حيثيات «الإدارية العليا» لإلغاء الانتخابات بدائرة الدقي    وزيرتا التنمية المحلية والتضامن ومحافظ الغربية يتفقدون محطة طنطا لإنتاج البيض    تعرف على مشروع تطوير منظومة الصرف الصحي بمدينة دهب بتكلفة 400 مليون جنيه    نائب محافظ الجيزة وسكرتير عام المحافظة يتابعان تنفيذ الخطة الاستثمارية وملف تقنين أراضي الدولة    إما الاستسلام أو الاعتقال.. حماس تكشف سبب رفضها لمقترحات الاحتلال حول التعامل مع عناصر المقاومة في أنفاق رفح    الجامعة العربية تحتفى باليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى    شبكة بي بي سي: هل بدأ ليفربول حياة جديدة بدون محمد صلاح؟    إبراهيم حسن يكشف برنامج إعداد منتخب مصر لأمم أفريقيا 2025    وادى دجلة يواجه الطلائع ومودرن سبورت وديا خلال التوقف الدولى    الأهلي أمام اختبار صعب.. تفاصيل مصير أليو ديانج قبل الانتقالات الشتوية    أحمد موسى: حماية الطفل المصري يحمي مستقبل مصر    حكم قضائي يلزم محافظة الجيزة بالموافقة على استكمال مشروع سكني بالدقي    خطوات تسجيل البيانات في استمارة الصف الثالث الإعدادي والأوراق المطلوبة    الثقافة تُكرم خالد جلال في احتفالية بالمسرح القومي بحضور نجوم الفن.. الأربعاء    مبادرة تستحق الاهتمام    مدير وحدة الدراسات بالمتحدة: إلغاء انتخابات النواب في 30 دائرة سابقة تاريخية    انطلاق فعاليات «المواجهة والتجوال» في الشرقية وكفر الشيخ والغربية غدًا    جامعة دمنهور تطلق مبادرة "جيل بلا تبغ" لتعزيز الوعي الصحي ومكافحة التدخين    أسباب زيادة دهون البطن أسرع من باقى الجسم    مصطفى محمد بديلا في تشكيل نانت لمواجهة ليون في الدوري الفرنسي    رئيس الوزراء يبحث مع "أنجلوجولد أشانتي" خطط زيادة إنتاج منجم السكري ودعم قطاع الذهب    هل تجوز الصدقة على الأقارب غير المقتدرين؟.. أمين الفتوى يجيب    "وزير الصحة" يرفض بشكل قاطع فرض رسوم كشف على مرضى نفقة الدولة والتأمين بمستشفى جوستاف روسي مصر    محافظ جنوب سيناء يشيد بنجاح بطولة أفريقيا المفتوحة للبليارد الصيني    أمينة الفتوى: الوظيفة التي تشترط خلع الحجاب ليست باب رزق    وزير العدل يعتمد حركة ترقيات كُبرى    «بيت جن» المقاومة عنوان الوطنية    بعد تجارب التشغيل التجريبي.. موعد تشغيل مونوريل العاصمة الإدارية    عبد المعز: الإيمان الحقّ حين يتحوّل من أُمنيات إلى أفعال    استعدادًا لمواجهة أخرى مع إسرائيل.. إيران تتجه لشراء مقاتلات وصواريخ متطورة    دور الجامعات في القضاء على العنف الرقمي.. ندوة بكلية علوم الرياضة بالمنصورة    الإحصاء: 3.1% زيادة في عدد حالات الطلاق عام 2024    الصحة العالمية: تطعيم الأنفلونزا يمنع شدة المرض ودخول المستشفى    الرئيس السيسي يوجه بالعمل على زيادة الاستثمارات الخاصة لدفع النمو والتنمية    وزير التعليم يفاجئ مدارس دمياط ويشيد بانضباطها    من أول يناير 2026.. رفع الحدين الأدنى والأقصى لأجر الاشتراك التأميني | إنفوجراف    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره الباكستاني    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لتطوير المناطق المحيطة بهضبة الأهرامات    إعلان الكشوف الأولية لمرشحي نقابة المحامين بشمال القليوبية    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا.. 80 يومًا تفصلنا عن أول أيامه    وزير الثقافة يهنئ الكاتبة سلوى بكر لحصولها على جائزة البريكس الأدبية    رئيس جامعة القاهرة يستقبل وفد جودة التعليم لاعتماد المعهد القومي للأورام    الإسماعيلية تستضيف بطولة الرماية للجامعات    وزير الإسكان يتابع تجهيزات واستعدادات فصل الشتاء والتعامل مع الأمطار بالمدن الجديدة    دانيلو: عمتي توفت ليلة نهائي كوبا ليبرتادوريس.. وكنت ألعب بمساعدة من الله    ضبط 846 مخالفة مرورية بأسوان خلال حملات أسبوع    تيسير للمواطنين كبار السن والمرضى.. الجوازات والهجرة تسرع إنهاء الإجراءات    مصطفى غريب: كنت بسرق القصب وابن الأبلة شهرتى فى المدرسة    شرارة الحرب فى الكاريبى.. أمريكا اللاتينية بين مطرقة واشنطن وسندان فنزويلا    صندوق التنمية الحضرية : جراج متعدد الطوابق لخدمة زوار القاهرة التاريخية    وزير الخارجية يلتقي أعضاء الجالية المصرية بإسلام آباد    صراع الصدارة يشتعل.. روما يختبر قوته أمام نابولي بالدوري الإيطالي    إطلاق قافلة زاد العزة ال83 إلى غزة بنحو 10 آلاف و500 طن مساعدات إنسانية    اتحاد الأطباء العرب يكشف تفاصيل دعم الأطفال ذوي الإعاقة    تعليم القاهرة تعلن خطة شاملة لحماية الطلاب من فيروسات الشتاء.. وتشدد على إجراءات وقائية صارمة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 30نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا.... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك « ميدوزا - 14»    مركز المناخ يعلن بدء الشتاء.. الليلة الماضية تسجل أدنى حرارة منذ الموسم الماضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيد ميلاد قصة حب
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 11 - 2010

ارنو دائما الي لحظة ثقة بالواقع والمستقبل‏,‏ ولذلك كنت واحدا ممن يتجاهلون حالة الضجيج الصارخ الذي يستغني فيه البعض عن حكمة التفكير المتوازن ويرقص علي رقعة من نيران الغضب دون ان يتلفت حوله او يري حقيقة ما تحتاجه حياته‏.‏ ولكي اثبت يقيني هذا‏,‏ اوثر دائما ان ازور دار الكتب بباب الخلق مرة علي الاقل كل شهر‏,‏ فهي بيت الحكمة التي صارت متحفا رائعا‏,‏ يضم بجانب المخطوطات بعضا من اندر الموسوعات في الفنون‏.‏
وألمس انشراح القلب كلما اقتربت من هذا المبني الذي يتوسط القاهرة‏,‏ فهو يمثل للذاكرة الكثير والكثير‏.‏
اتذكر بداية صداقتي الي هذا المبني والذي صار قصة حب اساسية في ايام العمر‏,‏ فمنذ نصف قرن من الزمان جئت من الاسكندرية اقيم بالقاهرة‏,‏ وعشاق المعرفة والفنون السكندريون تحفظ اقدامهم عن ظهر قلب موقع مكتبة البلدية فيها‏,‏ والتي تتجاور مع متحف الفنون الجميلة‏,‏ ولا تبدع سوي خطوات غير بعيدة عن مسرح سيد درويش والذي صار حاليا اوبرا الاسكندرية‏.‏
وكنت من عشاق الاماكن الثلاثة‏,‏ فالمكتبة قادتني الي حقيقة واضحة هي كيف تمد جذور افكارك في التاريخ؟ ومتحف الفنون الجميلة هو الذي يهديني معرفة وصداقة مع ثلاثة يمثلون في حياتي حقائق ناصعة‏,‏ فعن طريق لوحات سيف وادهم وانلي يمكن لعيوني ان تعبر البحر المتوسط الي اوروبا واري عبر الوانه كيف اذاب هو وشقيقه ادهم كل اساليب الفن المعاصر ليجعلها في متناول العين المصرية ومن خلال حياة المصريين العاديين‏,‏ وطبعا لا انسي له دعوتي كي نذهب مع شلة اصدقاء كي يرسم بضعا من قوارب بحيرة مريوط‏,‏ التي تمرح بين اعواد الغاب تصطاد العديد من الاسماك‏.‏ ولن انسي ما اضافه لي الفنان حامد عويس مدرس الرسم بالاسكندرية الثانوية ثم الاستاذ بالفنون الجميلة‏,‏ هذا الذي شهد بلوحاته وألوانه رحلة الاسكندرية لتصبح المدينة التي تملك ذوقا رفيعا هو خلاصة البحر المتوسط وتظل لوحة حامد عويس التي تصور محطة الترام في كليوباترا اثناء خمسينيات القرن الماضي حية في ذاكرتي استدعيها عندما يدهمني زحام الاسكندرية الخانق حين اقوم بزيارتها في ايامنا تلك‏.‏ وكيف لي ان انسي استاذ رأفت وهو يناديني فور دخولي الي مكتبة البلدية ليهمس بانه سوف يأذن باقتراض ثلاثية نجيب محفوظ التي وصلت الي المكتبة قبل ان تصل الي الباعة في المكتبات الخارجية‏.‏ ولكن خطوات القدر رسمت لي الانتقال من الاسكندرية الي القاهرة لأمارس الحياة مع من احب‏,‏ حيث دار روز اليوسف بنجومها الزاهرة في ذاك الزمان احسان عبد القدوس واحمد بهاء الدين‏.‏
وفتحي غانم وكامل زهيري وصلاح عبد الصبور وجمال كامل وحسن فؤاد‏.‏ كنت خائفا علي ما سافتقده بالرحيل من الاسكندرية الي القاهرة‏.‏ خصوصا افتقاد حفلات الموسيقي بمسرح سيد درويش‏,‏ ولم يحدث هذا الافتقاد‏,‏ لان القاهرة قامت بتأسيس الاوركسترا السيمفوني والذي يقود أذني اليه استاذ علوم البحار الشهير الدكتور حسين فوزي‏.‏
ولكن اين يمكنني العثور علي نافذتي الروح الهامتين؟ اين المكتبة الجامعة؟ واين متحف الفن الجميل؟‏..‏ وجاءتني الاجابة من كامل زهيري هذا العبقري الذي امتزجت فيه احياء القاهرة القديمة بثقافات الهند وفوق ذلك مكتبات باريس‏,‏ فما ان سمع عما افتقده كان يجلس هو والشاعر صلاح عبدالصبور في غرفة واحدة‏,‏ قال كامل زهيري شاعرك المفضل صلاح عبد الصبور من عشاق دار الكتب‏,‏ ويمكن ان يقودك اليها؟‏..‏ وفي سيارة اوبل متهالكة يملكها الشاعر الكبير كانت اول زيارة لي الي دار الكتب‏,‏ والذي كان يردد يومها علي مسامعي ان الشعراء لا ينكسرون بإرادة غيرهم‏,‏ والدليل ان محمود سامي البارودي شاعر الثورة العرابية لم يسلم سيفه عندما انهزمت الثورة العرابية عكس الكثير من قادتها‏.‏ واضاف صلاح عبد الصبور انه يجد في هذه الدراما ما يفتقده او لا يعثر عليه من كتب المتصوفة الكبار‏.‏ وكان لكل من كامل الزهيري وصلاح عبد الصبور فضل هدايتي الي معارض الفن التشكيلي‏,‏ لتنشأ في واحد منها صداقة لا تنتهي مع الراحل المبدع كمال خليفة‏,‏ هذا الذي آمن بأن تحت جلد كل مصري حساسية فائقة للجمال‏,‏ الذي هو الجوهر في حياة المصري العادي وعندما كنت الفت عيونه الي بعض مظاهر القبح في شوراعنا‏,‏ كان يبتسم قائلا عندما يعلو صوت الضجيج السياسي علي صوت الاتقان‏,‏ يمكنك ان تجد بعضا من بثور القبح‏,‏ ولكن عندما تنبع السياسة من الاتقان المنتج فالامر يختلف‏,‏ وقد تمر لحظات قد تقاس بالايام والسنين يعلو فيها صوت الضجيج علي الاتقان‏,‏ ولكن سرعان ما تجرفها صحوة بذور الحضارة من جديد لتفرض شروطها علي الجميع‏.‏
وتمر السنوات ليتم تجديد دار الكتب بباب الخلق ولتصبح متحفا وبيتا للموسوعات‏,‏ وعندما ازورها اجد التجلي الظاهر لعناق الحداثة مع الاصالة‏,‏ حيث ابدع المعماري احمد ميتو في مزج الاثنين معا‏,‏ وهو من فاز في مسابقة عالمية بان يكون هو المطور لدار الكتب وتراجعت بقية المشاريع التي جاءت من مكاتب معمارية عالمية‏.‏ واكاد اسمع همساته لينبئنا بأنه واحد من تلاميذ المبدع الراحل جمال بكري عاشق الحضارة المصرية‏,‏ واتأمل كيف مزج المعماري ميتو تلك الحداثة الشديدة بعمارة عربية قديمة‏,‏ وكيف استطاع العثور علي الحلول الجمالية التي تربط القديم بالجديد دون اخلال‏,‏ بل بإضافة زهوة الحديث علي اصالة القديم‏.‏
وهكذا جاء عيد ميلاد دار الكتب المائة والاربعين ليفجر في التذكار لمحات من تاريخ قديم‏,‏ حيث تبدو الاوراق والموسوعات فيها كأرض شديدة الخصب قادرة علي ان تنبت عقولا ومشاعر راقية تعرف كيف تستوعب القديم وتملك جدارة الاخلاص للحاضر وترنو الي المستقبل لتمحو منه اي جهامة او قبح‏.‏
نعم تمثل دار الكتب بالنسبة لي قصة حب بدأت منذ قرابة الخمسين عاما‏,‏ ومازالت تملك الوهج كأنها مولودة منذ لحظات‏.‏ أليس هذا ما يفعله العشق في البشر؟

المزيد من مقالات منير عامر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.