لم تكتف بعض أطراف المشهد السياسي بحالة الاحتقان الداخلي بسبب افتقاد الإجماع والتوافق السياسي على مجمل القضايا المتصارع عليها فحسب، وإنما حاولت اللجوء للخارج بقصد الاستقواء به وتعزيز مراكزها السياسية في لعبة الصراع الداخلي، بما ما يحمله هذا من تهديدات ومخاطر، مصر في غني عنها بمثل هذا التوقيت السياسي. ولذا لم يكن من الغريب أن تواجه دعوة رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية من قبلها رسالته للرئيس الأمريكي باراك أوباما لحماية القضاء المصري، بحالة رفض بسبب استدعاء مبدأ التدخل الخارجي بالشأن المصري مهما كانت عمق الخلافات فيه، وأن بررها بالبعض بسبب انسداد أفق الحل الداخلي. في البداية نشير لنقطة مهمة متعلقة بالولاية القانونية للمحكمة الجنائية على مصر، إذ يشير الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة إلى أن محكمة لاهاي ليس لها ولاية قضائية علي أي جرائم ترتكب بمصر، لكون مصر ليست طرفاً بمعاهدة روما ولم توقع عليها، والحالة الوحيدة للولاية السياسية على مصر لمجلس الأمن، كأن يصدر قراراً دولياً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة بإحالة ما اعتبره الزند جرائم ضد الإنسانية للمدعي العام للجنائية الدولية بشرط صدور قرار من مجلس الأمن بهذا الصدد، وهو أمر شبه مستحيل بالحالة المصرية. ونبه إلي أن هناك العديد من المنتديات الحقوقية والقانونية التي تعني بحقوق الإنسان بشكل عام واستقلال القضاء بشكل خاص بالعديد من دول العالم، يمكن لقضاة مصر اللجوء إليها والتظلم من الهجمة الشرسة غير المسبوقة ضد استقلال مؤسسة القضاء وهيبتها في مصر. وضمن هذا السياق، أكد علاء شلبي الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان أن محاولات الزند باللجوء للمحكمة الجنائية الدولية تفتقد التطبيق الفعلي على أرض الواقع، لكون المحكمة لا تنظر بالدعاوى المرفوعة إليها إلا عبر آلتين: الأولى، أن تكون الدولة التي وقعت فيها الانتهاكات طرف بميثاق المحكمة، ومن ثم لها ولاية قضائية عليها، والثانية: أن يحيل إليها مجلس الأمن القضية بموجب قرار دولي يتوافر فيه الإجماع داخل المجلس، الأمر الذي لم يتحقق بالحالة المصرية، إضافة إلى أن ما أشار إليه الزند لا يمكن أن يدرج في بند الجرائم ضد الإنسانية أو تهديد الأمن والسلم والدوليين. إلا أن شلبي دعا السلطة الحاكمة للنظر بموضوعية في تزايد حالات الانتهاكات ضد المتظاهرين أو تلك التجاوزات ذات طابع المؤسسي وهي تجاوزات جسيمة، وتحديدًا الأخيرة التي تمس السلطة القضائية التي يعول عليها لحماية حقوق المواطنين والشأن الداخلي. وقال: ما حدث ضد المتظاهرين ووقوع عمليات قتل وتعذيب تعتبره المنظمات الدولية والعربية سجل سيء للنظام الحالي مما قد يقود المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات قوية ضد مصر قد يفتح الباب لإمكانية قيام مجلس حقوق الإنسان الدولي بإنشاء مقرر خاص لمتابعة الأوضاع بمصر وما يحمله من إمكانية إحالة ملف مصر لمجلس الأمن، ولذا يجب عدم الاستهانة بإمكانية التدخل الدولي. وأضاف أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية له الحق النظر أو التحقيق بأي دعوى مرفوعة إليه من دولة ليست عضو بالمحكمة، ما يعطي ذريعة لمجلس الأمن بالتدخل.إلا أنه رفض فكرة استدعاء الخارج للتدخل بمصر. واتفق مع تلك الرؤية محمود كيبش أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، الذي أكد أن الانتهاكات التي شهدتها مصر مؤخراً بمثابة جرائم دولية، وأن ما فعله الزند أتى بعدما فقد القضاة الأمل في حماية المؤسسة القضائية داخليًا، وهي مأساة أن تصل الأمور الداخلية لهذا المنحى الخطير من التصعيد. وهذا التصرف الاضطراري ما كنا نتمناه، إلا أن تصرف ومسلك لا يعيب القضاة إنما يعيب مؤسسات الدولة التي حرمتهم من الأمان. فيما اعتبر اللواء علاء عز الدين مدير مركز الدراسات الإستراتيجية مركز مستقل، لجوء الزند للمحكمة الجنائية، أمر طبيعي لكونه لم يجد في مصر من يدافع عن القضاة والقضاء واصفًا ما يحدث بأنه اعتداء سافر علي الهيئة القضائية، وهو ما لا يقبله أي مصري وطني، إلا أنه أكد رفضه اللجوء للخارج واستدعاء قوى دولية للتدخل بالشأن المصري، كما انتقد تلويح القوى الإسلامية بإراقة الدماء واستخدام القوة ووصفها بكونها تسيء للإسلام. فيما برر عمرو على أمين الإعلام بحزب الجبهة الديمقراطية، هذا المسلك من جانب الزند بسبب ما اسماه بالهجمة الشرسة التي يتعرض لها القضاء من جانب القوى الإسلامية ومساعي أخونة مؤسسات الدولة. وأضاف أن مشروع القانون للسلطة القضائية المقدم من حزب الوسط يسعي إلى التخلص من نحو 3000 قاض وعمل دفعات استثنائية لتسكين المنتمين للإخوان في مناصب بالقضاء. وطالب القضاء بالقيام بتقديم بمشروع للسلطة القضائية بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية. وفي تطور جديد تقدم حزب البناء والتنمية ببلاغ للنائب العام المستشار طلعت عبد الله يتهم فيه الزند بالاستقواء بالخارج والدعوة للتدخل الخارجي وتحريض الإدارة الأمريكية على التدخل بالشأن المصري. وطالب خالد الشريف المستشار الإعلامي للحزب، برفض واستنكار المحاولات التي يقوم بها الزند سواء التحريض الخارجي أو العدوان على السلطة التشريعية. وقال إن الحزب إذا كان يرفض وجود مذبحة للقضاة، فإنه في نفس الوقت يرفض استخدام القضاء لذبح الثورة. إذ لا يمكن بذبح الثورة على يدي بعض القضاة أو السكوت على بعض الأمور التي تحتاج لإصلاح داخل المنظومة القضائية فنحن مع حماية الثورة واستقلال القضاء. كما وصف الدكتور محمد محسوب نائب رئيس حزب الوسط مساعي الزند بكونها تفتقد للكرامة الوطنية وتستحق المحاسبة السياسية والقضائية. إلا أن أعنف هجوم تعرض له الزند كان من جانب القوى الثورية التي اعتبرت أن لجوء القضاة للاستقواء بالخارج بمثابة جريمة في حق الوطن، حيث قال خالد المصري المتحدث باسم حركة شباب 6 إبريل أن لجوء الزند للخارج جريمة بكافة المقاييس، مطالبًا القضاة بعدم الاستسلام لمحاولات هدم مؤسسة القضاء، وأن المعركة داخلية وليست خارجية، وفي نفس الوقت يجب على القضاة أنفسهم التصدي لمعركة تطهير القضاء وليس هدمه. فيما اختلف معه هيثم الشواف منسق تحالف القوى الثورية، حيث اعتبر اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية قمة الأعمال السلمية لا يوجد ضرر فيها، وفي نفس الوقت دعا القضاء أن يأخذ مواقف أكثر حدية وأن يصدر قرارات وأحكام نابعة من ضميرهم ولا يستكين أو يضعف أمام النظام. كما تبرأت حركة قضاة من أجل مصر من مسلك الزند وأعربت عن دهشتها من الزند الذي يرفض تدخل الرئيس المصري في شئون القضاة في حين يدعو الرئيس الأمريكي للتدخل. وأكدت الحركة في بيان لها، اليوم الثلاثاء، أنها تؤكد أن قضاة مصر مثال للوطنية، والتاريخ سطر مواقفهم السامية في خدمة وطنهم، وبالرغم من المحاولات الحثيثة لقطع جسر الثقة بينهم وبين الشعب، إلا أن مطالبة الشعب لهم بالإشراف على العملية الانتخابية لم تتأثر، والقضاة لم يتأخروا أبدا عن نداء الوطن ليبنى مؤسساته وينهض، فالقضاة يستقوون بمصر ولا يستقوون عليها. كما دعا البيان كل قاض شريف أن يبقى كما كان حصنا للوطن ولا يرضى أن يلبى دعوة من دعا إلى التدخل الأجنبي.