سلوا الصخور والوديان ستنطق: أنا عربية وسأبقى على الاحتلال أبية، سلوها كى تحدثهم بما قاله النابغة شعراً في قصور غسان، سلوها عن معركة اليرموك وأصحاب سفيان، سلوها ستخبركم : "أنا الجولان".. هكذا تتحدث كل حبة من ثرى الهضبة السورية، من جبل الشيخ إلى وادي اليرموك، من القنيطرة إلى وادي الرقاد وسهول حوران، "هي الجولان وكفى" لن يضرها تصريحات من لم يقرأ التاريخ، وإن كان رئيس الولاياتالمتحدة ليرضى بها حفنة من لصوص الأراضي و غاصبي الأوطان. تتشابك معالم الجغرافية مع أحداث التاريخ لترسم صورة واضحة تبدو فيها ملامح الجولان السورية أبية عربية دون رتوش، فقد اقترنت الجولان منذ قديم الأزل بدمشق حيث تبعد تلك الهضبة 60 كيلو مترا عنها، وفى ذلك يقول الجغرافي والمؤرخ العربي الكبير ياقوت الحموي (626ه/1229م) : " الجولان جبل من نواحي دمشق". وتطل مرتفعات الجولان من الغرب على بحيرة طبرية ومرج الحولة في الجليل، أما شرقًا فيشكل وادي الرقاد الممتد من الشمال باتجاه الجنوب حتى مصبه في نهر اليرموك حداً عرف بأنه يفصل بين الجولان وبين سهول حوران وريف دمشق. ومنذ قديم الأزل سكنت القبائل العربية سفوح مرتفعات الجولان وآوت أليها، حيث سكنها العماليق الذين ينحدرون من أصول كنعانية استوطنت شبه الجزيرة العربية وسهول سورية وأودية العراق. كما آلت الجولان لسيطرة العرب الأنباط الذين كونوا مملكة قوية تحكمت في طرق التجارة بشبه الجزيرة العربية من القرن الرابع إلى القرن الأول قبل الميلاد، قبل أن تسقط فى أيدي الرومان. وقبيل الإسلام أصبحت تلك المنطقة محط رحال القبائل العربية اليمنية القادمة من الجنوب مثل غسان والأزد، واستطاع الغساسنة تكوين إمارة قوية فى الشاك تحالفت مع الروم، واعتنقوا المسيحية، واستطاعوا أن يكونوا حائطاً لسد أطماع الفرس الذين تحالفوا مع العرب المناذرة في العراق. وقد بني كبير الغساسنة الحارث بن أبى شمر الغساني عاصمتهم "الجابية" على مقربة من مرتفعات الجولان، ومنها عدد كبير من القصور، وظلت هكذا حتى سقوط الدولة في عهد آخر ملوكهم الحارث جبلة بن الأيهم في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب. ولا أدل على عروبة الجولان من تلك الأشعار التي خلدها شاعر العربية الأكبر النابغة الذبياني، والذي انتهى إليه التحكيم بين كبار الشعراء في سوق عكاظ قبيل الإسلام، وقد ورد اسم الجولان صراحة في قصيدته التي رثى بها النعمان بن الحارث بن أبى شمر الغساني والتي يقول فيها: فآب مضلوه بعين جلية .. وغودر بالجولان حزم ونائل بكى حارث الجولان من فقد ربه ..وحوران منه موحشٌ ومتضائل ولمكانها الاستراتيجي فقد كانت الجولان حاضرة في إثبات النفوذ السياسي والعسكري للعرب بعد الإسلام، فقد كانت مركزا لاستعدادهم لخوض أكبر الحروب مع الروم في معركة اليرموك عام (15ه/636م) في عصر الخليفة عمر بن الخطاب والتي قادها عدد من كبار الصحابة على رأسهم خالد بن الوليد، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وعمرو بن العاص، والقعقاع بن عمرو، وعكرمة بن أجهل ضد الروم، وانتهت بنصر مؤزر للمسلمين أنهى على وجود الروم البيزنطيين في الشام. وبعد تلك المعركة وفد الخليفة عمر بن الخطاب إلى الجولان، وفى عاصمتها الجابية بالقرب من مدينة القنيطرة خطب خطبة مشهورة والتي أرست للوجود السياسي للمسلمين في الشام، وقد أُطلق على هذا الاجتماع في التاريخ الإسلامي "مؤتمر الجابية الأول"، وقد سار الخليفة إلى دمشق فدخلها من باب الجابية، وهو باب يصل طريقاً بين دمشق والجولان. وهناك مؤتمرا آخر عُقد بالجابية في العصر الأموي أفضى إلى انتقال الحكم بين فرعى البيت الأموي من السفيانيين إلى المروانيين عام 65ه/685م حيث بويع مروان بن الحكم خليفة للمسلمين. واحتضنت السفوح الخضراء لمرتفعات الجولان أتباع الإمام سفيان الثوري(ت161ه)، وهو أحد كبار التابعين، وأشهر الأعلام في علمي التفسير والحديث، وقد كان كبيرهم أبو إسحق البلوطي رأس هذه المدرسة التي انقطعت إلى الزهد ودراسة الحديث بعيداُ عن أعين العباسيين. وقى ذلك يقول المؤرخ الكبير شمس الدين المقدسي (390ه/1000م) :" لقيت به أبا إسحاق البلوطى فى أربعين رجلاً، لباسهم الصوف، ولهم مسجد يجتمعون فيه، ورأيته فقيها على مذهب سفيان الثوري". وخلال الصراع الإسلامي مع الصليبيين احتلت الجولان مكانا بارزا، من خلال واحدة من أشهر مدنها "بانياس" والتي مثلت نقطة مهمة على طريق دمشق، لذا كانت دائماً سبباً للصراعات والحروب بين الصليبيين والمسلمين، فتناوبوا السيطرة عليها حتى قدوم الملك نور الدين محمود بن عماد زنكي، الذي دخلها بعد عدة محاولات وضمها لمملكة دمشق في العام(560ه/ 1165) طارداً الصليبيين للمرة الأخيرة من المنطقة. أصبحت الجولان خاضعة لسلطان حكام دمشق سواء أكانوا من المماليك أو العثمانيين، ومع طليعة القرن العشرين انتفض الجولان بالثورة ضد الانتداب الفرنسي حتى نالت سوريا استقلالها عام 1946م. وفى الخامس من بونيه عام 1967 قامت إسرائيل باحتلال الجولان ضمن ما احتله من الأراضي العربية والتي شملت شبه جزيرة سيناء، والضفة الغربية لنهر الأردن، ومزارع شبعا اللبنانية. وبعد تحديد خط الهدنة باتت المنطقة خاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، سيما جبل الشيخ بموقعه المرتفع الذي منح إسرائيل تفوقا إستراتيجيا جعلتها قادرة على كشف جميع الأراضي السورية، وما لبثت أن شرعت إسرائيل على الفور في عمليات الاستيطان في هذه المنطقة التي بلغت أكثر من 30 مستوطنة. وقد حاولت سوريا استعادة هضبة الجولان في حرب أكتوبر عام 1973، بالتوازي مع هجوم مصري لاستعادة سيناء، ولكن رغم الخسائر الكبيرة في القوات الإسرائيلية، وسيطرة السوريين على مركز القيادة الإسرائيلية في جبل الشيخ، إلا أن السوريين لم يجيدوا استغلال عنصر الوقت في تحرير الجولان كما أجاده المصريون في أول ست ساعات تحت وطأه ذهول الصدمة من قبل الإسرائيليين، ما أدى إلى قيام إسرائيل بحشد قواتها من جديد والانطلاق في إعادة قبضة الاحتلال من جديد. وفى عام 1974 تم نشر قوة مراقبة دولية على خط وقف إطلاق النار، لكن إسرائيل أعلنت إسرائيل ضم الجولان من جانب واحد عام 1981 وهي الخطوة التي لم تحظ باعتراف دولي، وقد أدان مجلس الأمن هذه الخطوة واعتبرها خارجة عن القانون الدولي. وتمتاز هضبة الجولان بخصوبة أرضها وصلاحيتها لأنواع كثير من محاصيل الخضر والحبوب والفاكهة، كما أنها تغذى نهر الأردن ب30% من موارده المائية، كما أن إطلالتها على بحيرة طبرية تضمن التحكم فى الإيراد المائي لهذه البحيرة التي تمثل المصدر الأساسي للمياه في إسرائيل. وقد استقبلت دولة الاحتلال تصريحات ترامب بضرورة الاعتراف بالجولان كجزء من إسرائيل بالترحيب والابتهاج، حيث قال نتانياهو لترامب "لقد صنعت التاريخ"، ويأبى التاريخ إلا عروبة الجولان التي أودعها في دفاتره قبل أن تؤسس عصابات الصهيونية دولتهم على الأراضي العربية بالدم والنار.