لدينا لجان لها رؤية فى تسجيل المبانى التراثية فكرة «عاش هنا» ضمن مشروع كبير تحت اسم «ذاكرة المدينة» هناك مستويات للتسجيل والتوثيق منها المستوى «أ» و«ب» و«ج» وهى من تحدد حدود التعامل مع كل مبنى تم توثيق وتسجيل 6700 مبنى على مستوى الجمهورية ذى طابع معمارى متميز القانون ينصف أصحاب المبانى ويسمح لهم باللجوء للقضاء واستردادها من جديد هناك سؤال دائم: من المتسبب فى هدم تراثناً وتاريخنا على مدار سنوات وسنوات؟ فمنذ أن قام الخديو إسماعيل ببناء ما يعرف بالقاهرة الخديوية، ونحن نفقد كل يوم جزءا منها، فمن يعتبرون أنهم أصحاب لهذه الثروة المعمارية الفريدة قاموا بإهمالها واستغلالها والانتفاع منها أسوأ استغلال، وعندما نطرح السؤال، من المسئول الآثار أم جهاز التنسيق الحضارى أم المجتمع ككل؟ تتوه الحقيقة وتختلف الآراء.. وتبقى الحال على ما هى عليها وندور فى نفس الدائرة المفرغة . وكان جديد تلك الأزمات المتراكمة، هو ما حدث أخيرا فى هدم سور يحيط بالمقابر ذات الطراز المعمارى المتميز بمحور الفردوس، بطريق صلاح سالم بالقاهرة، إلى جانب هدم الكثير من المبانى بمحافظة الإسكندرية، التى فقدنا منها وما زلنا نفقد حتى الآن الكثير، وهو ما دفعنا لحمل تلك الأسئلة ووضعها على مائدة الحوار مع الدكتور محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضارى. متى أنشئ جهاز التنسيق الحضارى، ومن صاحب الفكرة؟ تم إنشاء جهاز التنسيق الحضارى فى عام 2001 للحفاظ على المبانى ذات الطراز المعمارى المتميز فى عهد الفنان فاروق حسنى، وكان من أهم مميزاته أنه داخل وزارة الثقافة، لأنه يعبر عن هوية المدينة وثقافة المجتمع للحفاظ عليه.. فالجهاز له محوران أساسيان يعمل على أساسهما، أول محور الحفاظ على شكل الفراغات العامة لهوية المدن وأن تكون له آلية تنفذ، وأول هدف هو الحفاظ على المبانى المتميزة، وهى تخضع للقانون رقم 144، الذى يحدد آليه تسجيلها، والتى تقترب من نهاية القرن ال19 وتمثل حقبة زمنية متفردة وبها مفردات معمارية يجب الحفاظ عليها، ولها مدارس معمارية وبصمة، وأيضاً المبانى المرتبطة بشخصيات تاريخية مؤثرة فى الدولة. ما الشروط والمعايير التى يتبعها جهاز التنسيق الحضارى فى تسجيل وتوثيق المبانى التراثية؟ قمنا بتشكيل لجان تعمل بمعايير وشروط على مستوى العمارة من كليات الهندسة والآثار والعمارة فى كل محافظة، وفى نفس الوقت القانون سمح لأصحاب العقارات، بالحق فى أن يتظلموا من قرارات هذه اللجان، لأنها قرارات إدارية أولاً: من حق الملاك أن يتظلموا ويسمح لهم ببيعها أو تعديل النشاط بها من الداخل، لأنها ملكية خاصة وليست مسجلة آثارا، فهناك مرونة بها أكثر بكثير من المبانى الأثرية. وهناك مستويات للتسجيل المستوى “أ”، وهو أن يتم الحفاظ على المبنى كاملا وترميمه، و المستوى “ب” يسمح بإعادة توظيفه من الداخل وإعادة ترميمه من الخارج، والحفاظ على واجهته ، والمستوى «ج» يسمح بأعمال الهدم من الداخل مع الحفاظ على المحيط الخارجى، وإعادة توظيفه من جديد، وبالتالى كل مبنى مسجل يكون محدد الفئة التى يخضع لها، ويتم التعامل معه بموجب الفئة المندرج بها. مثال على ذلك مبنى دار القضاء العالى، هذا مبنى مسجل فئة «أ». ما أسباب تدهور المبانى التراثية فى مصر؟ يرجع هذا إلى العديد من الأسباب، فهناك مبان كثيرة لم يتم الاهتمام بها أو عمل أى صيانة على مدار سنوات، وهناك مبان قمنا بتسجيلها، لكنها أيضاً تعرضت لبعض الأضرار التى أثرت عليها، وأدى ذلك إلى خروجها من شروط التسجيل والتوثيق، فنحن لدينا لجان لها رؤية فى التسجيل تختلف عن لجان تسجيل الآثار. كم مبنى تم حصره حتى الآن؟ قمنا بحصر وتسجيل 6700 مبنى على مستوى الجمهورية ذى طابع معمارى متميز، من خلال لجان تعمل بشروط ومعايير، ومتخصصين فى التاريخ والطرز المعمارية.. فهناك بعض المناطق فى أكثر من محافظة ذات قيمة معمارية، التى يغلب على نسيجها العمرانى وشوارعها وحاراتها شروط التسجيل والتوثيق، وهى بها بعض التفاصيل بداخلها، مثل حى سرايا المعادى والزمالك والقاهرة الخديوية ومدينة الإسكندرية وبور فؤاد، فهذه المناطق تم وضع قانون فى البناء وتم الالتزام به، لذلك يجب التعامل معها فى إطار قانون حماية النسيج العمرانى الخاص بها. فنحن نضع الضوابط والشروط، ولدينا الخبراء والمتخصصون والجهاز التنفيذى المنفذ لهذه الرؤى، من خلال الأحياء والمديريات والوحدات المحلية بالمحافظات. وللعلم نحن لا نسجل المبانى الحلوة كما يطلق عليها البعض. ما صحة ما تم تداوله من شطب بعض مبانى مقابر الغفير لصالح طريق محور الفردوس الجديد؟ وهل كانت مسجلة تراثا حضاريا؟ هناك بعض المقابر تسمح طريقة تسجيلها، بالقيام بأى تعديل يحافظ على الشخصية التاريخية بها، فهذه المنطقة تحديداً بها مقابر كثيرة ولا توجد إزالة لأى مقبرة منها، سواء كانت مسجلة آثارا أم تراثا، لكن ما حدث هو تعديل لشكل السور الخارجى للمقبرة وإزالة السور القديم، وتم شد خط مستقيم يتماشى مع مسار الطريق الجديد، ودون ذلك لا تكون هناك أى تنمية لشريان المدينة. وليس معنى أنه مبنى تجاوز عمره ال70 عاماً يصبح أثرا أو يتم تسجيله تراثا، فلم يتم تسجيلها ووقعت تحت التعديل، فنحن لدينا مرونة فى التسجيل.. ونتعاون على تنمية المدينة وتطويرها والحفاظ على نسيجها واحتياجات المجتمع للتطوير العمرانى، ولا بد من حدوث تنمية للمدينة لكى لا تبقى ساكنة من خلال محاور تنمية، وأن يضخ لها شرايين جديدة، وأن يحدث لها دائماً تطوير. فقدنا الكثير من المبانى الفريدة بمدينة الإسكندرية على مدار السنوات الماضية.. كيف نحمى الباقى منها؟ هناك قانون كان يسمح بذلك، فليست هناك ضوابط عمرانية تحد من ذلك، فحتى الآن يتم خروج بعض المبانى بعد تسجيلها وحصر اللجنة لها بحكم محكمة وإعادتها إلى أصحابها، والحماية هى أن يتم تسجيله وبالتالى يحظر هدمه، لكن القانون ينصف أصحاب هذه المبانى فى نفس الوقت، يسمح لصاحب العقار أن يقاضى اللجنة ويقوم باسترداده.. لذلك فقدنا العديد من المبانى المميزة بمدينة الإسكندرية وغيرها. هل يتم نزع ملكية المبانى المسجلة تراثا من أصحابها، وهل لهم الحق بالتصرف بها أو استغلالها؟ يختلف تسجيل المبانى التراثية عن المبانى الأثرية، فنحن لدينا مرونة فى التعامل مع أصحابها، لكن بدون المساس بها أو حدوث أى ضرر لها، فنحن نحتاج إلى تعديل للقانون، لتحقيق المردود ولتعود على أصحابها بالنفع، مع وضع آلية للتشريع وآلية حكومية تتدخل لمن يخترق هذا القانون. وبالفعل قدمنا تعديلات للقانون لأننا نمتلك ثروة عقارية تشكل قيمة وثروة قومية، والمشكلة الحالية أننا لا نستطيع أن نقول إن هذه العقارات تظل - وفقا للقانون القديم - لأن الدخل قليل للغاية، ولا بد أن يشعر المالك بحافز عند القيام بتسجيل هذه العقارات، وأن تتم إضافة مادة جديدة للقانون رقم 144 مثلما حدث مع أصحاب قصر البارون وحصولهم على تعويض مادى وأرض أخرى بديلة، وبعد ذلك تم النزع ولكن بعد الحصول على مقابل، وبالتالى كانت التجربة ناجحة والدولة استفادت بالمبني. من أين جاءت فكرة «عاش هنا»؟ الجهاز كان صاحب هذه الفكرة، وهى بدأت ضمن مشروع كبير اسمه «ذاكرة المدينة» فالمدينة ليست المبانى والعمران فقط، ولكن المدينة تتشكل بالمجتمع والبشر والحياة.. فهدفنا هو تسجيل الرواد فى المجتمع سواء كانوا علماء وأدباء أو فنانين وشهداء الجيش والشرطة، وأى شخص كان له تأثير فى المجتمع، وتم التعاون مع مركز المعلومات واتخاذ القرار بمجلس الوزراء فى جمع البيانات، وتشكيل لجان بها جميع التخصصات.. وبالفعل تم تسجيل 400 شخصية حتى الآن بمختلف المحافظات على مستوى الجمهورية. فمنذ وجودى بالوزارة على مدار 30 عاما، وأنا مسئول عن صندوق التنمية وعملى طوال هذه الفترة لدى اهتمام كبير بالبعد الثقافى للمحيط العام، فعندما تم عرض هذه الفكرة رحبت بها على الفور وعملت على توفير كل الدعم لها. وهدفنا منها أن نحافظ على هذه الذاكرة للأجيال المقبلة، وعندما قمنا بالتسجيل أخذنا أكبر مدة عاش بها الشخص.. ودائما نسترشد بأسرة هؤلاء المبدعين .. ولا يشترط أن تكون هذه المبانى مسجلة تراثا حضاريا، لكن لها أهمية تكتسبها من سكانها المشاهير الذين عاشوا بها. وهناك ما يسمى بال QR موضوع على اللوحة يتم تصويره من خلال التليفون المحمول يدخل من خلاله الشخص على الموقع الإلكترونى للتعرف على تاريخ الشخصية والمعلومات الكاملة عنها.. فهذا مشروع ممتد ونسعى أن يصل المعدل إلى 100 شخصية سنوية، فهناك بعض الأشخاص المشهورين تم هدم منازلهم، مثل سيد درويش فلم يتم عمل لوحة له. هل هناك خطة للحفاظ على هذه المبانى ورصد ميزانية خاصة لها بالجهاز؟ الجهاز معنى بالحفاظ والدعم المفنى والاستشارى، فهناك مشاريع نموذجية قمنا بها كمشروع رائد فى وسط البلد وطنطا كمثال حى يحتذى به، فنحن ليست لدينا ميزانية محددة للقيام بهذا الدور لتطوير عمران المدينة بالكامل. ما شكل التعاون بين جهاز التنسيق الحضارى ووزارة السياحة والآثار؟ ليس هناك أى تضارب بيننا وبين وزارة الآثار، فنحن لدينا قاعدة بيانات قمنا بتسليمها لوزارة الآثار، للتعرف على ما يخصنا من أعمال، كما نتعاون مع وزارة الإسكان وهيئة التخطيط العمراني، وهناك تعاون مع وزارة الأوقاف، وفق قانون ينظم العمل بين جميع الجهات للقيام بالأمر على الوجه الأمثل. هل هناك مشاكل تواجهكم عند القيام بتسجيل هذه المبانى؟ لدينا موقع المرصد الحضارى الذى يقوم بتسجيل كل الشكاوى والمعلومات عند قيام أى فرد بمخالفة، والتعدى على أى عقار وحدوث ضرر به، أو عندما يقوم أى فرد بإبلاغنا بأن هناك مبنى قديما يرسل لنا صورة ويحدد المنطقة الخاصة، وعلى الفور يتم إخطار لجان الحصر وتنطلق، فعندما تجد المعايير والشروط تنطبق عليه يتم تسجيله على الفور. فنحن نحتاج إلى أطراف كثيرة لنحمى التراث، ليست الدولة فقط بل المجتمع والجمعيات الأهلية الأفراد والمؤسسات ككل.