مصر أجمل بلاد الدنيا.. خصها الله بمعطيات جمالية لا حصر لها.. من موقع ممتميز له طلة يختال بها علي أرض الله الواسعة.. إنها عبقرية المكان.. كما أطلق عليها الدكتور جمال حمدان.. بلد يتمتع بمناخ يصاحبه الانتعاش صيفا وشتاء. إنها مصر.. جميلة الجميلات.. التي تتمدد علي شاطئ النيل بدلال.. تتعاجب بنخيلها وأشجارها التي ترسل بالقبلات الحانية الدافئة لمياهه الساحرة.. إن مصر جمالها رباني.. وهي منذ قديم الأزل تعلو حافظة حامدة لله الذي خصها بالذكر في القرآن علي عطائه السخي.. إنها كانت تعرف قيمتها وقيمة حضارتها الضاربة في جذور التاريخ! ولكن.. وآه من لكن.. التي تتبعها سلبيات كثيرة محبطة.. وهذه السلبيات شوهت كثيرا من جمالها المصري الأصيل.. وقذفت بها إلي التلوث في الجوهر والمضمون.. وفي قدرات الإنسان العقلية والنفسية.. إنها ليست مبالغة.. ارجعوا إلي التاريخ والشرائط القديمة.. وتصفحوا الأوراق القديمة.. تروا الجمال والرقي والأناقة. حتي البسطاء تصرفاتهم في الحياة بصمة حضارية تقول أنا المصري كريم العنصرين. وجاء العصر الحديث.. وهدأت خطي الإبداع والإحساس به. لكنها لم تندثر.. وظل الإلمام بثقافة الجمال كنزا يثري العقول والأبدان.. حتي قاد مصر في بداية الخمسينيات مايسترو وطني.. لكنه لم يكن يستسيغ نغم قيثارة الجمال.. ولم يهتم بفك رموزها.. وتبدل حال مصر من جميلة الجميلات إلي شابة قاطبة الحاجبين.. التي تشمر عن ساعديها.. لأن السلاح لابد أن يظل صاحي.. لأن الصراعات بين القوي الخارجية والداخلية تستعد.. وعلي مصر أن تصد ولا شيء يعلو علي صوت المعارك.. والجمال أدخلوه خندق النسيان.. بل لم يحافظوا علي ما ورثوه من أجدادهم.. بعيدا عن عظمة الحضارة الفرعونية التي مازالت تتعالي علي سوقية الصغار في عالم السياسة الحديثة.. حيث قد تم هدم الحدائق الرائعة التي كانت تزين وتروح عن ملايين من عشاق الجمال.. وتجدد لهم نشاطهم.. وتهمس لهم بالسكينة والترويح الذي هو حق لكل مواطن.. الإنسان لا تكتمل إنسانيته إلا بالإثراء الروحي.. فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان؟! تم هدم الحدائق والأشجار.. وصحروا الأرض الخضراء.. وخضروا الجدباء.. منطق معوج وغير مفهوم لهؤلاء الحكام الذين لا يعرفون فك رموز سيمفونية الجمال.. وما يتبعها من نشوة التقدم! التفتوا إلي التراث العقاري.. الذي كان يتميز عن غيره في أرقي مدن العالم.. ألم تفز القاهرة وتحصل علي جائزة المدينة الأجمل والأنظف عام..1925 فبمعول الجهل تم هدم عديد من البنايات ذات الطابع الأثري المميز.. دون وعي وإدراك لقيمتها.. وأقاموا كيانات خرسانية خالية من الذوق.. وأيضا من الإتقان والأمانة.. وكما يقول د. محمد شاكر: إنها أشكال معمارية معظمها لقيط يفتقد الهوية.. إلي جانب الغياب المتكرر لفضائل الإتقان والأمانة في مراعاة أصول الصناعة.. وأخلاقيات التشييد.. وأصبح تزييف المدن وكل مخطط له منهج يهدف إلي حرمان المدائن من سمات المدنية؟!! التي يعتبر الجمال أهم خصالها!! لأن الشكل يتسابق دائما مع المضمون!! بل إن الشكل المتحضر بالإضافة إلي كلام د. شاكر يجبر الإنسان علي الالتزام بالمعايير الحضارية ومرادفاتها من نظام ونظافة والتزام وانضباط.. وينعكس علي كل تصرفاته وأفعاله. وعندما نلقي نظرة علي حياتنا الآن.. نجد أنه تم اغتيال كل تلك المعايير لتسلط ثقافة القبح.. وصراخها المستمر في العقول والقلوب.. ومراوغة المنطق وتلوينها بألوان اللامعقول.. حتي يصدق المثقف والمتواضع الثقافة منطق الأعمال بالنيات. إن الشر يطل في غياب المعرفة ويسيطر أحيانا.. وكثيرا ما ينجح ويحاول نشر منهجه المتدني.. ليضمن ولاء هؤلاء المغيبين بعيدا عن كنوز العلم والثقافة.. وما يتبعها من إدراك للحقوق والواجبات!! الإنسان غير السوي إفراز لمجتمع جاهل.. أين كان المصري القديم؟ وكيف أصبح؟!! لا ننكر أن جذوره الحضارية ترقد سالمة وتهب واثبة في لحظات الخطر التي تتعرض لها الأمة!! وأؤيد رأي الأديب محمد المخزنجي الذي يعتقد أن أي إنسان أو حاكم له علاقة بالجمال.. سواء جمال الآداب والفنون.. أو حتي الطبيعة.. يصعب إفساده.. ابحثوا عن الحاكم العادل وليس الذي يمثل العدل.. كفانا خداعا.. مازال الشعب المصري يئن من أوضاع سيئة لا يستحقها لغياب القدوة. لماذا عندما تطل عيون السياسة الحمراء علي البلاد تنكمش الجميلة ويتلوث وجهها وقلبها أيضا؟! ألا يمكن أن نلعب سياسة دون أن نخسر إنسانيتنا وقيمنا ومبادئنا؟ إن المصري له وضع خاص.. إنه يكره العنف.. والآن أصبح العنف سمة تطل علينا في الشوارع والميادين!! المصري معروف بسماحته وشهامته.. واتباعه لمنهج أسلافه من موروثات حضارية لا يعرفها إلا المصري زماااان الآن للأسف.. انفجرت براكين القبح.. وجرت في البلاد كالفئران تلتهم خضار قلوبنا.. وتلوك بألسنتها سماحة علاقتنا بعضنا بعضا.. إن قلب الموازين الأخلاقية خطر كبير علي مصر.. وإلباس الباطل ثوب الحق مصيبة وفاجعة.. تعرقل البداية التي نشدو لها وننشدها جميعا؟ فما بني علي باطل فهو باطل؟! إن مصر بعد ثورة يناير تعيد ترتيب أوراقها؟! والثائر الحق كما قال الشيخ متولي الشعراوي رحمة الله عليه يثور علي الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد.. إنه دور الشباب والأوفياء أصحاب الضمير من كبار الساسة والمفكرين.. أن يدعوا إلي الهدوء والبعد عن التجاوزات غير المقبولة.. لأنها تنحرف عن الاحترام الواجب للمعاملة.. إن حقيقة الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.. فالدين معاملة؟! والمعاملة المقصودة ليست الممارسات القبيحة التي تثرثر ولا تنتج خيرا أبدا؟! وإنما استعادة عرش الجمال بمفهومه المادي والأدبي والمعنوي الذي يفعل الحوارات.. ويقيم الأفعال بالمنطق والأصول والإدراك والوعي الذي نفتقده الآن؟!! الجمال يزيد من الانتماء. سؤال: يا أهل بلادي: هل يمكن أن تنقذوا الجميلة من وحش السياسة؟!!!