بايدن يؤكد للرئيس السيسى تقديره لجهود مصر للتوصل لوقف إطلاق النار فى غزة    الأهلى يهزم الزمالك 27 - 21 ويحسم لقب محترفى اليد    عيار 21 بالمصنعية بعد الانخفاض.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 24 مايو 2024 للبيع والشراء    مصر تُرحِب بقرار "العدل الدولية" فرض تدابير مؤقتة إضافية على إسرائيل    الصين تحذر: رئيسة تايوان تدفع باتجاه الحرب    تزامنا مع كلمة ل نصر الله.. حزب الله يستهدف موقعا إسرائيليا بصاروخين ثقيلين    "بولتيكو": إجراءات روسيا ضد إستونيا تدق جرس الإنذار في دول البلطيق    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    الأهلي يبدأ مرانه الختامي لمواجهة الترجي في نهائي دوري أبطال إفريقيا غدا    «تجاوز وعدم أدب».. بيان ناري لرابطة النقاد الرياضيين ردًا على تصريحات محمد الشناوي ضد الصحافة المصرية    الدبلومات الفنية 2024.. "تعليم القاهرة": تجهيز أعمال الكنترول وتعقيم اللجان    المخرج أشرف فايق: توقعت فوز الفيلم المصري "رفعت عيني للسما" بذهبية مهرجان كان    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع والتسليم لله    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    «العدل الدولية» تحذر: الأوضاع الميدانية تدهورت في قطاع غزة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    بعد ظهورها بالشال الفلسطيني.. من هي بيلا حديد المتصدرة التريند؟    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    الأزهر للفتوى يوضح أسماء الكعبة المُشرَّفة وأصل التسمية    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    الإسكان تتابع جهود قطاع المرافق لتعظيم الاستفادة من الحماة المنتجة من محطات معالجة الصرف الصحي    11 مليون جنيه.. الأمن يضبط مرتكبي جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    مران صباحي ل«سلة الأهلي» قبل مواجهة الفتح المغربي في بطولة ال«BAL»    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    "التروسيكل وقع في المخر".. 9 مصابين إثر حادث بالصف    "تائه وكأنه ناشئ".. إبراهيم سعيد ينتقد أداء عبدالله السعيد في لقاء فيوتشر    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة مواجهة القبح العمراني والسلوكي
نشر في بوابة الأهرام يوم 21 - 08 - 2020

بلدنا جميلة بنيلها وشواطئها وآثارها، ويمكن أن تصبح أكثر جمالا بقليل من الاهتمام، وأول بنود هذا الاهتمام هو الشعور بمواطن الجمال، وللأسف فإننا نتعامل مع عمليات تجميل وتخطيط الميادين على أنها مقاولات وليست عملا جماليا، المهم أن يربح المقاول وتعم الفائدة على الموظفين.
فإذا كانت مدينة الأقصر تعد أكبر وأقدم مدن مصر وهي أكبر متاحف العالم المفتوحة ، فلا يمكن أن تأتى بقطعة آثار مقلدة من الموسكى مثلا وتضعها في أحد ميادينها، وإلا فإنك تشوه ذلك الفن والتاريخ، ولا تعرف قيمة هذا المتحف الكبير، ولا تشعر بقيمته ولا روح من أنجزوا تلك المعجزات المعمارية والفنية.
ولهذا كانت صدمتى كبيرة عندما شاهدت ما اعتبرته محافظة الأقصر تجميلا لميادينها الرئيسية، وكانت البداية منتصف العام الماضى عندما تم وضع مجسم مشوه يشبه مفتاح الحياة في ميدان «مرحبا» القريب من معبد الأقصر، وبعد انتقادات عديدة تم نقله إلى نهاية شارع خالد بن الوليد بعيدا عن المنطقة الأثرية.
إلا أن الأمر لم ينته عند ذلك بل تكرر في ميدان «النوفوتيل» منذ أيام حيث تم وضع مجسم مستطيل الشكل كتب عليه اسم مدينة الأقصر وقد أثار هذا المجسم العديد من الانتقادات أيضا بين الأهالى لعدم وضوح دلالة الشكل الخاص بالمجسم فهل تم وضعه فقط لكتابة اسم المدينة أم كان ينبغى إضافة لمسات فنية وجمالية ذات صلة بتراث الأقصر وقيمتها؟ فلماذا كل هذا الإصرار على القبح واختيار كل ما يشوه مشروع الهوية البصرية لمحافظة الأقصر، ذلك المشروع الذي تبناه الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الوطني السادس للشباب في جامعة القاهرة كجزء من مشروع ترسيخ الهوية البصرية لمصر، ليعكس التنوع الحضارى والتاريخى أمام السائحين.
فلم تنضب مصر من الفنانين العظام، بل لدينا فنانون تلقائيون في فن النحت وغيره، يصنعون تماثيل ولوحات فرعونية غاية في الإتقان والجمال، يبيعونها للسائحين المبهورين بقدرات هؤلاء العمال أحفاد الفراعنة.
وقد شاهدت بنفسى الكثير من أعمال النحت لطلابنا في مشروعات التخرج في عدد من كليات الفنون بالجامعات المصرية، وأبهرني إنتاجهم المتميز والرائع، ولهذا كانت صدمتى من اختيار مجسمات مشوّهة ووضعها في أهم ميادين الأقصر. فيتجلى التباين الواضح بين القبح المستجد وبين آثار المتحف الرائع الجمال، أو تلك النقوش القديمة الرائعة، وأحزن على ما حدث، ولا أجد سببا لذلك إلا انعدام الذوق، فإذا لم يستطيعوا أن يبدعوا فليتركوا التجميل لأصحابه، ويتركوا الميادين كما هى أو يزرعوها وردا وأشجارا، لكن لا يضعوا تلك المسوخ المشوّهة التى تثير سخرية سكان الأقصر ودهشة السائح الأجنبى الذى شاهد التحف العمرانية والفنية ونقوش أجدادنا الرائعة التى مازالت تحتفظ بألوانها الزاهية منذ آلاف السنين ويقارنها بهذا التشويه البصري والفنى.
ألا توجد لجنة فنية من الكليات المتخصصة وكبار فنانينا تراجع مثل هذه الأعمال قبل وضعها في الميادين؟ أم أن الأمر متروك لذوق المقاولين الذين لا يعرفون إلا الأعمدة الخرسانية وأعمال التبليط؟ ألا يمكن إجراء مسابقة بين الفنانين والمبدعين يتم من خلالها توسيع قاعدة الاختيار لنضمن اختيار الأفضل والأنسب لكل ميدان وفقا لطبيعته وقيمته وتاريخه؟
والأمر ليس مقتصرا على الأقصر فقط فخلال جولاتى في القاهرة شاهدت الكثير من الأعمال الجديدة والغريبة في الميادين، وتأكدت أن مقاولى الباطن يتحكمون في شكل شوارعنا ومياديننا، فلا يمكن أن تكون تلك التشوهات لشخص لديه حد أدنى من التذوق الجمالى، وخصوصا طريقة تعاملهم مع الثروة العمرانية الجميلة، مثل القاهرة الخديوية أو غيرها من المناطق الأثرية.
أما تلك القسوة في قطع الأشجار في مذابح جماعية فكان بالإمكان تجنبها أو على الأقل التقليل من عمليات الهدم والذبح والتدمير، وكأنهم في معركة مع كل شيء جميل وقديم يحمل عبق حضارتنا القديمة والمتميزة، فنريق دماء المبانى والآثار والأشجار بقلب أقسى من الحجر، لأننا ببساطة نغلِّب السرعة على الإتقان، والمكسب المالى على الروحى والفنى، ولا نشعر بقيمة العمارة القديمة وبهائها.
نعرف جميعا أن أعدادا هائلة من الفيلات والقصور جرى هدمها خلال العقود الماضية في أحياء راقية لاستغلال أرضها الثمينة في بناء عمارات ضخمة وقميئة في الوقت نفسه دون لمسة جمال معمارية، والهدف هو تحقيق الربح، والمبررات جاهزة، فصاحب العقار القديم يؤجره بجنيهات قليلة وهذا ظلم، بينما يمكنه أن يربح الملايين إذا هدم العقار الجميل وبنى مكانه برجا شاهقا به متاجر ومكاتب وعيادات، ولهذا يمكن للدولة أن تتدخل لإنقاذ بعض هذه الكنوز المعمارية، فتشتريها من أصحابها، أو تعوضهم عنها لتبقى عليها، فنحافظ على ما تبقى من كنوزنا المعمارية القديمة في وسط القاهرة والأماكن القديمة في مختلف المدن.
روح مدننا القديمة تشوهت بهذا الزحام الشديد الناتج عن التنافس على إنشاء الأبراج الشاهقة، بالمخالفة في الغالب لقوانين البناء، فرسَّخت أمرا واقعا على شوارعنا ومياديننا ومشاعرنا وذوقنا، وعلينا أن نحترم تراثنا وأن نزرع في أبنائنا قيم الفن والجمال حتى يحبوه ويحترموه، ونوقف تلك السلوكيات المشينة التى تأتى على ما تبقى لنا من قيم الجمال والأصالة.
أتمنى أن أشهد وأشارك في معركة لمواجهة القبح، وترسيخ قيم الذوق والجمال العمرانى، فهو أحد أهم علامات التقدم والرقى الإنسانى، ونحن جديرون بأن تصبح مدن مصر من صعيدها ومعابدها الفرعونية حتى الساحل الشمالى وشرم الشيخ والغردقة وكل مدننا الجميلة الجديدة والقديمة أكثر جمالا، بأن نحافظ على ما بها من كنوز عمرانية وأشجار جميلة، ونحرص على نظافتها.
مارينا.. تشوه جمالى
صدمت من استمرار مخالفات لا تقل خطورة وسوءا، وللأسف وجدت هذا التشوه في بقعة كانت من أجمل شواطئ الساحل الشمالى، ومن أوائل القرى السياحية التى جعلتها تنبض بالحياة والجمال، وهى مارينا التى كنا نتباهى بجمالها، فإذا بأيدى التشويه تمتد لتغزو شواطئها بعد أن قام جهاز المدينة بتأجير الشاطئ، فقام المستأجرون بالاستيلاء عليه وبنوا منصات خشبية وبلاستيكية حجبت رؤية البحر عن سكانها ومرتاديها وحولوا الشاطئ إلى مواقف مخالفة لانتظار السيارات لأن أصحابها يريدون إيقافها على الشاطئ مباشرة، ويضعون فيها ما يريدون أن يشربوه أو يدخنوه.
وقد ضج السكان بمارينا 5 و6 بالشكوى وقدموا بلاغات لعدة جهات رسمية دون مجيب، فتمادت أيدى القبح لتنتقل من تشويه الجمال الطبيعى للساحل إلى تشويه القيم الأخلاقية فيضعون السماعات العملاقة لإحداث أقوى ضوضاء وأشدها صخبا، ليقيموا حفلات ماجنة، فيبثوا موسيقاهم المزعجة، ويرقصوا رقصاتهم الغريبة، ويمارسوا سلوكياتهم المعيبة، ولا يعرفوا الفرق بين الاستمتاع بالجمال، واللهو العبثى الذى يستفز الأعين والآذان والمشاعر ويهدر قيم الجمال والأخلاق، ولا يكتفوا بذلك بل يضيّقوا الخناق على من جاءوا للاستمتاع بالهدوء والجمال، فحزنت على ما آلت إليه تلك القرية السياحية الجميلة، وتذكرت كيف كانت يوما واحة للجمال لمن يريد الاستجمام والاستمتاع بمياه بحرنا ورماله وشمسه وجمال الحدائق والبحيرات الصناعية وحمامات السباحة والجمال الأنيق.
* نقلًا عن صحيفة الأهرم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.