حذر أكاديميون وخبراء في التربية واللغة العربية من مخاطر تراجع اللغة العربية في التعليم الفلسطيني مطالبين بوضع الحلول والبرامج الإصلاحية العاجلة لتفادي تجهيل الجيل والمجتمع الفلسطيني.. وتتعرض العملية التعليمية في الأراضي الفلسطينية هذه الأيام لمخاطر بسبب التجاذبات والمناكفات الداخلية التي طالت قطاع التعليم وأيضا سياسة سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وأكد البعض منهم ان إسرائيل تمارس دورا خطيرا هدفه اضعاف التعليم الفلسطيني عبر ممارسات شتى.حمل وزير الثقافة السابق بسام الصالحي الاحتلال المسؤولية الكاملة في توقف عربة المعرفة في فلسطين، قائلاً: »الاحتلال عقبة أساسية أمام نشر المعرفة، من خلال تدميره لمراكز البنى التحتية والثقافية، بالإضافة إلى تدمير عدد من مراكز التراث في فلسطين، في صورةٍ همجية من العدوان على الثقافة والمعرفة الفلسطينية«. وأوضح الصالحي أن الإسرائيليين منعوا دخوء ل الكتب إلى الأراضي الفلسطينية منذ العام 2001 إلى أن سمحوا بذلك هذا العام من خلال منظمة اليونسكو. وحسب تقرير أممي فان السلطات الإسرائيلية استمرت بمنع استيراد العديد من السلع الأساسية، مثل القرطاسية المدرسية والملابس الرسمية لطلبة المدارس وأجهزة المطبخ والمواد الخام للتصنيع الغذائي.. ويؤكد المدرس عادل السلاخى الذي يحمل شهادة الماجستير، على أن هناك الكثير من الأسباب لتراجع اللغة العربية في التعليم الفلسطيني وأهمها الضعف الكبير في مستوى خريجي اللغة العربية الجدد، وهؤلاء ينقلون ضعفهم إلى الطلاب«. ومن الأسباب انتشار الدروس الخصوصية في اللغة العربية ونوه إلى ان هذا يعزز الضعف لدى المدرسين والطلبة على حد سواء. ويرى بدوره المدرس أسعد الباهر أن السبب الثالث يتمثل في النظام التربوي في فلسطين، والذي همش اللغة العربية لصالح الإنجليزية، وبدلاً من التركيز على تقوية الطالب عربياً في الصفوف الأساسية، أصبحنا نركز على اللغة الإنجليزية. وقال: »كم أتمنى أن أشاهد تلميذا يقرأ كتاباً، بل حتى جريدة، وإذا ما استمرت هذه الحال، سنجد أنفسنا بعد عدة سنوات أمام أجيال تعاني من الأمية، وسيصل الطالب إلى مرحلة التوجيهي وهو قد لا يعرف تكوين جملة باللغة العربية«. من جهته، ألقى استاذ اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، الدكتور عادل أبوعمشة، بجزء من المسؤولية أيضاً على وسائل الإعلام، داعياً الجامعات إلى الاهتمام بنوعية الطلاب، وليس بأعداد الخريجين واعتبر أبو عمشة، ان جريمة ترتكب بحق طلاب المرحلة الأولى. ويقول: الطالب لا يتقن الحروف الهجائية، ومع ذلك يرفع تلقائيا، وهذا يتحمل مسؤوليته النظام التربوي الذي يسهم بهذه الطريقة في تخريج أعداد كبيرة من الطلبة الأميين الذين لا يستطيعون قراءة الصحف ولا يعرفون القراءة ولا الكتابة«. من جهته، رفض استاذ اللغة العربية في جامعة بيرزيت الدكتور نصر الله الشاعر، تحميل المسؤولية للمنهاج الجديد، قائلاً: »المنهاج واحد من العناصر، لكن هناك عناصر أخرى عليها مسؤولية، ومنها وسائل الإعلام، والأسرة، ومؤسسات المجتمع المدني، والنشاطات اللامنهجية«. أما الدكتور يحيى جبر، رئيس قسم اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية، فوجه انتقادات لاذعة إلى منهاج اللغة العربية في فلسطين، وأشار الدكتور جبر، إلى أن مستوى اللغة العربية هو دون الحد الأدنى المعقول، وهذا يتطلب الإسراع في وضع حل جذري للمشكلة قبل أن تتفاقم، ليس على مستوى فلسطين، وإنما على مستوى العالم العربي. وحذر من الانخداع والانبهار باللغات الأجنبية، ولفت إلى أن الجامعات تخرج كل عام أعدادا جديدة من مدرسي العربية، لكن العديد منهم ضعيف؛ لأن الجامعات تضع في الحسبان المعايير الإنسانية فقط، مبيناً »أن ربط الشهادة بالوظيفة، كان له دور، فالطالب يأتي إلى الجامعة، ليس طلبا للعلم، وإنما طلبا للوظيفة«. واعتبر الدكتور أسامة أبو نحل الاستاذ بجامعة الأزهر بغزة ان ظاهرة تراجع اللغة العربية في التعليم الفلسطيني لها عدة أسباب أولها التأثيرات الخارجية على السياسة التربوية من حيث تقليل الدروس الوطنية والقومية، والتركيز على النواحي التي لا تخدم الطالب، خاصةً فيما يخص العولمة التي أثرت سلباً على انتماء الطالب، وجعله يركز جل اهتمامه على معرفة أمور لا تخدم قضيته ولا دينه. وثاني الاسباب كما يراها ابو نحل ان أساليب التعليم الحالية لا تركز كثيراً على العلوم اللغوية، محذرا من تجهيل الطالب بالنواحي الدينية. حيث لم تعد مادة التربية الدينية ذات أهمية بالنسبة لمقرري هذه المادة، بعدما تم حذف كل ما له ارتباط بالجهاد أو العداء لليهود والمخططات الاستعمارية؛ لذا بات الطالب العربي عامة والفلسطيني خاصة لا يحبذ التخصص باللغة العربية عند دراسته الجامعية، ففي بعض الجامعات الفلسطينية اضطرت إداراتها نتيجة لعدم إقبال الطلاب على دراسة اللغة العربية، إلى فتح فروع مرتبطة باللغة العربية كتخصص اللغة العربية والإعلام أو ما شابه ذلك، في محاولةٍ لإبقاء الصلة باللغة الأم. لكن البروفيسور صادق ابو سليمان استاذ الأدب العربي بجامعة الأزهر بغزة يخفف من خطورة الظاهرة ويقول ان اللغة العربية في فلسطين إذا ما قيست بحالها في بلدان عربيةٍ أخرى فإنها لا يُخافُ عليها، وذلك بفعل تمسك الناس بها بالفطرةِ: فِطْرتهم في التمسك بطرد الاحتلال، وهناك عوامل أخرى معززة لهذه الفطرة، أهمها الوازع الديني عند الناس، وانتشار مراكز تحفيظ القرآن. وإنْ كنت أشعر بأن التجاذبات الحزبية أضعفت تأثير هذا الجانب الديني لارتباطه بأحداث الانقسام، وعاد ابو سليمان مؤكدا أن العربية تعاني من ضعفٍ عندنا في الضفة وغزة، وأوضح استاذ الأدب العربي ان سبب المشكلة الرئيس يكمن في عدم وجود القدوة أعني المتكلم أو العالم الثقة في رواية اللغة الصحيحة، وهذا السبب عام في فلسطين وغيرها من أصقاع العربية. وأضاف نحن دائما نحث طلبتنا على السماع الجيد والمحاكاة الجيدة؛ فهذان المبدآن فيهما حل مشكلة أي لغة: اِسْمعْ والمح ابو سليمان إلى الاسباب المباشرة لضعف وتراجع اللغة العربية في التعليم الفلسطينى هي ((المعلم وعدم التدقيق في الاختيار- معلم الحضانة- الاهتمام بتعليم الأطفال اللغات الأجنبية ولاسيما الإنجليزية- عدم المراقبة للمعلم- عدم مطالبة الطفل بالتحدث بالفصحى- عدم العناية بلغة الأم في البيت- الدعايات المغرضة الموروثة عن أعداء العربية- المسلسلات وبرامج المرئيات العامية)) . وأشار إلى ضعف معلم الجامعة غير الكفء وقال فقد تجد منهم من يحمل شهادة جامعية عليا في تخصص العربية ويخطئ في أبسط قواعد الإملاء، أو لا يدري ما هو العروض أو النحو أيضاً وهذا سبب مهم ينعكس في الخريجي. بينما يقول الاستاذ الدكتور فوزي الحاج استاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر في غزة إن اللغة من أهم محددات الهوية والشخصية القومية ولا يخفى على أحد أن الهوية العربية في حالة تماهي مع المعتدي، وان حالة الضعف والهوان أول ما تبدأ بالتنازل عن اللغة. وأشار البروفيسور الحاج إلى أسباب أخرى لضعف اللغة العربية في التعليم الفلسطيني منها تقبل أقسام اللغة العربية أدنى المجاميع وبالتالي فإن أغلب من يدرسونها هم من الفاشلين مسبقاً وقد أرغموا على دراستها لأن مجموعهم لم يؤهلهم لقسم آخر. وبين انه قد أصبحت القراءة عملة نادرة في زماننا هذا، بحيث لا يقرأ الطالب سوى المقرر وفي ليلة الامتحان وهو يسجل المعلومات على الذاكرة الظاهرية للمخ ثم يقوم بمسحها بمجرد الانتهاء من الامتحان. لقد ولى ذلك الزمن الذي كان الشباب يقرأون فيه للعقاد وطه حسين وغيرهما من الأدباء لمجرد المتعة الأدبية، إن قراءة هؤلاء اليوم أشبه بالعقاب بالنسبة لمعظم الشباب وسبب آخر هو أن طموح الشباب إلى العمل والوظيفة بعد التخرج وهو طموح مشروع دفعهم إلى اللجوء إلى كليات التربية عند دراسة اللغة العربية، وتركز هذه الكليات على مهارات التدريس وأدواته وغير ذلك من الأمور التربوية على حساب الإحساس باللغة وتذوقها. أما الخبيرة التربوية سوسن نصر التي أمضت حوالي 22 عاما في تدريس اللغة العربية في مدارس مدينة غزة تقول من المؤكد أننا نشهد تراجع اللغة العربية والتعليم في فلسطين وذلك لعدة أسباب منها متعلق بسياسية وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وهدف العملية التعليمية، حيث انتقدت عدم اهتمام المسؤولين برعاية العملية كما يجب وذلك لارتباطها بالسياسة الخارجية وذلك ما ستضمن من سعى خارجي لنشر نشر الأمية بطريقة مقنعة والتخلص من المبدعين الفلسطينيين. وأشارت الخبيرة نصر إلى سبب ثالث وهو المناهج التعليمية وسبل التدريس القائمة على مبدأ التلقين والحفظ في تعليم لغتنا القومية وهى بالقطع لا ترتقي لحد الآن إلى التحديات المعاصرة التي تواجهها لغتنا القومية، وقالت ((مناهجنا غير مؤهلة لحفظ وصون لغتنا القومية من الضياع والاندثار، بل هي ساهمت في قطيعة بين الأجيال وبين حب تعلم اللغة القومية)) وتحدثت عن مشكلة ضعف التلاميذ في القراءة، ومادام هناك ضعف في القراءة فحتما نحن أمام ضعف في اللغة العربية. وتابعت الخبيرة نصر ان من أسباب ضعف اللغة العربية في التعليم الفلسطيني ندرة اهتمام معلمي المواد الدراسية باستخدام الفصحى في التعليم إضافة إلى الضعف اللغوي لدى فئة غير قليلة من معلمي اللغة العربية، بخاصة في المرحلة التأسيسية (الابتدائية) ويصحب ذلك إسناد تعليم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية إلى معلمين غير مؤهلين لتدريسها. وتحدثت نصر عن عدم اهتمام كثير من معلمي اللغة العربية بتصحيح الأخطاء اللغوية التي يقع فيها الطلاب. لغة «البريستيج» انتقد الدكتور نصرالله الشاعر الاستاذ في جامعة بيرزيت وسائل التدريس التي تعتبر اللغة العربية، لغة للقراءة والكتابة فقط، وليس لغة للحديث، وأشار هنا إلى ضعف كادر تدريس اللغة العربية في مراحل التعليم الفلسطيني. وقال »نحن في فلسطين لا نكرم اللغة العربية بشكل جيد، واغلب معاملاتنا باتت بلغة أجنبية كنوع من البريستيج؛ لأن نظرتنا للغة العربية، أصبحت نظرة دونية، ليس فيها احترام.