يبدو أن قرار إيران في الانخراط البناء مع مجموعة 5+1، لا رجعة عنه، رغم استمرار وزارة الخزانة الأمريكية في تنفيذ العقوبات عليها، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في 15 ديسمبر 2013 عن ضم قائمة جديدة من الأفراد والشركات إلى القائمة السوداء التي تضم الجهات التي لا تلتزم بالعقوبات المفروضة على إيران، ومنها شركة Mid Oil Asia، وشركة Singa Tankers، وشركة Ferland Company Limited. وهذا ما يشير إليه حديث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن إيران ستواصل "بجدية" المفاوضات، وأن خطوة الخزانة الأمريكية هي "تقلبات" توقعتها إيران، ولكنها لن تثنيها عن الاستمرار في المفاوضات مع الغرب. إيران الجديدة؟ يعكس الرد الرسمي للحكومة الإيرانية على خطوة الخزانة الأمريكية والذي تمثل في عدم إعلانها وقف المفاوضات مع الغرب لحين التراجع عن الخطوة الأخيرة مثلا، فضلا عن تأكيدها المعلن على استمرارها في المفاوضات، واكتفائها بالانسحاب من اجتماع جنيف الذي عقد في 14 ديسمبر 2013، عن أن هناك تحولا حقيقيا في توجهات إيران تجاه الغرب والولاياتالمتحدة، ويبدو أن تكلفة الرجوع في هذا التوجه، وإتباع سياسات العداء مع الغرب ستكون مرتفعة، سواء من الناحية الاقتصادية، أو الناحية السياسية، وهو ما يؤسس لتشكل "إيران جديدة" في المنطقة. فعلى الرغم من تعالي أصوات التيار المتشدد في إيران ردا على العقوبات الجديدة، والذي طالب بعدم الالتزام "باتفاق مهين"، كما تحدثت صحيفة كيهان المحافظة عن أن اتفاق جنيف هو اتفاق "شبه ميت"، فعلى الرغم من ذلك، لم يصدر عن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئي حتى الآن ما يفيد برجوعه عن دعمه لسياسات الرئيس حسن روحاني وللفريق المتفاوض مع مجموعة 5+1. إلى جانب ذلك، لم تعلن إيران عن "تجميد" اتفاق جنيف، واكتفى عباس عراقجي، أحد المفاوضين الإيرانيين، بوصف العقوبات على أنها مخالفة ل"روح" اتفاق جنيف،خاصة وأنه نص على تجنب فرض عقوبات جديدة على إيران طالما التزمت بما ورد في الاتفاق فيما يتعلق بأنشطتها النووية، كما نص على إمكانية تجميد مزيد من العقوبات مع تقدم المفاوضات. -إرضاء الخليج؟ يمكن فهم السلوك الأمريكي في سياق ردود الفعل على اتفاق جنيف النووي، فمن ناحية لم يسعد التوصل لهذا الاتفاق التيار المتشدد في داخل الولاياتالمتحدة، والذي كان يرى ضرورة الاستمرار في فرض العقوبات على إيران، وعدم تجميد بعضها كما نص اتفاق جنيف، حتى تضمن واشنطن عدم تطوير إيران السلاح النووي، وفي هذا الإطار، حرصت الادارة الأمريكية على التأكيد منذ التوصل للاتفاق في 24 نوفمبر 2013 ، على أن ما ورد فيه فيما يتعلق بتجميد بعض العقوبات، قابل للتراجع عنه، وأن الاتفاق مجرد خطوة أولى، يمكن الرجوع فيها. ومن ناحية ثانية، لم ترحب دول الخليج بهذا الاتفاق دون "حذر"، كما أن السعودية عبرت عن تحفظها على هذا الاتفاق وما يترتب عليه من تداعيات سياسية متعلقة بالنفوذ الإيراني في المنطقة، ولعل هذا يفسر حرص وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل على أن يؤكد في كلمته في حوار المنامة 6-8 ديسمبر 2013، على تطمين دول الخليج، بالتزام الولاياتالمتحدة بتأمين منطقة الخليج، من خلال نظام الدفاع الصاروخي، رغم التوصل لاتفاق جنيف النووي مع إيران، خاصة في ظل تزايد "قلق" دول الخليج، من أن هذا الاتفاق سيترتب عليه تساهل واشنطن مع التهديدات التي تطرحها إيران على أمن هذه الدول. وبالتالي، كان استمرار الإدارة الأمريكية في تنفيذ العقوبات، رسالة لدول الخليج، كما هي للتيار المتشدد في داخل واشنطن، بعدم التساهل مع المخاطر التي تفرضها إيران، ولكن يلاحظ أن إرسال هذه الرسالة، صاحبه توجيه رسالة أخرى لإيران، تقضي بعدم تراجع الولاياتالمتحدة عن مسار المفاوضات، أو عن اتفاق جنيف، حيث حرص المتحدث باسم البيت الأبيض على التأكيد على أن توسيع القائمة السوداء لا يخالف ما تم الاتفاق عليه في اتفاق جنيف، وهو ما يمثل رد واضح على الجانب الإيراني، وعلى روسيا التي أيدت ما ذهبت إليه إيران من أن هذه الخطوة تعارض روح اتفاق جنيف. ويظل التحدي الحقيقي الذي يواجه الإدارة الأمريكية، مرتبط بما ستنتهي إليه مناقشات الكونجرس، حول فرض عقوبات جديدة على إيران، في حال انتهاء مهلة الستة أشهر دون التوصل إلى تقدم في المفاوضات، ويتبنى هذا التوجه عدد من الأعضاء من بينهم جون مكين، وما إذا كانت قادرة على أن تجعلها تدور في فلك العقوبات التي تنفذها وزارة الخزانة الأمريكية، دون أن يضر ذلك بمسار المفاوضات.