قال سلامة كيلة المناضل الفلسطينى: إن واقع الثورات العربية يؤشر بشكل واضح إلى أن المشكلات الأساسية التى تحركها هى مشكلات اقتصادية واجتماعية، مؤكدا أن هذا لا يعنى أى انتقاص من أهمية الديمقراطية والحرية، ولكننا يجب أن ندرك المحركات الأساسية التى حركت كل تلك الشعوب متمثلة فى البطالة العالية والفقر الشديد. وأوضح كيلة فى حوار خاص مع "بوابة الأهرام" على هامش مشاركته فى مؤتمر "اليسار والثورات العربية" الذى تستأنف جلساته اليوم بالقاهرة، أن هذه الرؤية تجعلنا نتأكد أن الحراك الشعبي فى حاجة شديدة لتغيير اقتصادى واجتماعى كبير. واعتبر المناضل اليسارى أن اليسار عموما ضاع فى متاهات سياسات خاطئة فى الماضي مما أدى إلى تهميشه وعزله عن الشباب والحركة المجتمعية بشكل كبير، إلا أن الواقع الموضوعى الحالى يدفع إلى تأسيس يسار حقيقي يفهم مشكلات الجماهير ويتفاعل معها لأنه الوحيد القادر على بلورة بديل حقيقي يقدم حلولا لتلك المشكلات حتى ولو لم يكن متواجدا تنظيميا على الرغم من إعادة تشكيله الآن من الشباب الذى بدأ الثورة، والذى بتجريبيته يطور وعيه باستمرار، مؤكدا أن البديل هو اليسار لأنه يحمل مشروعا مجتمعيا اقتصاديا كاملا. وقلل كيلة، من أهمية الاتهامات المتكررة التى تكال دائما لليسار بالعمالة والكفر والإلحاد، مشيرا إلى أنها كانت تنجح عندما كان اليسار لا يستطيع التعبير عن مشكلات الناس ومطالبهم إلا أن الوضع بات مختلفا الآن لأن اليسار أصبح قادرا على تبنى مطالب الجماهير والدفاع عنها، حسب قوله، معتبرا مصر نموذجا عبر ميل الشباب نحو اليسار وتبنيهم شعارات الثورة من حرية وعدالة اجتماعية وحرصهم على استكمالها للنهاية ورفضهم للسلطة الدينية والتيارات الليبرالية. رفض ما يوجه من انتقادات لليسار حول كونه قد يصبح تيارا إقصائيا لغيره إذا ما وصل للسلطة، مضيفا "أى تيار يصل للسلطة يمكنه أن يصبح إقصائيا وهو ما نراه الآن من التيارات الدينية ولكننى ضد هذا فأى تيار أو قوى قادرة على المشاركة بفاعلية يجب أن تحظى بفرصتها لأن هذا هو جوهر المشاركة السياسية الديمقراطية ومع تطور التكنولوجيا وتغير العالم لن يكون هناك نظام استبدادى قادر على الاستمرار وأى نظام يقيمه اليسار بالضرورة يجب أن يكون ديمقراطى". تابع قائلا "ولكننا يجب أن نفرق بين الليبرالى واليسارى، فالليبرالى يعتقد أنه قادر على أن يقيم ديمقراطية دون تغيير النمط الاقتصادى أو الاجتماعى مع وجود نمط ليبرالى منفتح وهذا فى رأيي يعنى شكلا مشوها من الديمقراطية كما كان فى عصر مبارك، وكما يحدث الآن، حيث يسير الإخوان المسلمين فى مصر على نفس الخطى، فى المقابل اليسارى يؤمن أن تغيير النمط الاقتصادى يجب أن يرتبط بالضرورة بتحقيق ديمقراطية حقيقية تعبر عن الناس ومن ثم فهو يستطيع أن ينجح النظام الديمقراطى فهو لا يميل للإقصاء كما أنه يرفض خدمة مصالح ضيقة لفئات تريد أن تحظى بامتيازات سياسية واقتصادية على حساب الغالبية العظمى من الكادحين لأنه يسعى لتوزيع عادل للثروة". وحول أزمة اليسار السورى أوضح المفكر الذى تعرض للتعذيب فى سجون سوريا على خلفية انتقاداته للنظام هناك أن اليسار فى سوريا شأنه شأن اليسار العربي مشتت ومهمش إلا أن الثورات العربية أتت بمفاجأة منحته فرصة جديدة للصعود يجب عليه أن يستغلها، منتقدا بعض تيارات اليسار السورى التى تدافع عن نظام الأسد كبعض الأحزاب الشيوعية المشاركة بالسلطة، مؤكدا أنه لا يعتبرها محسوبة على اليسارلكونها تدافع عن سلطة تسحق الشعب وهذه سوف يكون مآلها التلاشي في سياق تطور الثورة وانتصارها، خصوصاً أنها فقد قاعدتها وباتت دون "شعبية" لم تكن لها أصلاً. أشار إلى وجود قوى آخرى فى المعارضة تكيفت مع التبلورات السياسية الواقعية واندمجت فى التحالفات السياسية الحالية التى تراهن على حل عبر التفاوض مع السلطة مما يجعلها خارج إطار الثورة وغير مقبولة من الشعب السورى، بالإضافة إلى قوى آخرى تستدعى تدخلا خارجيا فى الأزمة السورية، معتبرا كل هؤلاء أضروا بالثورة. واختتم قائلا: "هناك إشكالية معقدة فى وضع اليسار السورى ولكن الأهم هو الحراك على الأرض فقد شهدنا مشاركة كثير من اليساريين سواء كانوا قواعد فى أحزاب المعارضة أو كتل غير منظمة من اليساريين وهو ما يؤدى لتبلورات يسارية جديدة يمكن اعتبارها عمليا جزءا من الثورة السورية وهذا ما سيؤسس بديل يسارى حقيقي فى سوريا على الرغممن كون تلك التجمعات مازالت مشتتة وتحاول بناء تحالف بينها".