عبد الرحمن يوسف القرضاوى، لعل هذه الجملة في حد ذاتها كفيلة بإثارة غضب الشاعر والأديب عبد الرحمن يوسف، نجل العلامة يوسف القرضاوي، الذي دائما ما أصر على أن يُقدّم باسمه ثنائيا، متنازلا طواعية عن باب سهل للشهرة مفتوحا أمامه على مصراعيه، ومُفضلا في الوقت نفسه أن يطرُق أبوابا أخرى يقدم نفسه فيها باعتباره شاعرا ومعارضا بالدرجة الأولى. هذا الغضب تجلى بصورة واضحة أثناء لقاء يوسف مع الإعلامي عمرو أديب على قناة أوربت منذ عامين، ورغم أن السبب المعلن لهذا الغضب الهادر هو أن معدي البرنامج اعتبروه شاعرا مصريا قطريا –رغم أنه تخلى عن جنسيته القطرية عام 2003- إلا أن آخرين أكدوا أن ذكر اسمه الثلاثي من ضمن ما أثار غضبه، وانتهى الأمر باحتداد أديب عليه وخروج الأول من البرنامج غاضبا. جولة واحدة بين صفحات الإنترنت الافتراضية التي وضعت الابن ووالده في جملة مفيدة، ربما تعطي إشارات متذبذبة حول حقيقة العلاقة بين الاثنين، قد تراها أحيانا متوائمة، وأحيانا أخرى مرتبكة، وأحيانا كثيرة متصادمة، ولكن التدقيق في نتائج البحث عن هذا الموضوع سوف يعطيك بالتأكيد عنصرا مشتركا بين كل هذه الاختيارات ألا وهو الاحترام. وأول نتيجة من نتائج البحث تلك بالتأكيد ستكون مقالة الشاعر المنشورة بموقع اليوم السابع بتاريخ الأحد 7 يوليو بعنوان "عبد الرحمن يوسف القرضاوى يكتب: عفوا أبى الحبيب.. مرسى لا شرعية له"، وقبل أن نتناول رسالة الابن للأب لا مانع أولا من أن نلقي بصيصا من الضوء على فتوى سبقت هذه المقالة للعلامة بيوم واحد يفتي فيها بالتالي: - ضرورة مساندة الرئيس مرسي لاستعادة "شرعيته" - ضرورة انسحاب الجيش من المشهد السياسي لأن تدخله ضد الديمقراطية والدستورية والمتابع لعبد الرحمن يوسف منذ أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك بالتأكيد لن يستغرب أن يتخلف رأيه ورأي والده في هذا الشأن وبالتالي كتب له مقالة بالعنوان سالف الذكر استهلها بافتتاحية تؤكد على المعزة والتقدير، التي يحملها له وينفي بها أي شبهة عقوق أو خروج عن الطوع قائلا: "أبي العظيم فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوى.. عرفتُكَ عالمًا جليلا وفقيهًا موسوعيًا متبحرا، تعرف أسرار الشريعة، وتقف عند مقاصدها، وتبحر في تراثها، ونحن اليوم في لحظات فاصلة في تاريخ مصر، مصر التي تحبُّها وتعتز بها، حتى إنك حين عنونت لمذكراتك اخترت لها عنوان "ابن القرية والكُتَّاب"، وأنا اليوم أخاطب فيك هذا المصري الذي ولد في القرية، وتربى في الكتّاب". واعترف عبد الرحمن في مقاله بأنه لولا أن ما صدر عن والده فتوى ما كان وجد منه ردا ولا كتب حرفا إلا أن "في ميدان رابعة العدوية الآن مئات الآلاف من الشباب المخلص الطاهر، وهم طاقة وطنية جبارة، سيضعها بعض أصحاب المصالح وتجار الدم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل". فبحسب مقالة يوسف المقارنة بين وضعيتي وجيلي محمد مرسي ومحمد حسني مبارك غير متكافئة وغير دقيقة، وأن الحرية مقدمة على الشريعة التي هي الأخرى لا ترضى بأن يتعاهد مرسي مع من بايعوه على شئ دون أن يلتزم بها، مستدلا في ذلك بأراء فقهية قالها والده نفسه. وعلى الرغم من مخالفة المقالة من حيث الرأي والتوجه لرأي الوالد إلا أنها تعطي مؤشرا عن احترام مهيب يكنه يوسف تجاه هذا الرجل، وقد تجلى ذلك في إصراره على التأكيد على علم الشيخ ومكانته الكبيرة وفضله عليه وعلى شخصه انتهاء باستخدامه مصطلح أبي في أكثر من مكان بالمقالة. ربما لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يختلف فيها الشاعر عبد الرحمن يوسف مع والده في آراء سياسية يرى الأول أن لا مانع في أن تختلف وتتضاد طالما كانت مجرد آراء، ونعني هنا على وجه الخصوص فيما يتعلق بالاحتجاجات العارمة التي شهدتها البحرين منذ أعوام ومع بداية نسمات الربيع العربي. وقال القرضاوي وقتها: إن ما يحدث في البحرين حاليا ليس ثورة شعب.. بل ثورة طائفية، واستقواء بالخارج، وليست مطالب شعب بأكمله، وإنما خروج فئة عن فئة لفرض مصالحها بالقوة". ولكن عبد الرحمن يوسف الذي ولد في 18 سبتمبر عام 1970 في قطر لم يشأن أن يحتفظ برأيه لنفسه في هذا الشأن فكتب مقالا بعنوان: "يحدث فى البحرين" قال فيه: "إن ما يحدث فى البحرين ظلم بيّن، سواء سميناه ثورة أم لم نسمه، المهم أن هناك مطالبات عادلة، رفعت على مدار سنوات وسنوات ولم يستجب أحد، وهى الآن تتحرك فى الشارع بشكل سلمى تماما، وقد ووجهت هذه المطالبات العادلة بعنف وقمع شديدين". وقد تداولت مواقع عديدة هذا المقال باعتباره مخالفا لرأي الوالد، الذي كان موقفه تجاه هذا الشأن واضحا وصريحا، إلا أن المقالة لم توجه للقرضاوي أو تأتي على ذكره بأي صورة على الإطلاق. كل ما سبق قد يعطي انطباعا زائفا أن العلاقة بين الاثنين ربما مصابة بشئ من الكدر والاختلاف البين إلا أن الحقيقة أن عبد الرحمن يوسف أثبت في أكثر من موقف أنه على استعداد أن يهاجم من يتجرأ على تناول سيرة أو قدر أبيه بكل ما أوتي من شراسة وحدة. ولا أدل على ذلك أكثر من موقفه من مقالة رئيس تحرير الأهرام عبد الناصر سلامة بتاريخ 28 ديسمبر من العام الماضي بعنوان "آن للبرادعي والقرضاوي أن يخرسا"، حيث هاجم عبدالرحمن سلامة فى ندوة بمجلة الشباب، ثم فى أحد البرامج التليفزيونية. "أبي الحبيب.. لقد ربيتنا نحن أبناءك على الحرية واستقلال الفكر، وإني لفخور بك قدر فخرك بنا وأكثر، وإني لأعلم أن هذه المقالة سوف تدفع بعض العبيد لقراءتها بمنطق العقوق".. هكذا يلخص يوسف علاقته بوالده، مغلقا السبيل على كل من يظن فيها عقوقا أو تبعية عمياء.