الزراعية بمركز مدينة سيوة.
المهندس الزراعى يوسف مسلم يقول: «طبيعة أراضى سيوة بها نسبة ملوحة، مما يؤثر على درجة عذوبة مياه الرى، وتزداد درجه الملوحة كلما اتجهنا إلى بحيرات الصرف المالحة من الأساس».
ويخشى يوسف على إنتاج أرضه القريبة من بحيرة الصرف الزراعى الغربية، ويضيف أن اعتماد المزارعين على الرى بطريقة الغمر ورفع معدل المياه المهدرة التى تنقل عبر مضخات إلى بحيرة الصرف، ومع حلول الشتاء يزداد منسوب المياه مع قلة نسبة البخر.
وتابع يوسف قائلا: «ملوحة مياه الصرف تسبب تعفنا فى جذور الأشجار مما يؤثر على إنتاجها من الثمار ويقل حتى موت الشجرة بعد سنوات».
يوسف يتوقع أن يؤدى عدم حل مشكلة بحيرات الصرف، إلى تهديد مستقبل الواحة خلال عشرين عاما، خاصة أن أكثر المزارع المتأثرة تنتج البلح والزيتون طبيعيا دون تدخل كيميائى.
يوسف ينتمى إلى عائلة مسلم التى تملك زراعات واسعة بالقرب من بحيرتى سيوة وأغورمى، تروى مزارعه من عين مياه طبيعية وبئر للمياه الجوفية التى تعتبر المصدر الوحيد للموارد المائية بالواحة، والتى تتنوع ما بين 166 عينا طبيعية، و273 بئرا استعواضية و15 بئرا ارتوازية عميقة و22 بئرا اختبارية عميقة و27 بئر مراقبة.
تنتج هذه الآبار والعيون حوالى 255 مليون متر مكعب من الماء سنويا منها 222 مليون متر مكعب تفقد بالبخر، وتذهب النسبة المتبقية «33 مليون متر مكعب» إلى البحيرات سيوة، الأغورمى، المراقى والزيتون. حسب دراسة الدكتور إبراهيم محمد عبدالله الأستاذ بالمعهد العالى للسياحة والفنادق وترميم الآثار بالإسكندرية ومنشورة عام 2010.
أما محمد عمران موظف بمركز مدينة سيوة فيرى أن كثرة الآبار زادت من مشكلة مياه الصرف، بعدما أصبح المزارعون يعتمدون على آبار عميقة زادت من نسبة تدفق المياه، بالإضافة إلى الآبار الرومانية التى ما زالت تفيض حتى الآن، وتتسرب مياه بعضها إلى بحيرات الصرف مباشرة، ولا نستطيع التحكم بها.
سوء حالة الصرف الزراعى جعل بلال جبريل عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة يقدم طلب إحاطة لوزيرى الزراعة والرى لتحديد جهة الاختصاص لحل الأزمة.
ويقول جبريل: «آلاف الأفدنة من الزيتون والنجيل دمرت بسبب مشاكل الصرف الزراعى، ولا نعرف من عليه التحرك، وزارة الرى والموارد المائية أم وزارة الزراعة، والأخيرة تدخلت لحفر 90 بئرا جديدة لرى الأراضى فأهدرت مئات الأمتار المكعبة من المياه إلى بحيرة الصرف المالحة ولا نستفيد منها فى الرى.
حلول بدائية تبدو مقنعة لجبريل تتلخص فى شق ترعة تبدأ من مجارى الصرف الزراعى قبل دخولها إلى البحيرة إلى منطقة منخفض «الكاف» التى تبعد ثلاثين كيلو مترا عن واحة سيوة، ويقول يمكن أن تساعد الترعة فى معالجة المياه لاستخدامها مرة أخرى فى زراعة الأراضى هناك، وتوفر مياها فائضة فى خزان للصرف يرتفع عن مستوى سطح البحيرة لمسافة مترين تسهل عملية استصلاح الأراضى فى الصحراء.
الحل مرضٍ بالنسبة لأهالى سيوة ولكنه فى ذيل قائمة حلول وزارة الزراعة حسب قول عضو مجلس الشعب الذى طلب تشكيل لجنة معاينة من لجنة الرى بالمجلس للوقوف على حالة البحيرة على الطبيعة ودراسة تأثيرها على مستقبل الواحة.
جبريل يعتمد فى طلب الإحاطة على مشروع بحثى أقامه مركز بحوث الصحراء فى أواخر الثمانينيات حول وضع الصرف الصحى فى عهد الأمين الأسبق للمركز الدكتور سامر المفتى، كشف أن سيوة تعانى مشكلتين، الأولى هيدروجيولوجية والتى تعنى الخصائص المائية للتربة، تتمثل فى حركة التصريف الداخلى للمياه الجوفية فى الصحراء الغربية، والتى تتحرك من الجنوب إلى الشمال، فتتركز فى سيوة لانخفاضها عن سطح الأرض، أما الثانية جيولوجية، حيث تعانى بعض الآبار من تشقق فى صخورها، يسمح بتسرب المياه الى الأراضى المحيطة، وبالتالى تفيض عن حاجة الزراعات، فتذهب إلى البحيرات.
تقرير مركز بحوث الصحراء قال إن من بين الجهود الحكومية لتقليل منسوب بحيرات الصرف فى عام 1997، هو مشروع «المصرف القاطع» الذى كان تحت مسؤولية الهيئة المصرية العامة لمشروعات الصرف بتكلفة بلغت 7.994 مليون جنيه، و800 ألف جنيه، ويعتمد المشروع على التخلص من مياه الصرف الزائدة بتصريفها خلف الكثبان الرملية التى تغطى الجزء الجنوبى الغربى للواحة.
وبسبب تدفق المياه الجوفية من العيون المدفونة فى الأرض أثناء الحفر لهذا المشروع، تعذر الاستمرار فيه، ولم يتم إنشاء مصرف الكثبان، وتم الاكتفاء بحفر المصرف القاطع، ورفع المياه من المصرف لبركة سيوة مما زاد ارتفاع منسوب مياه بركة سيوة وعدم قدرة البخر على التخلص من مياه الصرف الزائدة، خصوصا فى فصل الشتاء.
أضرار الصرف الزراعى تخطت مرحلة التأثير على إنتاج الأراضى المزروعة، وانتقلت لتضرب أساسات المنازل المبنية من الطوب الطينى الذى يميز الطابع المعمارى للواحة، ويقول المحامى خالد مسلم: مشاكل الصرف الزراعى تؤرق البلد حاليا، ونشعر بالمياه تحدث تجويفات فى الأرض الزراعية والمبانى، بسبب الحلول الشكلية ولا تجدى.
ويضيف يمكن حل المشكلة بمضخات ضخمة تنقل المياه من بحيرات الصرف عبر «مجارى» إلى منخفض القطارة القريب أو استصلاح الأراضى فى الطريق الصحراوى بين سيوة ومرسى مطروح.
مشكلة الصرف الزراعى التى تؤرق أهالى الواحة، تلازمها مشكلة أخرى تتعلق بروى ظمأهم، وهى أزمة مياه الشرب، فحسبما يقول مسلم «فى الوقت الذى تعانى فيه مصر من نقص المياه نعانى نحن من كثرتها، لكننا فى نفس الوقت لا نستفيد منها بشكل جيد، حيث تعانى آبار أخرى من وجود شوائب فى مياه الشرب، وهو ما يحتاج إلى محطات تنقية من الشوائب، لأنها تأتى مباشرة من الآبار، بما تحمل من معادن ونضطر لتخزينها فى خزانات لأيام حتى تترسب شوائبها ونستطيع الشرب، وهذا الأمر زاد من نسبة المصابين بأمراض الكلى.
مياه الآبار الطبيعية فتحت المجال لخمسة مصانع لإنتاج المياه المعدنية الطبيعية من آبار سيوة، وزادت إنتاجيتها بحفر بئر جديدة بقرية الجارة التى تبعد 120 كيلو مترا عن الواحة، لكن البئر التى تسمى عين كيجارة خرجت عن السيطرة وزاد ضخها للمياه، وكونت بحيرة عذبة حولها دون استفادة حقيقية منها.
هذه المصانع لم تقدم أى خدمات لأهالى الواحة، التى تنتظر مشروع تنقية مياه الشرب ومد شبكات الصرف الصحى الذى بدأ فى عام 2002، وكان من المقرر له أن ينتهى فى 2007 ولكن حتى الآن انتهت وزارة الإسكان المسؤولة عن مد الشبكات من %22 فقط من المشروع فى منطقة الدكرور إحدى مناطق مدينة سيوة.
أبوالقاسم سليمان موظف بمجلس مدينة سيوة يقول: أضطر إلى ترك المياه فى زجاجات أياما حتى يستطيع هو وأسرته شربها أو طهى الطعام بها، مضيفا: «إذا تركت صنبور المياه مفتوحا لدقائق يتحول لون الحوض إلى اللون الأحمر بسبب الصدأ والمعادن المخلوطة بالمياه».
ويضيف: «نحتاج إلى محطة معالجة وتصفية المياه من المعادن، وطلبناها من مسؤولى محافظة مطروح أكثر من مرة ولكن لا مجيب».
الأمر نفسه بالنسبة لعبدالله عسة عامل ولكنه «يتخوف أكثر من الأمراض التى تنتقل بسبب تلوث المياه مع ضعف الخدمات الطبية بألواح».
وتزداد متاعب عسة بأزمة تواجه أولاده الذين يضطرون للسير لمسافة 3 كيلو مترات يوميا للذهاب إلى المدرسة لأنه يسكن بتجمع أبوبكر الصديق الذى يطالب ساكنوه بتوفير مدرسة ابتدائية تريح تلاميذها من السير يوميا إلى مدرسة سيوة الابتدائية، بدأت الاستجابة لطلباتهم مؤخرا، وبدأت مديرية التربية والتعليم فى بناء المدرسة التى ستبدأ العمل مع العام الدراسى المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.