كانت سنة تخرُجه فى جامعة القاهرة 1967 هى نفسَ السنة التى احتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية، فعبّر عن ذلك فى كتابه الشهير (رأيت رام الله) بقوله : «نجحتُ فى الحصول على شهادة تخرّجى وفشلتُ فى العثور على حائط أُعلِّق عليه شهادتى».. هو شاعر فلسطين المُحلق وضميرها الحى مُريد البرغوثى، الذى وُلد بقرية دير غسانة قرب «رام الله» سنة 1944، وتلقى مراحل تعليمه الأولى بمدارسها، ثم انتقل إلى مصر، حيث التحق بجامعة القاهرة 1963 ليدرس الأدب الإنجليزى.فى أرض الكنانة تعرف شاعر «البدون الكونى»- فى إشارة إلى التعبير الذى وصف به نفسه - المُقيم فى الأوقات لا الأماكن، على الروائية رضوى عاشور، التى تميز مشروعها الأدبى ب «تيمات» التحرر الوطنى والإنسانى، فتزوجها، وأثمرت تلك الزيجة الشاعر الفذ تميم البرغوثى.اتسم مريد البرغوثى الذى غيّبه الموت مساء الأحد الماضى عن 77 عاما بغزارة إنتاجه الشعرى، حيث صدر له 12 ديوانا، وكتابان نثريان هما «رأيت رام الله»، و«وُلِدْتُ هناك.. وُلِدْت هنا». وفى كلمتها عن الفارس النبيل مريد البرغوثى، قالت الكاتبة الفلسطينية شوقية عروق منصور : بين تعب الترحال الفلسطينى، ومرارة رحيل الزوجة كان الموتُ على موعد معه، فقد دق بابه يوم «عيد الحب» (14فبراير) ليُنهى رحلة حملت بين أيامها الشقاء والوجع والخوف والملاحقة والأمنيات التى لم تتحقق.وعن شفافية روحه استشهدت شوقية عروق بما قاله البرغوثى لأصدقائه يوما: «اطمئنوا أيها الأصدقاء، أنا لن أتعب كلما اقتضى الأمر أن أتعب، لن أمرض بين فترة وأخرى، أنا سأموت دفعة واحدة». ولفتت عروق إلى أن زواج البرغوثى من رضوى عاشور منح حياته الأدبية توهجا إبداعيا، فقد رافقت الكاتبة زوجها فى كل خطواته الداعمة، والتحمت مع قضيته الفلسطينية، فأنتجت أدباً مميزا مثل «الطنطورية» وغيرها. وعن أيقونة الحب الشاعر الإنسان استشهدت د.جهينة عمر الخطيب - من فلسطين- بما قالته زوجته د. رضوى عاشور: «غريبٌ أن أبقى مُحتفظة بنفس النظرة إلى شخصٍ ما طوال ثلاثين عاما». وأضافت د. جهينة أن البرغوثى لم يقو بقلبه الكبير على فراق رضوى فرحل فى يوم الحب، بعدما عاش زمنا طويلا مُحلقا بجناحيه حُرا طليقا رغم الحصار، فهرع هو وأسرته - كما تقول جهينة - إلى الكلمة بعد أن فرقتهم الجغرافيا. وعن خصائص شعر مريد البرغوثى، ذكرت دراسة صادرة عن جامعة الخليل الفلسطينية، للباحثة نسرين عطا سالم، «أن شعره جاء نابضاً بالحيويّة والحركة والصّوت، فكانت قصيدتُه صورة مُكتملة الملامح واضحة المعالم، تحملُ فى ثناياها المشهد الفلسطينى الكامل». البرغوثى