رحم الله مؤرخنا الكبير الدكتور يونان لبيب رزق، الذى تحل فى تلك الأيام، الذكرى الثانية عشرة لرحيله، فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه، الى قراءاته المعمقة فى تاريخنا الحديث والمعاصر، وما أنتجه من دراسات أكاديمية مدققة، تجعله يحظى عن جدارة واستحقاق لقب جبرتى العصر الحديث. قدم المؤرخ الكبير الراحل، على مدى اكثر من عقدين، سياحة شديدة الرقى فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، عبر رئاسته وحدة الدراسات التاريخية بالأهرام، وصفحته الشهيرة الاهرام ديوان مصر المعاصرة، قبل أن يتولى رئاسة تحرير سلسلة التاريخ – الجانب الآخر التى أطلقتها دار الشروق مع نهاية التسعينيات، وأصدرت مجموعة من الدراسات التاريخية المنتقاة، لنخبة من المؤرخين المصريين، على اختلاف توجهاتهم الفكرية والأكاديمية، أمثال الدكتور احمد زكريا الشلق، ومحمد حافظ دياب، ولطيفة سالم وغيرهم كثيرون، وقد استوقفنى قبل أيام، ذلك الكتاب الملهم، للدكتور على شلبي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المنصورة، الصادر عن تلك السلسلة تحت عنوان أزمة الكساد العالمى الكبير، وانعكاسها على الريف المصري، والذى يرصد فيه بدقة أكاديمى محترف، تفاصيل الأوضاع الاقتصادية فى مصر، منذ الاحتلال البريطانى عام 1882، وكيف عانت التبعية الاقتصادية، فى وقت كانت تتحول فيه من ولاية عثمانية، إلى شبه دولة منقوصة السيادة تحت الحماية البريطانية. احتل الريف المصرى صدارة اهتمامات الدكتور على شلبي، الذى أصدر من قبل، كتابين عن الريف المصرى وتحولاته فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، وهو ما يعنى حسبما يقول الدكتور يونان لبيب رزق، فى مقدمة بليغة لكتاب الأخير، أنه قد عرك موضوع الدراسة، عن هذا القطاع الحيوى من مصر، منذ ضربت الكارثة الاقتصادية الأشهر المعروفة باسم الكساد الكبير العالم فى خريف عام 1929، وكيف كان لهذه الأزمة تداعيات ضخمة على أسعار القطن المصري، وما خلفه ذلك من أوضاع اجتماعية بالغة السوء والانهيار، عندما ساءت أحوال الناس المعيشية بدرجة مفزعة، نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما أدى الى انتشار البطالة وأعمال الشحاذة والتسول، وحالات السرقة بالإكراه والسطو المسلح، وتفشى تجارة المخدرات، فضلا عن ظاهرة البغاء وعزوف المصريين عن الزواج، وانتشار حالات الطلاق. وربما تصلح مثل تلك الدراسات الموثوقة، مدخلا لفهم الحاجات الحقيقية للريف المصرى فى السنوات الأخيرة، وقد أعلن الرئيس قبل أيام، خطة شاملة لتطويره، فى إطار شامل ومتكامل، يستهدف 4500 قرية وأكثر من 30 ألف تابع لها، بهدف تغيير حياة نحو 55 مليون مواطن للأفضل، خلال فترة زمنية تستغرق ثلاث سنوات، وهى مهمة صعبة للغاية، تتطلب مشاركة فاعلة وحقيقية، من كل مكونات الشعب المصري، لأنها ببساطة سوف تشتبك مع مشكلات يزيد عمرها على أكثر من قرن من الزمان.