تعتبر زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز، والتي تعد أول زيارة رسمية لمسئول أمريكي لمصر منذ الموجة الثورية الثانية في 30 يونيو 2013، مؤشرا مهما على موقف الإدارة الأمريكية من المرحلة الانتقالية الجديدة التي تمر بها مصر، مع ملاحظة أنه رغم ما يعنيه ذلك من دعم واشنطن للعملية الانتقالية في مصر، إلا أنه لا يزال هناك دوائر داخل واشنطن من الواضح أنها تضغط من أجل تغيير الموقف الأمريكي، أو على الأقل التدخل من أجل حماية الأخوان المسلمين. - نظام يمثل فيه الأخوان المسلمين: رغم تأكيد الإدارة الأمريكية أنها لا تدعم أشخاصا في مصر، وتأكيد بيرنز "لا نود أن ننحاز لحزب معين أو جهة معنية، ولكننا منحازون للشعب المصري والمبادئ الديمقراطية"، إلا أنه من الواضح أن الإدارة تسعى لحماية الأخوان وضمان استمرارهم كقوة سياسية في مصر، وفي هذا السابق يمكن رصد عدد من الملاحظات. تتعلق الملاحظة الأولى، بأنه أصبحت وزارة الخارجية الأمريكية وبدرجة ما البيت الأبيض يدركان خطورة عدم دعم المرحلة الانتقالية في مصر، وخطورة الانسياق وراء بعض التيارات في واشنطن التي تتبنى خطاب الأخوان المسلمين، ولذا حرص بيرنز على تجنب الحديث عن كون ما حدث انقلاب أولا، وفضل استخدام تعبير "فرصة ثانية"، وعن الحديث عن مستقبل المرحلة الانتقالية، ويعد لقائه مع قيادات الحكومة الانتقالية، مؤشر على أن الجهات التي يعبر عنها بيرنز لم تعد متمسكة بعودة مرسي لسدة الحكم. وتتعلق الملاحظة الثانية، بأن حديث وليام بيرنز يشير إلى أن الادارة الأمريكية لا تتفق وتقييمات الأخوان المسلمين من أن الجيش المصري عازم على التعامل مع الأخوان المسلمين بذات طريقة بشار الأسد في التعامل مع المعارضة السورية، حيث أشار إلى أنه " لا أعتقد أن هناك احتمالا لتكرار الخطأ في سوريا"، وهو ما يؤشر الى بداية تراجع تأثير الحملة الإعلامية التي تقودها الجماعة في الخارج. وتتعلق الملاحظة الثالثة، بأن هناك دوائر أكاديمية في واشنطن تتحدث عن احتمال تكرار سيناريو الجزائر في مصر، من حيث لجوء الجيش الى استئصال الأخوان المسلمين، والإلقاء بهم في السجون، ويبدو أن واشنطن لا تريد هذا النموذج ايضا، حيث أكد بيرنز على أهمية "الحوار" بين كل الأطراف، وأشار في حديثه إلى أنه من المهم "التأكد من شمول الجميع في كل مرحلة من مراحل خارطة الطريق. وتحقق ما تريده واشنطن يتطلب من ناحية، أن يستمر وجود تنظيم الأخوان في مصر، بقياداته التي استطاعت أن تطمئن الادارة الأمريكية طوال الفترة الماضية، وفي هذا السياق يمكن فهم حديث المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني في 12 يوليو الجاري عن ضرورة أن تتوقف أي عمليات اعتقال منظم لقيادات جماعة الأخوان، وقد صاحب ذلك تصريح مماثل للأمين العام للأمم المتحدة، ومطالبة الحكومة الألمانية بإرسال منظمة مستقلة للقاء محمد مرسي، والتي تشير عدة تقديرات إلى أنها تحركت بواعز أمريكي. كما أنه يتطلب قدرا من الانفتاح من قبل جماعة الأخوان تجاه محاولات المصالحة الوطنية، والتي تحرص الحكومة الانتقالية في مصر على اتمامها، ولكن من الواضح أن الجماعة لم تحسم أمرها بعد، ولاتزال تفضل أن تتبع استراتيجيات أخرى شبيهة بحروب الشوارع، حتى تخل بميزان القوى القائم حاليا. فرغم ما تشير إليه الجارديان من قيام وزير التنمية المحلي السابق محمد علي بشر من الاتصال بالجيش من أجل التوصل إلى "حلول وسط"، تحدث عصام العريان القيادي في الجماعة عن رفض الجماعة أي محاولة للمصالحة مع من أسماهم "الانقلابيون". ويستند هذا الموقف الأمريكي، على أن استقرار مصر يعد مصلحة حيوية لواشنطن، وأن تحقق هذا الاستقرار لن يتحقق باستبعاد الأخوان المسلمين من العملية السياسية، التي رأي بيرنز أنها من "أقوى القوى السياسية" في مصر، ولن يتحقق كذلك بسيطرة الجيش على العملية الانتقالية من خلال الدولة العميقة، ولذا تسعى واشنطن لتحييد أي دور سياسي للجيش خلال هذه المرحلة، ويستند هذا الموقف على أن ما يجري في مصر هو صراع بين الجيش والأخوان الأكثر تنظيما من غيرهم والذين يمتلكون اعضاء يقدرون ب 250 ألف وفق تقديرات معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني. -تأثير الأخوان على واشنطن: من الواضح أن هناك لوبي أخواني استطاع أن يؤثر على السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتجاه مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، من خلال تأثيره على بعض الأجنحة داخل الحزب الديمقراطي، إلى جانب اختراقه بعض المؤسسات الأمنية. وتشير دراسة نشرها معهد Gatestone في أبريل 2013، إلى أن اختراق هذا اللوبي لهذه المؤسسات الأمنية تم من خلال قدرته على تحقيق نوع من "السيطرة المعلوماتية"، ونجاحه في الدفع ببعض الشخصيات المنتمية لجماعة الأخوان المسلمين والمنظمات المختلفة التابعة لها في الولاياتالمتحدة، لتحتل مناصب مؤثرة في الإدارات الأمريكية منذ عهد بيل كلينتون. وتشير هذه الدراسة إلى بعض الأسماء مثل رشاد حسين الذي عمل كمبعوث للرئيس أوباما لمنظمة التعاون الاسلامي، وهوما عابدينHuma Abdein التي كانت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، وفي تقدير هذه الدراسة أن هذه الشخصيات وغيرها قد لعبت دور مؤثر في سياسات أوباما تجاه الربيع العربي، الذي عبر عن "صحوة" للإسلاميين في المنطقة، باتجاه دعم صعود الإسلاميين في الدول التي شهدت تغييرا ثوريا. وقد أثار هذا الدور المتزايد مخاوف عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي، حيث وجه كل من مايكل باكمان، وترينت فرانكس، ولوي جوهمرت، وتوم روني، ولين ويستمورلاند رسالة إلى الإدارة الأمريكية والمؤسسات الأمنية في يونيو 2012 تحذر من تزايد تأثير هذه العناصر على السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. رغم أن الموقف الرسمي المعلن للإدارة الأمريكية مؤيد للعملية الانتقالية التي تمر بها مصر، إلا أن استمرار الضغوط التي يمارسها اللوبي الأخواني على الإدارة الأمريكية، فضلا عن استمرار نشاط الدعاية الأخوانية، قد يؤدي إلى صدور رسائل متعارضة من واشنطن حول الوضع في مصر خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا ما استمر الأخوان في تصعيد أعمال العنف في الشارع، دون أن يعني ذلك تراجعا عن دعم العملية الانتقالية في مصر.