تطرح الاحتفاليات المتكررة بإحياء اللغة العربية تساؤلات كثيرة حول أسباب تهاوي اللغة عند العديد من الأجيال الحالية، ودوافع البعض للاعتماد على اللغات الأجنبية لتكون هي المفضلة، سواء في كلامهم أو تعاملاتهم مع الآخرين. تظل أهم الأسباب التي أصبحت متهمة بتراجع اللغة العربية واختلال موازين الهوية، هي المدارس الدولية التي أصبحت تتهافت عليها الكثير من الأسر، تحت مسمى التعليم المتقدم والبيئة التربوية المتميزة دون اعتبار أن ذلك يشكل خطورة على مستوى فكر وثقافة المتعلم نفسه. اليوم العالمي للغة العربية ويحتفل العالم اليوم، باليوم العالمي للغة العربية، وتقرر الاحتفال به في هذا اليوم، لكونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة قرار بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأممالمتحدة، وجاء ذلك بعد الاقتراح الذي قدمته المملكة المغربية والمملكة السعودية، خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو، ليصدر قرار الجمعية العامة في ديسمبر 1973، باعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. وتقرر تكريس يوم 18 ديسمبر يوما عالميا للغة العربية في أكتوبر 2012، واحتفلت اليونسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم، وفي 23 أكتوبر 2013 قررت الهيئة الاستثمارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية "أربيا" التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة. وتعد اللغة العربية أحد أكثر اللغات انتشارا في العالم، ومن أقدم اللغات الأفرواسيوية، وأكثرها تحدثا حيث يتحدث بها أكثر من 467 مليون نسمة من سكان كوكب الأرض، ومن بين اللغات الأربع الأكثر استخداما في الإنترنت، وكانت تكتب في البداية من دون تنقيط أو حركات، وقد طور نظام الحركات في القرن السابع الميلادي، فيما تم اعتماد نظام التنقيط في القرن السابع الميلادي، وعمرها يزيد على 1700 عام على الأقل. تدهور اللغة الأم ولكن مع مرور السنوات، بدأ تدهور اللغة الأم بسبب تكالب أولياء الأمور على تعليم أبنائهم في مدارس خاصة وأجنبية، للبحث عن التحضر والتميز، باعتبار اللغة الأجنبية هي أساس التحضر في المجتمع، إلى جانب تهاون الوزارة مع مدارس القطاع الخاص التي تدرس المنهج البريطاني أو الألماني أو الأمريكي، مستبعدة اللغة العربية من المواد الأساسية، واختزال حصصها إلى حصة أو اثنين فقط أسبوعيا، الأمر الذي كان له التأثير الأساسي في عدم إجادة الأجيال الجدية لأساسيات اللغة العربية. وتسبب ذلك، في تخريج طلاب من المدارس الخاصة والدولية وهم لا يفقهون أي شيء عن الثقافة المحلية أو العربية بشكل عام، ولا يعرفون شيئا عن تاريخهم، وأصبح التحدث بلغة أجنبية مع أبناء مجتمعهم هو التحضر، واتخاذ سلوكيات مستوحاة من المجتمع الغربي التابع للمدرسة الأجنبية التي درس بها. مشروع القرائية في عام 2015 قام وزير التربية والتعليم الأسبق، محب الرافعي، بوضع مشروع "القرائية" كمشروع قومي، وحل لمشكلات القراءة والكتابة، لكن المشكلة كانت تكمن في آليات تنفيذ هذا المشروع، وضرورة لمعالجة مشكلات القرائية بشكل علمي وإجراء تقييم للواقع، عن طريق برنامج زمني بآليات تنفيذ ومؤشرات قياس، ولم يتم تنفيذ المشروع حتى الآن. ويرجع وزير التربية والتعليم الأسبق، أسباب تدهور اللغة العربية الأم، إلى تأثير المدارس الدولية على المجتمع المصري، نظرا لأن اللغة الأم للدولة أصبحت غير موجودة ولا يتم دراستها في الفصول، وتعتبر من المواد الغير مضافة للمجموع. لذلك يرى "الرافعي" أنه الحل يكمن أولا في جعل اللغة العربية مادة أساسية مضافة للمجموع، ومن ثم تدريب المعلمين على معالجة صعوبات القراءة والكتابة باللغة العربية، للحد من تأثير المدارس الأجنبية على الطلاب، ونحل الأزمة التي تسببت بها، فالطالب يتعلم داخل الدولة فلابد أن يتقن اللغة الأم وتكون هي اللغة الأساسية في دراسته ومن ثم اللغات الأخرى، وليس العكس. من المسئول عن تدهور اللغة الأم؟ وحمل عدد من المتخصصين والتربويين، مسئولية تدهور اللغة العربية، وضعف مستوى الطلاب بمادة اللغة العربية، إلى أولياء الأمور المهتمين بتعليم أولادهم اللغات الأجنبية مع تلاشي اللغة الأم، مع تهاون الوزارة مع المدارس الخاصة والأجنبية التي أثرت ثقافة الجيل الجديد، لذلك لابد من حل هذه المشكلة على الفور، لتعود اللغة العربية لمكانتها مرة أخرى. تؤكد الدكتور بثينة عبد الرؤوف الخبيرة التربوية، أن التعليم الأجنبي له مخاطر عديدة على الهوية المصرية والثقافة، وقيم المواطنة والانتماء، حيث إن المدارس الأجنبية تطبق أنظمة تعليمية أجنبية بحسب الدولة التابعة لها، من حيث المناهج وطرق التدريس، مما يجعل الطالب منتمي لهذا النظام وبعيدا عن دولته التي نشاء بها، وهذه كارثة. وتوضح أنها قامت بدراسة تبرز مخاطر التعليم الأجنبي وعدم السيطرة عليه، وخلال الدراسة اتضح لها أن هيئة التدريس من المدرسين في المدارس الأجنبية من الأجانب، رغم أن هناك قرارا وزاريا يقضي بألا يزيد نسبة الأجانب في المدارس على 10% من أعضاء التدريس. وحذرت الخبيرة التربوية، من مخاطر ما يحدث للغة العربية، نظرا لما تسببه من انفصال الطلاب عن مجتمعهم المصري، والتركيز على اللغة الإنجليزية، متناسين لغة القرآن، سيما أن كافة المعاملات تدعم اللغة الإنجليزية، وبعض المناهج منها تعمل على تحقير العرب، ولا وجود لمادة الدين أو التربية أو القومية أو الجغرافيا والتاريخ بها، في حين أنها تدرس مواد الحرية الشخصية والجنسية، ويتعلم الأطفال بها معايير وقيم المجتمعات الغربية التي تختلف تماما عن القيم المصرية، فماذا ننتظر لنوقف هذا التدهور للغة العربية؟.