البداية مبشرة وجادة .. لو صدقت النيات فسوف تكون نقطة تحول مهمة نحو إصلاح حقيقي للتعليم. فاجأنا الدكتور محب الرافعي وزير الدز 0تربية والتعليم بالكشف عن إعداد مشروع لتوحيد نظام التعليم قبل الجامعي والبدء في الغاء نظام التعليم الدولي في هذه المرحلة التعليمية.. معبراً عن استيائه من تعدد أنواع المدارس والمناهج ومؤكداً أن ذلك يؤثر علي الهوية الوطنية وعقول الطلاب. قال الرافعي: التعليم أصبح مفتوحاً علي البحري وأنواع المدارس والمناهج باتت غريبة.. وهو مالا يحدث في كل العالم.. حيث توجد مدارس دولية وأمريكية ورسمية ورسمية متميزة وبكالوريا.. وتساءل: ما كل هذا التنوع وما فائدته؟!.. وأضاف: ندرس لأولادنا الثقافة الألمانية والأمريكية والبريطانية.. كيف يمكن أن يستمر ذلك.. احنا ما درسناش كده في كلية التربية وهذا غير موجود في أي مكان في العالم سوي مصر. ولمزيد من التوضيح والتأكيد قال الوزير: المدارس الأجنبية أصبحت تمثل مشكلة كبيرة نظراً لعدم اهتمامها بتدريس اللغة العربية ولا تاريخ ولا جغرافيا الدولة كما تأتي التربية الدينية في ذيل القائمة وهو ما يهدد الطلاب بخطر ابتعادهم عن هويتهم وثقافتهم وتاريخهم.. ولذلك فإن ملف المدارس الأجنبية ستتم دراسته بشكل كامل ومن جميع جوانبه تمهيداً لتوحيد نظام الدراسة قبل الجامعية ثم يبدأ التنوع في المرحلة الجامعية ومن يرد الالتحاق بجامعة أمريكية أو ألمانية أو غيرهما فهو حر وهذا ما يحدث في كل دول العالم التي تحرص علي تدريس هويتها وثقافتها في هذه المرحلة علي أن تفتح مجال الاختيار في مرحلة الجامعة. وأضاف الوزير: سنبدأ تطبيق النظام الجديد من الصف الأول الابتدائي بحيث لن يضار الطلاب الملتحقون بالنظام الحالي.. مؤكداً أنهم سيستمرون في دراستهم بشكل اعتيادي علي أن يطبق النظام في حال اقراره علي الطلاب الجدد. هذا كلام رائع .. كلام جميل ومعقول.. وأزيد عليه بأن تعدد أنظمة التعليم قبل الجامعي في مصر خلق حالة من الفوضي والعشوائية وأخل بمبدأ المساواة بين المواطنين.. وأخرج فئات وقطاعات من المتعلمين متنافرة ثقافياً واجتماعياً وقطاعات أخري منقوصة أو مهزوزة الهوية..وفي ذلك كله إخلال وتهديد للأمن التربوي الذي هو فرع أصيل من الأمن القومي. وسبق أن حذر مفكرون كبار من هذه الفوضي التعليمية.. في مقدمتهم طه حسين ود. إبراهيم بيومي مدكور ود. عبدالحليم أنيس.. وصولاً إلي د. سعيد إسماعيل علي أمد الله في عمره.. وقد طالبوا جميعا بضرورة أن يكون هناك مقدار من مناهج التعليم وبرامجه مشتركاً بين المصريين.. وأن تشرف عليه الدولة بالملاحظة والتفتيش والامتحان.. انطلاقا من أن المصريين جميعاً مشتركون فيه شراكة عادلة.. سواء تعلموا في المدارس الرسمية أو المدارس المصرية الخاصة أو المدارس الأجنبية أو في الأزهر ومعاهده. وتتأكد خطورة المدارس الأجنبية والدولية في أنها تدرس مناهج أجنبية لتلاميذ مصريين.. وهذه المدارس تشبه المستوطنات التعليمية.. حيث يعيش فيها أبناؤنا بيئة ثقافية منعزلة إلي حد كبير عن البيئة الاجتماعية والثقافية المصرية.. وينخرطون في منظومة متكاملة من القيم والعادات والتقاليد والمفاهيم والاتجاهات التي تنزعهم من شجرتهم المصرية ليكونوا صالحين للزرع في مجتمعات أخري. لقد تعاقب علينا كثير من الوزراء بجهلهم وفسادهم حتي صار لدينا 6 أنواع من التعليم: التعليم الحكومي المجاني المتدني للغاية.. والتعليم الحكومي بلغات.. والتعليم الخاص بغير لغات.. والتعليم الخاص بلغات.. والتعليم الأجنبي.. والتعليم الديني "الأزهري" الذي تفرع هو الآخر إلي تعليم بلسان عربي وتعليم بلسان غير عربي.. وهذه هي الفوضي بعينها. أتمني أن يثبت الوزير الحالي علي موقفه .. وأن يبدأ الخطوة الأولي نحو الإصلاح.. وان كان يخالجني شك في ذلك.. وأخشي أن يغادر الوزير منصبه دون أن ينفذ وعده.. وحتي لو استمر أخشي أن يتراجع.. فالضغوط هائلة.. وطريق الإصلاح محفوف بالمخاطر.