في الأفلام القديمة, لم تكن الألوان تتصارع, فقط كان الأبيض والأسود البيوت القديمة والفيلات.. كانت هناك مسافة تريح العيون بين الشارع أو السور.. والفيلا, ولكن الفيلات اختفت, أو في طريقها للاختفاء مثل أفلام الأبيض والأسود, وحل محل الخيال القديم أبراج الأسمنت التي تتنافس في ايذاء العيون.. ربما يأتي يوم تكون فيه الفيلات مجرد ذكري, نراها في أفلام زمان, فنتأسي ونشعر بالحنين إلي زمن آخر لم يكن يعادي الجمال, بعد أن تتحول الشوارع إلي ما يشبه الانفاق, فماذا حدث للذوق العام, وللذوق المعماري تحديدا, ومن المسئول عن نزيف الفيلات التي تهدم يوما بعد الآخر؟ بالتوازي مع حركة تطوير العشوائيات, يحاول أصحاب الفيلات تدمير الاساسات للحصول علي ترخيص بهدمها وفي الوقت ذاته لم تجدد المرافق منذ الستينيات وتقام الابراج الشاهقة التي تقضي علي لمسة جمالية عمرانية تميز أحياء مصرية كانت تنافس مثيلاتها الأوروبية وبعد هدم الفيلا ترتفع ناطحة سحاب ويحل محل سكان الفيلا عشرة أشخاص تقريبا أكثر من300 لهم أكثر من100 سيارة إلي جانب احتياجات البرج من مياه وكهرباء وصرف صحي وانتظار سيارات ومحال جديدة ومطاعم وشركات! السؤال الآن: إذا كانت الفيلا تخص شخصا أو ورثة هل يجوز حرمان أصحابها من التصرف في ميراثهم الذي أجاد الاجداد في ابداع مبني جميل ؟ أم أن لهذه الثروة العقارية حصانة ما لحمايتها, بدلا من فوضي هدم الفيلات التي ربما تحول أحياء القاهرة إلي عشوائيات. فيلا محمد رشدي بالقرب من شارع التحرير في الدقي, كان للفنان الراحل محمد رشدي فيلا, لا نمتلك صورة للفيلا التي يقام مكانها مبني سكني.. و من أمام فيلا محمد رشدي سابقا قال لنا عم جمال الغفير إن الورثة قاموا بهدمها منذ سنتين وحصلوا علي تصريح بالهدم ورخصة للمباني الجديدة والمرافق من غاز وصرف صحي يتناسب مع العقار الجديد وهو من6 أدوار وميزانين وبدروم وجراج موضحا ان غرض الورثة ليس التجارة ولكن لورثة الراحل محمد رشدي. وفي منطقة المهندسين تسهل ملاحظة ان أغلب العقارات المقامة والتي تحت الانشاء كانت في الاصل فيلات وهدمت لانشاء أبراج يبلغ ارتفاع بعضها22 طابقا. في الطريق للانقراض تستبعد الدكتورة جليلة القاضي مديرة الابحاث بالمعهد الفرنسي للبحوث مصطلح اختفاء تدريجي للفيلات لأننا بصدد الدخول إلي مرحلة الانقراض في التسعينيات اختفت50% من الفيلات وبخاصة في مناطق جاردن سيتي, المهندسين, الزمالك, مصر الجديدة, مدينة نصر واستمر الاختفاء إلي حد الانقراض ففي المهندسين مثلا أصبحت المنطقة طاردة لسكانها لأنها تمثل مركزا للتجمعات التجارية لجذب المستثمرين وان من أهم سلبيات الهدم ان له تأثيرات وخيمة مما يمثل ضغطا علي البنية التحتية مؤكدة ان هذه المناطق اصبحت طاردة للسكان لعدم وجود جراجات بالمنطقة. وتقول انه رغم تطبيق قرار الحاكم العسكري بحظر هدم الفيلات الا ان هناك من تحايلوا علي القانون للاستفادة من قيمة الأرض وهذا الاستغلال التجاري جعل هذه المناطق طاردة للسكان وهذا يكلف المحليات مسئولية توفير مزيد من الجراجات والخدمات فهناك أكثر من10 ملايين عقار مغلقة مما يعني تجميدا للكثير من العقارات التي لا يحسن استغلالها فأصبحت المسألة عبثية. وتتوقع انه خلال30 أو40 سنة ستدمر المدن الجديدة أيضا وتتحول إلي عمارات وأبراج سكنية رغم ان أغلبها يتجه إلي الكلاسيكيات الجديدة وأي قرار حالي بمنع هدم الفيلات لا يمثل أي قيمة لأن80% من فيلات مصر اندثرت وهذا يحمل العبء علي المحليات لزيادة كفاءة البنية الاساسية للتوافق مع النمط الجديد لأنه يمثل إهدارا للموارد ولابد من اعداد قوائم معتمدة للحفاظ علي ما تبقي من الثروة العقارية والتصدي لأي عبث حتي لا تلحق الكارثة بالمباني الأثرية. 2009 عقار بالقاهرة وتقول الدكتورة سهير حواس رئيسة الادارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات بجهاز التنسيق الحضاري إن بإلغاء قرار الحاكم العسكري في2005 و بالقانون رقم144 لسنة2006 معالجة الفجوة التشريعية التي حدثت لمنع مذبحة هدم الفيلات التي تعرضت لها فيلات ومبان ذات قيمة معمارية وتراثية وتاريخية لارتباطها بأشخاص من ذوي الشأن في الحياة العامة أو ارتباطها بالاحداث القومية أو التاريخية ومن هذه المباني التي هدمت فيلا أم كلثوم وحسين الشافعي والفنانة شادية وقصر شريف باشا صبري وفيلا قوت القلوب وقد شكلت لجان من اساتذة العمارة والانشاء والاثار والفنون ومندوب من الحي ووزارة الاسكان ووزارة الثقافة والجهاز لحصرها ووصل عددها في القاهرة2009 عقارات مسجلة غير مصرح بهدمها والجهاز مسئول عن الاعتناء بهذه المباني باعتبارها اثرا تاريخيا يعمل علي صيانتها والحفاظ عليه واعادة تجديد ورد إلي ما كان عليه علي نفقة الجهاز. وأضافت ان اللجان المشكلة تصدر هذه القرارات بعد المعاينة والفحص وتحديد مدي اثريتها سواء كانت طرازا معماريا متميز أو مرتبطة بالتاريخ القومي أو شخصية تاريخية أو تمثل حقبة تاريخية أو مزارا سياحيا والعقوبة تصل إلي الحبس والغرامة لا تقل عن20 ألفا ولا تزيد علي مليون جنيه عبئا علي المرافق من مياه وصرف صحي والتوسع يجب الا يتم علي مستوي الفيلات فنحن بحاجة إلي التوعية بالتاريخ وكيفية المحافظة عليه ولسنا في حاجة إلي قانون. وتابعت أن جهاز التنسيق الحضاري حصر أربع مناطق للفيلات الموجودة بها خاصة ذات طابع اثري ومعماري مميز ففي المنطقة الشمالية تم حصر6 أحياء منها الزيتون وحي حدائق القبة وحي الساحل وحي روض الفرج وشبرا وبولاق وفي المنطقة الجنوبية حصر الجهاز حي مصر القديمة, الخليفة والمقطم, السيدة زينب وفي المنطقة الشرقية حصر حي مصر الجديدة, عين شمس, النزهة, المرج, المطرية وفي المنطقة الغربية حصر حي المسكي وحي باب الشعرية, عابدين, حي وسط, حي غرب, حي الوايلي). صراع حقيقي ويؤكد سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضاري أن اللجان القائمة تعمل علي حصر المباني ذات الطراز المعماري المتميز فقط وهذا خطأ لأن هناك معايير أخري تمنع البناء. ونحن نملك حتي الآن قاعدة بيانات تحتية توفر المعلومات المطلوبة عن العقارات لتحديد العقارات غير القابلة للهدم, والتلاعب في تراخيص الهدم هو الصراع الحقيقي الذي يواجهه جهاز التنسيق الحضاري وإذا ثبتت المخالفة قد تصل العقوبة إلي حرمانه من بناء العقار مرة أخري ومن المفترض ان يراعي قانون البناء الموحد كاشتراط لبناء العقارات مرة أخري. وبسؤال اللجان المسئولة في حصر المناطق وإلي اي مدي نجحت في عملها أكد الدكتور عمر الحسيني الاستاذ بكلية العمارة بجامعة القاهرة ومسئول عن المنطقة الشمالية أن المحافظة نجحت في حصر كل المناطق والعمارات الاثرية لحظر الهدم. ويوضح الدكتور صلاح ذكي رئيس قسم العمارة ونائب رئيس الاتحاد الدولي للمعماريين والمسئول عن المنطقة الجنوبية ان هناك لجانا متخصصة يشكلها المحافظ وتختص بتسجيل المباني ذات القيمة وإذا تبين انها مسجلة كتراث معماري لا يمكن هدمها وقد ثبتت بعض حالات التخريب التي اقامها اصحاب الفيلات للحصول علي ترخيص بالهدم في محاولة من صاحب العقار باستغلال الأرض وطبقا للقانون الجديد يحول إلي النيابة وتصل العقوبة إلي السجن وقد انهارت عقارات بالفعل ولم تتمكن المحافظة من الحفاظ عليها في المهندسين والدقي وتحولت إلي إبراج. ويقول الدكتور ذكي إن من هدم فيللا ملك له عليه ان يتقدم بطلب للحي حتي يقوم بالمعاينة للتأكد من أنها ليس محظورا هدهها وتحول كل اوراقها إلي وزارة الاسكان للعرض علي اللجنة المختصة سواء كانت لجنة مبان ايلة للسقوط او غير ايلة للسقوط ويفضل ان تكون خالية من السكان حتي ينفذ القرار سريعا وإذا كان بها سكان فقد يتخذ قرار بترميمها حفاظا علي السكان وإذا كانت مسجلة كأثر فلا يجب هدمها. ويقول مهندس الديكور صلاح مرعي اننا لا نقدر قيمة التراث المعماري فهناك فيلات تمثل فترة معينة ولم تسجل وما قام به جهاز التنسيق الحضاري يمثل نقطة في بحر من تراثنا فحصر الفيلات في كل المناطق يحتاج إلي مئات الأفراد للوصول إلي حصر دقيق لجميع الفيلات, وأنه لا يوجد كتاب به تسجيل دقيق للفيلات في مصر وأن نصف الفيللات مغلق, والكارثة الكبري ان هناك مشكلة حتي في تدريس التراث والثقافة والمعمار وان الفيللات الجديدة تفتقد إلي العناصر المعمارية وتجدها اقرب إلي الشقق السكنية ولا تنتمي إلي الطراز أو التصميم الشرقي وتبتعد تماما عن التراث المصري الأصيل. في جاردن سيتي في حي جاردن سيتي قالت لنا سامية حسين إن معول الهدم انتشر بالمنطقة ومحا معالم الجمال بها فبعد ان كانت من ارقي الأحياء بالقاهرة فلا تستبعد أن تتحول إلي عقارات وإبراج ومناطق تجارية ويجعلها تفكر في الانتقال للعيش في المدن الجديدة. وفي المهندسين, قال لنا حسن إسماعيل إن المنطقة اختفت بها الفيلات بشكل كبير ويخشي ان تتحول إلي منطقة عشوائية. وتقول سعاد محمد سيدة إنها كانت تقطن في فيلا بمصر الجديدة وقامت ببيعها بعد الانتقال إلي منطقة القاهرةالجديدة مقابل40 مليون جنيه ثم اكتشفت هدمها رغم ان المشتري أكد لها انه سيستغلها في إقامة مشروع بها, ويتركها علي حالتها. وقالت سمية إسماعيل من مصر الجديدة إن زيادة اعداد السكان بصورة كبيرة دفعت البعض إلي الهجرة للأحياء الجديدة مثل الشروق, والقاهرةالجديدة, لتعويض الهدوء الذي اصبحوا يفتقدونه في مصر الجديدة. ويقول سعيد حسن مقاول أحد منفذي عمليات الهدم إن هذه الفيلات لا تمتلك القدر العمراني المميز أما فيبني ابراجا سكنية يشهد له الجميع بفخامته مؤكدا صعوبة الحصول علي تصاريح الهدم ففي الدول العربية لا يستغرق الحصول علي الترخيص اكثر من يومين ولكنه حذر من اجهاد المرافق التحتية نتيجة تزايدا اعداد السكان وان هناك مناطق تشهد يوميا هدم الفيلات وهي: الهرم والدقي والجيزة والمهندسين. قال مجدي إسماعيل مقاول إن عمليات هدم الفيلات والقصور لتحويلها إلي عمارات سكنية مستمرة بنشاط كبير منذ ما يقرب من5 سنوات مبررا السبب بتزايد الطلب علي السكن في المناطق المتميزة, التي تأتي مصر الجديدة علي رأسها, وهي الزيادة التي لا تقابلها الأراضي المتاحة موضحا ان تزايد الطلب رفع الأسعار بصورة كبيرة, حيث وصل سعر الأرض في هذه المناطق إلي نحو40 الف جنيه للمتر, وأدي هذا إلي اتجاه كثيرين إلي هدم الفيلات وتحويلها إلي أبراح لا تقل عن12 طابقا. وأضاف انه في أغلب الأحيان يتم بناء البرج بالمشاركة بين صاحب الفيلا, علي أن يتم اقتسام الوحدات السكنية والإدارية في العقار بالتساوي, وهو ما يحقق ارباحا تقترب من10 ملايين جنيه لكل منهما, رغم أن تكلفة الهدم والبناء لا تتجاوز4 ملايين جنيه. لكل مبني عمر افتراضي ويقول المهندس الاستشاري عبدالمجيد جادو خبير عقاري ان الشق الأول في القضية هو أن هناك احياء بها فيلات وخططت طبقا لكثافة سكانية محددة وإذا تجاوزت هذه النسبة يمثل خطورة علي مستويات كثيرة من مرافق وخدمات وصرف صحي, مؤكدا أن إلغاء قرار الحاكم العسكري يمثل معالجة الخطأ بخطأ فوقف عملية الهدم كان نوعا من الحدة في التعامل مع ملاك الفيلات كما تمثل عمليات الهدم المستمرة للفيلات اختناقا القاهرة وضغطا زائدا عليها ولأن لكل شيء عمرا افتراضيا فيجب ان توضع خطة تنظم عملية الهدم لنعيد للقاهرة وجهها الجميل لانه إذا استمرت عمليات الهدم ستصبح القاهرة مدينة طاردة لسكانها ويتقلص معدلات الاستثمار وربما تتعرض القاهرة مستقبلا للشلل الكامل داعيا للمحافظة علي ما هو جذاب مع اعادة استغلال المساحات الفارغة في القاهرة. ويري المهندس أبو الحسن نصار خبير عقاري ومهندس استشاري أن الفيلات من الناحية العملية أصبحت محاصرة لأنها محاطة من جميع الجوانب ولم يعد القاطنون بها يجدون فيها الخصوصية البصرية والسمعية لاختفاء المسافات بين العقارات مما افقدها طابعها الجمالي.