د. خالد قنديل تداخلت المفاهيم الخاصة ب تعريف معنى حقوق الإنسان ، وتقاطعت فى الآونة الأخيرة مع حركة العالم الدءوبة، والمستجدات التى تفرض نفسها على مستويات مختلفة، سياسية واقتصادية واجتماعية، وعلى نحو بات معه الحديث حول هذا المصطلح، عصيا على الاستيعاب والتطبيق. والحقيقة أننا أصبحنا بصدد مفهوم على قدر بساطته، لا يخلو من تعقيد، خصوصا فى ظل سيادة أنماط من الفهم المنقوص لدى قطاعات كثيرة، لم تعد تتحلى بالمرونة وقابلية التغيير، رغم أن أسمى تعبير عرفته الحقوق وعرفه الإنسان، هو حق الاختلاف، تحقيقا لتجربة مفادها أن حرية أى شخص تنتهى عند أول نقطة تنتقص من الآخر. هذه النسبية، قد يمكن فهمها من واقع العديد من المتغيرات والمستجدات، التى تعترى الكرة الأرضية، ولعل جائحة كوفيد - 19 تعد نموذجًا حيا للدلالة على تلك النسبية، التى تتجلى فى درجات تطبيق الإجراءات الاحترازية، فالخروج من البيت والتسكع والسفر والتنزه، جميعها حقوق مكفولة ضمنا دون إشارة لذلك، لكن هذه الحقوق على أهميتها أصبحت مقيدة، فى ظل المواجهة الشرسة لهذا الفيروس القاتل، بل إنها فى كثير من الأحيان بدأت تأخذ مسارا مغايرا، وهو ما يؤكد أن الإنسان فى بعض حالاته، يكون أول من يقيد حريته، امتثالا لدواع أشمل وأوسع وأهم تتعلق بقيمة الوعى وعدم نشر الضرر. من هنا يمكننا أن نتفهم مدى حنكة التجربة المصرية، فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، وهى تجربة تتسق تماما وطبيعة السياق المصرى التاريخى، الذى يجعلها دائما رمانة الميزان فى حسم المفاهيم المعقدة، ولعل هذه الإضاءة تحيلنا بالضرورة، إلى بؤرة الضوء الماثلة، فى تفعيل هذا التوازن، الذى يتجلى فى مدى وعى القيادة السياسية، وفهمها لمكانة مصر، وأسلوب تفاعلها مع قضايا العالم المطروحة، وهو ما تجلى مؤخرا، فيما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة لباريس، عندما أشار بوضوح إلى مدى حرص الدولة المصرية، على تعزيز قيم حقوق الإنسان، بمفهومها الشامل الواعى، مستخدما دائما كلمة وعى المصريين. كانت رؤية مصر واضحة للغاية فى هذا الملف، عندما أكد الرئيس السيسى لنظيره الفرنسى، إيمانويل ماكرون ، أن مصر تعمل وفق رؤية ثابتة، تنطلق من تحقيق التوازن المطلوب، بين ضرورات الحفاظ على الأمن والاستقرار من ناحية، وحماية حقوق الإنسان من ناحية أخرى، مؤكدا أن مثل هذا التوازن لا يتحقق ولا يؤتى ثماره، إلا عبر بذل الجهود الكبيرة لتعزيز الوعى بحقوق الإنسان دون تمييز، من خلال ترسيخ مفهوم المواطنة ، و تجديد الخطاب الدينى ، وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء. كان الرئيس السيسى قاطعا، عندما أكد أهمية حرية الرأى دون التعرض والتعدى على القيم الدينية ، لأنها أعلى من القيم الإنسانية، فالأخيرة نحن صنعناها، أما الأولى فهى سماوية ومقدسة، والحقيقة أن تصريحات الرئيس خلال المؤتمر الصحفى، جاءت فى وقتها وموضعها المناسب، إذ كانت تحمل دلالات مهمة للغاية، فضلا عما تضمنته من توضيح شامل للرؤية المصرية التى تنطلق من سماحة الدين الإسلامى، الذى يرفض بشكل قاطع أى اعتداء على حرية العقيدة ويحترم كل الأديان. كان الرئيس السيسي واضحا، وهو يؤكد أن الإساءة إلى الأنبياء والرسل، تنطوى على استهانة شديدة ب القيم الدينية السليمة والرفيعة، وتستهدف جرح مشاعر الملايين، وخلق حالة من اللاوعى بمفهوم حرية الرأى ، وهو ما يستلزم أن يراجع الفرنسيون رؤيتهم فيما يتعلق بحتمية احترام الرموز الدينية، وضرورة فتح الباب أمام حوار جدى فى هذا الخصوص، بين الدول الغربية لاسيما فرنسا، ودول العالم الإسلامى بمنظماته ومؤسساته الكبيرة وعلى رأسها الأزهر الشريف. * نقلًا عن صحيفة الأهرام