في سكون الليل المعتاد بأحد الشوارع بمنطقة الزاوية الحمراء، انبعث دخان جريمة بشعة لم تكن وليدة لحظة غضب عابرة، بل كانت نتاج تخطيط بارد وغدر مروع استهدف سيدة مسنة لم تعرف في حياتها إلا الطيبة والإخلاص. الضحية، «فتحية طايع»، ذات ال 72 عامًا، قُتلت على يد شخص لم يكن غريبًا؛ بل هو طليق ابنتها الذي كانت تعامله كابن لها، لكن كيف تبدلت الأحوال؟، وكيف تغيرت أخلاق من كانت تعتبره ابنًا لها إلى قاتل؟، وما سبب الجريمة؟ وكيف دارت أحداثها البشعة في تلك الليلة؟، هذا ما سنعرفه الآن فيما تبقى من سطور. كانت الحاجة فتحية مثالًاً للطيبة والنقاء والبساطة، تعيش في هدوء بأحد شوارع منطقة الزواية الحمراء، بعد رحيل زوجها، حملت على عاتقها مسئولية الحياة، داعمة لابنتها الوحيدة «صابرين» وأحفادها الثلاثة، خاصة بعد صدمة وفاة ابنها قبل عامين. بوابة الغدر كان اعتمادها الأساسي على معاشها الشهري البسيط، الذي تسدد منه إيجارها، وتشتري منه العلاج، وتقدم منه العون لابنتها. ثقة الحاجة فتحية المطلقة وطيبتها التي لا حدود لها، كانت للأسف، هي البوابة التي عبر منها الغدر إلى حياتها. لم يخطر ببالها أن هذا الرجل طليق ابنتها، الذي ظل يزور أولاده ويعاملونه كفرد من العائلة، قد تحول إلى ذئب يستهدف بساطتها من أجل حفنة من النقود يشتري بها المخدرات. قبل عشرة أيام فقط من وقوع الجريمة، عاشت الحاجة فتحية فرحة بسيطة لكنها دافئة، وهي تحتفل بخطوبة حفيدتها، كان الجاني حاضراً، بصفته والد العروس، وفي زاوية من زوايا القاعة، جلست الأم المسكينة بجوار الجاني، وبجوارها ابنتها «صابرين» (47 عاماً)، تحاول لم شمل أسرتها المشتتة. بكل حنان الأم، نصحت فتحية ابنتها: «حاولي ترجعي له، الأولاد محتاجينكم ترجعوا لبعض، وأنا بأعتبره زي ابني»، كانت الأم تتمنى أن يمحو الزمن قسوة الماضي، لكن قلب الابنة كان مثقلاً بذكريات خيانة مؤلمة. صابرين، التي ضحت بكل شيء، بما في ذلك بيع شقة كانت من حقها وحق أولادها لفتح ورشة له، خانها زوجها بالزواج من طليقة أخيه. كان الجاني يستمع إلى كل هذا الدعم والتضحية في صمت، حتى حينما تحدث عن رغبته في العودة، كان قلبه قد امتلأ بشيء آخر، وفي لحظة عابرة، قالت الضحية كلمتها القاتلة: «أنا لازم أمشي.. بكرة هقوم بدري أقبض المعاش من البوسطة». هذه الجملة كانت الشرارة التي أطلقت خطة الجريمة في عقل الجاني المنهك من إدمان المخدرات ومن استنزاف زوجته الثانية له. ليلة الجريمة ظل الجاني ينسج خيوط جريمته في عقله متربصًا بضحيته، في مساء يوم الواقعة، بعد أسبوع من قبض الحاجة فتحية لمعاشها وسدادها للإيجار وشرائها دوائها، حانت اللحظة. دخل الجاني إلى شقة حماته، التي فتحت له بابتسامتها المعهودة، لم تشك لحظة في ضيفها الذي عاملته كابن جلس وتناول طعامًا أعدته له، ساعتين ونصف من الهدوء المصطنع، كانتا العد التنازلي لخطة الغدر. وحين نهضت الضحية لتغسل يديها، انقض عليها كالذئب، يمسك برقبتها من الخلف، ثم طعنها بلا رحمة خمس طعنات متتالية في جسدها، رغم وجع الطعنات، لم تمت السيدة المسنة على الفور، نظرت إليه قائلة بضعف: «حسبنا الله ونعم الوكيل». لم يرتدع القاتل، بل سارع وانتزع عصا حديدية كانت تستخدم لغسيل الملابس، وضربها بها ثلاث ضربات قاتلة على رأسها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، ثم بحث بلهفة عن المال، وجمع كل ما وجده، مبلغ ال 2500 جنيه، وهو ما تبقى من معاشها بعد تسديد الإيجار والعلاج، بعدها، أغلق الباب بالقفل من الخارج وغادر بهدوء، وكأن شيئًا لم يكن! اكتشاف الجريمة في الأيام التالية، لاحظ الجيران وعامل المحارة، الذي كان ينتظرها لإصلاح سقف غرفتها، غياب الحاجة فتحية غير المعتاد. الكهربائي، صاحب المحل الملاصق للعقار، كان أول من شعر بالقلق، فهو يعرف أنها تستيقظ مبكرًا، حين رأى الباب مغلقًا بالقفل من الخارج، طلب من ابنتها «صابرين» الحضور. هرعت الابنة، والخوف يسبق خطواتها، بمساعدة الجيران، تم كسر الباب. الصدمة كانت قاسية؛ الأم ممددة على الأرض غارقة في دم جاف، والسكون القاتل يملأ المكان، عندها، تأكد الجميع أن الغياب لم يكن عاديًا. انتقلت فرق البحث الجنائي إلى العقار، وبمراجعة كاميرات المراقبة وأقوال الجيران، سرعان ما تكشفت خيوط الجريمة. تبين أن آخر من دخل الشقة هو طليق الابنة، وفي غضون ساعات، تمكن رجال المباحث من ضبط الجاني، الذي اعترف بارتكاب جريمته النكراء لسرقة المعاش من أجل تعاطي المخدرات. وسط حراسة أمنية مشددة مثل الجاني جريمته البشعة، وأقر بأنه طعن وضرب حماته بالحديدة القاتلة، وأنه أغلق الباب عليها من الخارج ليُخفي فعلته لثلاثة أيام، وجهت النيابة له تهمة القتل العمد، وأمرت بحبسه على ذمة التحقيقات. سند للقاتل سمر أحمد العسال، ابنة صاحبة العقار، التي تربت على يد الضحية، قالت بدموع: «أنا اتربيت على إيدها.. كانت صديقة والدتي أكثر من 29 سنة، مش مجرد ساكنة. كانت جزء من البيت، كنا بنحبها زي والدتنا، كانت سند لبنتها، وسند حتى للّي قتلها.. المسكينة متستهلش اللي حصل لها.» «أخبار الحوادث» التقت أيضًا بمن اكتشف الجريمة، وهو الكهربائي الذي يعمل في محل ملاصق لمنزل الضحيه والذي قال:كانت المجني عليها اتفقت مع «نقاش» قبل مقتلها بساعات ان يحضر لها في اليوم التالي من أجل إصلاح سقف غرفتها، وبالفعل جاء النقاش في المعاد المحدد لكنه فوجئ أن باب شقتها مغلق من الخارج ب «قفل» وعندما سألني عن السبب رديت تلقائيًا بأنها ربما تكون عند بنتها الوحيدة، لكن الغريب انه جاء في اليوم الذي يليه وكان باب شقتها على نفس الحال مغلقًا ايضًا، وقتها دب الشك في رأسي، خاصة وأن آخر من زارها كان طليق ابنتها، وأنها لم تظهر منذ هذا اليوم، اتصلت بابنتها وسألتها عن الحاجة فتحية وكانت المفاجأة بأنها لم تر والدتها منذ حفل الخطوبة، فأبلغتها أن منزلها مغلق من الخارج وأن عليها الحضور فورًا لتفتح الشقة ربما نعلم سر اختفائها، وحضرت بالغعل علي الفور، وكانت المفاجأة عندما رأينا جثة الضحية فتحية علي الارض والدماء قد جفت حولها، وهو ما يشير إلى أنها قتلت منذ أيام. لتحضر الشرطة وتكشف فصول الجريمة ويتم القبض على طليق ابنتها او مما كانت تعتبره ابنها. اقرأ أيضا: جرائم عائلية.. والسبب المخدرات