على مدار ثلاثة أيام، استضافت العاصمة الصينيةبكين، النسخة الأولى من مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية، وذلك بمشاركة 47 دولة آسيوية، وشاركت مصر بعد أن وجهت الحكومة الصينية الدعوة لعدد من الشخصيات المصرية للحضور ليس فقط لأنها دولة أفروآسيوية، ولكن لأنها صاحبة أقدم الحضارات في العالم، وهو ما نوه إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطابه بالجلسة الافتتاحية الرئيسية بمنتدى الحزام والطريق الثاني ببكين نهاية شهر أبريل الماضي، حيث قال إن مصر والصين تشكلان أقدم حضارتين في تاريخ البشرية. أرض الفيروز وتقع شبه جزيرة سيناء في أقصى غرب قارة آسيا، وهي الجزء الوحيد من مصر الذي يتبع قارة آسيا جغرافيا، وتعتبر حلقة الوصل بين قارتي أفريقيا وآسيا، وكان طريق الحرير القديم وطريق الحرير البحري الذي يربط قديما بين مصر والصين يمر من أرض الفيروز. وفي الوقت الراهن قدمت مصر هدية للعالم، هي محور تنمية قناة السويس كأداة ذات دور مهم في مشروع ربط البنى التحتية المطورة التي ستساهم في تعزيز التجارة والاستثمار، وكذلك الاتصال بين الشعوب من خلال الخطط اللازمة التي يضعها الخبراء في مجالات التعاون القائمة. مثل مصر في المؤتمر هيثم الحاج علي رئيس الهيئة العامة للكتاب، وأحمد عبد العزيز سلام الخبير في الشأن الصيني والمستشار الإعلامي السابق في سفارة مصر ببكين، وإسراء عبد السيد حسن مديرة معهد كونفشيوس بجامعة عين شمس، وأحمد محمد سليمان رئيس بيت الحكمة للثقافة الصينيةبالقاهرة، وزياد عبيد من إدارة الاتصال والتواصل الاجتماعي بجامعة الدول العربية، حيث ألقى كل منهم كلمة خلال فعاليات المؤتمر وورش العمل التي عقدت على هامشه. وقد بلورت الصين خلال ذلك العرس الحضاري، صورة جديدة للتبادل والتعاون بين الحضارات والشعوب وذلك سعيا إلى تجنب صدام الحضارات وتعزيز التبادل والتواصل المستمر منذ آلاف السنين، سواء من خلال التبادلات الثقافية والدينية، أو التبادلات التجارية التي شهدتها الشعوب منذ زمن بعيد من خلال طريق الحرير، ورسخت فكرة المؤتمر مفهوم التبادل والتعاون بين الحضارات، مع إضفاء الهدف الصيني الأهم في العصر الجديد والمتمثل في "بناء مجتمع ذو مصير مشترك"، كما تضمنت فعاليات المؤتمر كرنفالا ثقافيا آسيويا وأسبوع الحضارة الآسيوية ومهرجان المطبخ الآسيوي. وتأتي أهمية هذا المؤتمر في كونه يجمع 47 دولة آسيوية والتي تكوّن القارة الأكبر عالميًا والأكثر سكانًا، حيث يعيش في القارة الآسيوية أكثر من 60% من سكان العالم، حيث تتميز الشعوب الآسيوية بالمزيج الكبير الذي تتكون منه هذه الشعوب، بالإضافة إلى تعدد العرقيات والثقافات، لتشكّل منصة فريدة تتميز بالتنوع الكبير فيما بينها، لكن رغم الاختلافات العرقية والثقافية في تركيبة الشعوب الآسيوية، إلا أنها شهدت تعاونا كبيرا ومواقفا مشتركة عبر التاريخ، تلك الصورة التي تحاول بكين تجديدها في المؤتمر الأخير. الكتاب جسر بين الحضارات من جانبه، قال هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة العامة للكتاب، إن التواجد في مؤتمر الحضارات الآسيوية، يخلق نقطة إنطلاقة مهمة جدا، لكيف يمكننا أن نبني مستقبلا مبنيا على جذور تاريخية، مضيفًا أن جزءا مهما جدا من هذا الحوار بين الحضارات، هي الجسور التي تمتد بين الحضارات، وأن هذه الجسور تمتد في الأساس عبر التاريخ، عن طريق مجموعة من الأشياء ربما أهمها هو الكتاب. صراع الحضارات أفكار غربية فيما قال أحمد سلام الخبير في الشأن الصيني والمستشار الإعلامي السابق في سفارة مصر ببكين، إن ما يثار عن صراع الحضارات هي أفكار يغذيها الغرب أكثر، مضيفًا أن هناك سعيا حثيثا لأن يكون هناك تناغم بين كافة الحضارات لأن دخول العالم في صراعات لن يبشر بخير للبشرية، ولكن فكرة بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية تزيد من حتمية الحوار والتناغم بين الجميع. الحضارة المصرية وأوضح سّلام – في تصريحات خاصة ل "بوابة الأهرام"، أن مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية الذي اقترحه الرئيس الصيني شي جين بينج، هو مبادرة مهمة جدا، والذي من خلاله اقترح أن يكون هناك حوار بين الحضارات ولا يقصد بين الحضارات الآسيوية فقط ولكن لابد من الحوار بين كافة الحضارات، وخاصة الحضارات العريقة، بما فيها الحضارة المصرية، مطالبًا بضرورة أن تعمم المبادرة على العالم أجمع بما يعود بالنفع اعتمادا على مجتمع المصير المشترك للبشرية. وأكد أن الحوار بين الحضارات يمثّل حاجة إنسانية واختيارا إستراتيجيا تقتضيها المتغيرات والتحولات المتسارعة التي يعرفها العالم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البشرية، وتفرضه التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع الدولي، معتبرا أن الحوار هو الوسيلة المثلي للتعايش بين الأمم والشعوب، علاوة على ما يلعبه من دور كبير في إزالة أسباب التوتر والصراع الذي يؤدي إلى اندلاع الأزمات. وأشار سلام إلى أن هذا المؤتمر يحمل الكثير من المعاني السامية ليس لآسيا فقط بل لكافة دول العالم، هذه المعاني يجسدها السعي الدؤوب من جانب كافة المجتمعات والدول إلى مستقبل أفضل وأكثر إشراقا وازدهارا لشعوبها، وهو ما لن يتحقق إلا من خلال العمل الجماعي المشترك فيما بينها لخلق مستقبل مشترك أفضل لأبنائها. ولفت المستشار الإعلامي المصري السابق لدى بكين، إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينج أكد في كلمته خلال افتتاح مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية على أهمية الاحترام المتبادل والمعاملة المتساوية بين الحضارات، حيث قال شي "إنه من الغباء الاعتقاد بأن عرق المرء وحضارته متفوقان على الآخرين، ومن الكارثي الإصرار على إعادة تشكيل أو حتى استبدال الحضارات الأخرى". ويرى سلام أن هذه الكلمات يقصد بها ضرورة تعزيز الحوار بين الحضارات المختلفة في إطار الاحترام المتبادل والتعاون بهدف خلق "مصير مشترك" بين كافة الأمم، والعمل على حل كافة المشاكل الاقتصادية والبيئية والاجتماعية لجميع دول العالم. أجواء مبهرة وقد أضفت خطوات الراقصين المبهرة وأصوات الموسيقى التي تنتمي إلى مختلف أركان قارة آسيا، الحيوية على الملعب الرياضي الوطني في بكين الذي يستضيف الفعالية، ولسان حال هذا المزيج يقول إن العالم يكفيه من النزاعات التي نجمت بسبب الافتقار إلى التواصل بشكل جيد، حيث حضر الحفل بينج وقرينته بنج لي يوان وعدد كبير من الضيوف الأجانب، حيث أكد بينج أن حوار الحضارات من شأنه مواجهة التحديات العالمية، ومنها الأزمات الاقتصادية والأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة والإرهاب والتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى الحاجة إلى تدعيم سبل التعاون من خلال إنشاء روابط شراكة بين القارة الآسيوية وقارتي إفريقيا وأوروبا. الحزام والطريق تبني مصيرا مشتركا للبشرية واعتبر سلام أنه ليس هناك فكرة أو مبادرة أكثر وضوحا في التعبير عن مضمون بناء المصير المشترك للبشرية من مبادرة الحزام والطريق، التي تُعد من أهم المبادرات الاقتصادية والتنموية التي طرحتها الصين، وترتكز في مبادئها وقيمها على تحقيق مبدأ الفوز المشترك لأطرافها المختلفة، وتهدف إلى ربط القارة الآسيوية بأفريقيا وأوروبا من خلال إحياء طريق الحرير القديم. العلاقات المصرية العربية الآسيوية وقال سلام إنه إذا كان محور هذا المؤتمر هو الحوار بين الحضارات الآسيوية، فلا يمكن إغفال ما ساهمت به الحضارة المصرية القديمة في التفاعلات والتبادلات الحضارية بين الجانبين العربي والآسيوي منذ آلاف السنين، وأن التواصل الإنساني والثقافي بين الحضارتين العربية والآسيوية عامة والصينية خاصة يعود إلى قرون عديدة مضت. وأضاف أن تاريخ العلاقات العربية الصينية بشكل خاص، شهد تبادلا وتلاقحا حضاريا خلاقا بين جميع أطرافه، كما نشط التبادل الثقافي فيما بينها على طريق الحرير القديم بشقيه البري والبحري، وأن القوافل والسفن لم تكن تحمل السلع فحسب، بل كانت تحمل أيضا الأفكار والاختراعات والمنتجات الثقافية بأنواعها المتنوعة، ومنها الفنون كالعمارة والموسيقى والرسم والأزياء، علاوة على اللغة العربية. وختم الخبير في الشأن الصيني، حديثه قائلا إن بكين تعمل من خلال طرحها لمبادرة "الحزام والطريق" على تقاسم خبراتها التنموية مع الدول الأخرى، بهدف بناء مستقبل جميل لشعبها ولشعوب الدول التي تتشارك معها في بناء "الحزام والطريق". الالتحام بين القارات فيما قال زياد عبيد ممثل جامعة الدول العربية، إن الزيارات رفيعة المستوى لقادة مصر والصين في السنوات الأخيرة أبرزت حرص البلدين على تطوير العلاقات وتوافقهما على أهمية الالتحام بين القارات الثلاث، مضيفًا أن الرئيس السيسي زار الصين 6 مرات ما يؤكد على تقدير القاهرة لدور الصين، وتقدير بكين لدور مصر وقدرها في العالم العربي والإفريقي والدولي بشكل عام، معتبرًا أن المؤتمر "تتويج للرؤية المصرية الصينية المشتركة بأهمية التحام القارات مع بعض". وتطرق عبيد إلى أهمية المؤتمر للتعاون الصيني العربي، مشيرا إلى أن التعاون في إطار منتدى التعاون الصيني العربي يأخذ أوجه متنوعة جدا وقد تفرع لمجموعة كبيرة من قنوات التعاون والعمل المشترك وتبادل الأفكار ومنها التبادل الثقافي والتبادل التجاري، مشيرًا إلى مجال "السماء والفضاء" كبعد إضافي يمكن أن يدفع التعاون بين الجانبين في ضوء مبادرة الحزام والطريق، قائلا إن العالم العربي مهتم باللحاق بركب العالم المتطور في الموضوعات التقنية والعلمية، وأن الصين أخذت خطوات كبيرة في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الفضاء والتكنولوجيات الحديثة والأكثر حداثة، وأن "هذه مجالات يطمح العرب للتعاون مع الصين فيها". الرئيس الصيني شي جين بينغ يلقي كلمة خلال حفل افتتاح مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية الرئيس الصيني شي جين بينج خلال حفل الافتتاح