قرأ التاريخ دون تحيز، لكى يقدم لنا التاريخ بقراءة مختلفة عن الآخرين، كان مجددًا عن غيره من المؤرخين، صادقًا مع نفسه وقرائه. ولد يونان لبيب رزق في أكتوبر1934، ووافته المنية في مثل هذا اليوم الموافق 15 يناير 2008، وما بين ميلاده ووفاته كانت المراحل المختلفة في حياة يونان الإنسان، الذي درس في كلية الآداب جامعة عين شمس، ومنها حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه عن تاريخ السودان المعاصر، ورحل إليه مقيمًا في الخرطوم، باحثًا عن وثائق هذا البلد الذي ارتبط تاريخه بمصر، وارتبط تاريخ مصر به، فأصدر عن السودان ثلاثة كتب. اختار التدريس في كلية البنات بجامعة عين شمس، والتي اتاحت له فرصة تشكيل مدرسة تاريخية وفق رؤيته، فركز فيها على محورين أساسيين، فيها المؤسسات كالأحزاب والوزارات والجمعيات وغيرها، والشخصيات العامة، واستكمل تاريخ مصر من خلال الإشراف على مئات الرسائل والماجستير والدكتوراه، فإذا وضعت هذه الرسائل جنبًا إلى جنب وجدتها في نهاية الأمر موسوعة تاريخية لمصر المعاصرة. كانت هذه الرسائل وموضوعاتها محل نقاش في سيمنار كلية البنات، جامعة عين شمس، الذي أسسه يونان لبيب، كان يجلس في السيمنار ليناقش تلامذته، الذين يدلون بما لديهم من مشروعات بحثية، أو أبحاث جديدة، فكان السيمنار محل اهتمام الباحثين المصريين والعرب والأجانب، لما تميز به من حرية النقاش وتداول الأفكار. ومن خلال رئاسته للجنة العلمية لمركز دراسات تاريخ مصر المعاصرة، في دار الكتب والوثائق المصرية، دفع مئات الدراسات نحو النور من خلال سلسلة كتب أسسها، هي "نهضة مصر" التي صدر منها ما يزيد على السبعين كتابًا حتى الآن، سدت ثغرات كبيرة في الدراسات المتعلقة بتاريخ مصر المعاصرة، أراد أن يبدأ هذه السلسلة بكتاب يجذب الرأى العام والمؤرخين لها، فبدأها بكتاب "الأصول التاريخية لمسألة طابا، دراسة وثائقية"، هذا الكتاب هو خلاصة ما وصل إليه من بحث، بعد ضمه سنة 1985، إلى اللجنة الوطنية المصرية التي رأسها القانوني القدير الدكتور وحيد رأفت، الذي عهد إلى الدكتور يونان لبيب بمهمة جمع الوثائق الخاصة بالنزاع المصري الإسرائيلي حول منطقة طابا، فكسبت مصر القضية بحكم قانوني، وهنا تحول يونان إلى بطل قومي، فبعد أن كان ضمن مؤرخي الجامعات المصرية المرموقين، صار شخصية عامة. رأس يونان لبيب رزق لجنة التاريخ في المجلس الأعلى للثقافة في مصر، وقبيل وفاته كان يحضر مع أعضاء اللجنة لإعداد مؤتمر علمي ومجموعة من الدراسات العلمية حول تاريخ الجامعة المصرية، بمناسبة مرور مائة عام على إنشائها، كما كان لسنوات عضوًا في مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، واتحاد المؤرخين العرب، والمجلس الأعلى للصحافة، وعينه الرئيس حسنى مبارك عضوًا في مجلس الشورى المصرى لخبراته المتميزة. عهدت إليه صحيفة الأهرام بتأسيس مركز دراسات تاريخ الأهرام، فاختار فريقًا من شباب الباحثين لمعاونته في هذه المهمة، ليخرج لنا كل يوم خميس من كل أسبوع مقالة ظل يكتبها حتى وفاته، وظلت تنشر ممهورة بتوقيعه حتى فبراير 2008، لينتج لنا ما يزيد على 700 دراسة توثق لحياة المصريين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. قدم يونان في دراساته بالأهرام رؤيته لمصر منذ القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، وعرض كل ما يجرى على أرض مصر من وقائع وأحداث وعلاقة مصر بالوطن العربى والعالم، وقدمها بصورة شيقة جعلت القارئ يعدها وجبة تاريخية دسمة يقرأها وينهل منها نهاية كل أسبوع، صدرت هذه المقالات في سلسلة من الكتب تحت عنوان "الأهرام ديوان الحياة المعاصرة".