في القرى كما في الأوطان، لا تقاس القوة بعدد الأفراد، بل بقدرتهم على الاصطفاف حين يحين النداء. وفي قرية شها بالمنصورة، كان النداء مبكرا، وكانت الإجابة مدوية، حين أعلنت القرية – عن وعى نادر – أن الخلاف يؤجل، وأن الصف يقدم، وأن المعركة لا تخاض إلا بكتف واحد. منذ لحظة إعلان الترشح، كانت المفارقة لافتة.. أربعة مرشحين من قرية واحدة، وتاريخ طويل من التنافس، واختلافات في الرؤى والمواقف، لكن حين مالت الكفة لواحد منهم، لم تفتح دفاتر الحساب، ولم تستدع خصومات الأمس. ثلاثة منهم انسحبوا عمليا إلى صف واحد، وقرية بأكملها وقفت خلف مرشحها وقفة رجل واحد، حتى أولئك الذين اختلفوا معه يوما، أدركوا أن اللحظة أكبر من الأنا، وأن شها تستحق أن تقدم على الجميع. وهنا لم يكن المشهد سياسيا فقط، بل اجتماعيا بامتياز. وسن جمال الفار سنة جديدة في الدائرة، ستكون – بلا شك – عبئا ثقيلا على كل من يفكر في الترشح مستقبلا؛ إذ أُغرقت الدائرة بالخدمات المادية والعينية، في مشهد عجزت الحكومة، ممثلة في المحافظة، عن مجاراته أو حتى الاقتراب منه. خدمات مباشرة، واحتياجات ملحة، ووعود لم تؤجل، فكان الإقبال، وكان الرهان. ولأنه حديث العهد بالسياسة، لم يعرف طريق الرفض. لم يقل "لا" لمن طرق بابه، فكانت النوايا طيبة، لكن الأبواب المفتوحة على مصراعيها كثيرا ما تغرى بالاستغلال. صرف بسخاء، وعطاء بلا حساب، حتى اختلط الواجب بالطلب، والخدمة بالضغط، ومع ذلك مضى الرجل في طريقه، مؤمنا أن السياسة – في نظر البسطاء – ليست تشريعا تحت القبة، بل رغيفا على المائدة، وأنبوبة غاز تنفد بعد عشرة أيام. وجاءت نتيجة الجولة الأولى لتعيد المشهد إلى نقطة الضوء.. الإعادة لابن شها. هنا دخلت الإقليمية بثقلها، وانقسمت الدائرة بين خط البحر الصغير، وخط البحر الكبير، وخط طناح. وحين طرحت الأسئلة، كان الجواب حاضرا في وجدان الناس قبل صناديق الاقتراع؛ فخط البحر الصغير غاب عنه الكرسي قرابة ربع قرن، فكان الإجماع عليه، لا تعصبا، بل إنصافا لتاريخ من الغياب والانتظار. ولا يمكن قراءة هذا المشهد دون التوقف أمام المال السياسي، ودوره في استغلال حاجة الناخب الفقير. فحين تشتد الأمور المعيشية، وتضيق السبل، يصبح الصوت الانتخابي وسيلة للبقاء لا للاختيار. المواطن البسيط لم يعد معنيا بمعرفة الدور التشريعي للنائب، ولا بحدود الرقابة والمساءلة، بقدر ما يعنيه أن يعود إلى بيته بأسطوانة غاز، أو إعانة، أو خدمة عاجلة تسد ثغرة يومه القاسي. الفقر -لا الجهل -هو العنوان الأصدق، وهو الجرح المفتوح الذي يتسلل منه كل استغلال. ومع ذلك، يبقى ما حدث في شها درسا يدرس.. حين تتوحد الصفوف، تتغير المعادلات، وحين تقدم المصلحة العامة على الخلاف، تصنع القرى تاريخها بأيديها. ليست الملائكية هى الحاضرة، ولا السياسة بلا شوائب، لكن الإرادة الجمعية حين تتشكل، تكون أقوى من المال، وأبقى من الشعارات. #فى_النهاية_بقى_أن_اقول؛تهنئة صادقة لأهالينا في شها، على هذا الوعي، وهذا التلاحم، وهذه الرسالة الواضحة؛ أن القرية التي تعرف متى تختلف، تعرف أكثر متى تتوحد، وأن الصف إذا التحم، صنع الفارق، وكتب سطرا جديدا في سجل الكرامة الشعبية.