عاد من غربة 11 عاما لِيتّهم بعدها زوجته بالخيانة، ويطعن في نسب أبنائه، إنها قضية شغلت الرأي العام، وأثارت ضجة كبيرة خلال الفترة الماضية، والحقيقة أنها ليست القضية الوحيدة فهناك نحو 12 ألف قضية معروضة أمام قضاة محاكم الأسرة، ونتج عنها وجود 20 ألف طفل مجهولي النسب، كما أثبتت إحصائيات وزارة التضامن، ليستكملوا حياتهم. أحمد مصيلحى، رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال يقول: إن الطفل المنكر نسبه يكون إما بسبب اغتصاب، وإما نتيجة لعلاقة لم توثق بشكل رسمى لدى مأذون، أو من زواج عرفى، وفى هذه الحالة تكون هناك قضية إنكار نسب، أو هو من أطفال الشوارع أو الزواج المبكر أو زواج المتعة، ونتيجة ذلك أطفال مجهولي النسب، وقوانين الأسرة خصوصا المادة التى تخص قضايا إنكار النسب، وفقا للدستور هى الشريعة الإسلامية التي تقول إن الطفل نتيجة الفراش ينسب إلى الوالدين فى ثلاث حالات إذا ثبت أن هناك عقد موقع واللجوء لشهادة الشهود ومن خلال البصمة الوراثية DNA، فمن الممكن إثبات العلاقة من خلال هذه الطرق الثلاث. قانون الطفل بحسب قانون الطفل، أى مولود يجب أن يقيد بشهادة ميلاد، وبالطبع لكي أسجل الطفل يجب أن أثبت العلاقة الزوجية. وعلى المدعى عليه الحضور لذلك يمتنع الكثيرون عن الحضور، وهذه ثغرة فى إجراءات التقاضى، فالمحكمة تحتاج إلى نص قانون يلزم المدعى عليه بالحضور لإجراء تحليل البصمة الوراثية لابد أن يقوم مجلس النواب بسن تشريع يلزم الأطراف كلها بإجراء تحليل ال«DNA» لإثبات النسب لتغطية هذه الثغرات. مشكلة تقنية وهناك مشكلة أخرى تواجه العاملين في هذا المجال وهى عدم وجود مصل البصمة الوراثية DNA، حيث يتم استيراده وهو غير متوافر إلا فى المعامل الكبرى، والمحكمة لا تلزم المدعى عليهم بالذهاب إلى عمل هذه البصمة الوراثية، وهو أصلا تحليل مكلف وغير موجود فى أغلب الوقت فى مؤسسات الطب الشرعى، أيضا هذا التحليل لا يكون صحيحا بنسبة 100% لذلك يأخذه القاضى كقرينة وليس كدليل كاف لإثبات النسب أو إنكاره. نظرة مرفوضة ويضيف أحمد مصيلحى رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال: هناك مشكلة أخرى تواجه الكثير من الفتيات خلال إثبات وقيد المحاضر، ألا وهى نظرة من يحرر المحضر وكأنه يحكم عليها مسبقا لذلك يجب أن نغير أفكارنا ومنظورنا لمن تعرض لمثل هذه القضية. تأثير سلبي الدكتورة أسماء عبدالعظيم، أستاذ الطب النفسى وخبيرة العلاقات الأسرية تصف تأثير إنكار النسب على نفسية الابن بأنه من الجرائم النفسية التى تهدد حاضر الأبناء ومستقبلهم، فشعور الابن بأنه غير مرغوب فيه من قبل الأب، أو ما يظنه الطفل بأنه الأب، له وقع سيئ على نفسية الطفل حيث يؤدي إلى سوء تقدير الطفل لذاته فيشعر بأنه شيء حقير ينكره أقرب الناس له فتقل ثقته بنفسه، وتنخفض دافعيته لإنجاز أى عمل لأنه حتما يشعر بالدونية، فضلا عن ظهور السلوك الانسحابى فتتوتر علاقاته الاجتماعية ويظهر سوء التكيف مع المحيطين، الأمر الذى يؤدى به إلى العزلة والحزن ثم الاكتئاب الذى لو تطور قد يدفعه للانتحار. اضطرابات نفسية تضيف د. أسماء: وعند بعض الأطفال قد تكون ردة الفعل بسوء تقديره لذاته أن يصبح عدوانيا وجانحا ولا يعتد بأوامر الآخرين أو يلتزم بقواعد أو تقاليد، ولا يقف الأمر عند ذلك، فالتوتر والقلق الدائم للطفل يتسببان فى ظهور اضطرابات النوم والأكل، وأحيانا اضطرابات النطق والكلام فتظهر التهتهة وعدم التركيز فى تركيب الجمل والعبارات، وأيضا قد يعاني من التبول اللا إرادى وقضم الأظافر، كل ذلك تعبير عما يعانيه من تشوه داخلى، ولا أحد ينكر أن ما يزيد من تشوه الطفل نفسيا هو كلام المحيطين وقذفهم بسمعة أمهم، فتتحول بإلقاء الاتهامات على الأب فهنا يقع الطفل فى دوامة لا يتحملها فى الوقت الحاضر فتستمر معه. رأي الدين أما عن رأى الدين فى مثل هذه القضايا فيقول الداعية محمد رمضان الأزهرى: إن مثل هذه القضايا كانت موجودة منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت تعرف باسم القيافة وهى من القافة، والقائف من كان يعرف اقتفاء الآثار، والقيافة عند الفقهاء هى إلحاق الولد بأصوله لوجود الشبه بينه وبينهم، وتختص بمعرفة النسب عند الاشتباه، وقد تفاوتت آراء الفقهاء فى الاعتماد على القيافة فى إثبات النسب ولهم فى ذلك قولان: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن العمل بالقيافة مشروع فى ثبوت النسب بناء على العلامات التى يعرفها القائف، وإلى هذا ذهب بعض الصحابة كابن عباس وأبي موسى الأشعرى رضى الله عنهما. وذهب الحنفية والزيدية والإمامية إلى أن معرفة النسب بالقيافة غير مشروعة، فلا يعمل بقول القائف فى هذا المجال، واحتج الحنفية لهذا بحديث: «الولد للفراش» أى أنه يدل على أن طريق ثبوت النسب هو الفراش لا غير. أما الجمهور فقد احتجوا بعدد من الأدلة: منها أنه ثبت أن عمر رضى الله عنه عمل بالقيافة فى محضر من الصحابة من غير إنكار واحد منهم، فكان إجماعا وأرجح ما ذهب إليه الجمهور من جواز إجراء تحليل النسب، لقوة أدلتهم ولأن حديث الفراش لا يفيد الحصر، ورأى الدين واضح فى قضية إنكار النسب، وبالتالي فإن الإسلام برئ من كل ما يؤدي إلى تشرد الأطفال.